شكل مئات السكان على خمسة شواطئ في الضاحية الجنوبية لتونس العاصمة "أكبر سلسلة بشرية في تاريخ تونس"، احتجاجا على التلوث البحري الذي يحرم سكان المنطقة من التنعم بثروتهم المائية. فعلى رمال شواطئ رادس والزهراء وحمام الأنف وحمام الشط وبرج السدرية، وهو قطاع ساحلي ممتد على مساحة ثلاثة عشر كيلومترا ويعيش فيه 300 ألف نسمة، لبى تونسيون كثر الأحد نداء جمعية العمل المواطني التي تنشط منذ عامين رفضا للتلوث البحري الناجم عن انسكاب المياه المبتذلة من هذه المدن الساحلية في البحر من دون أي معالجة مسبقة في أحيان كثيرة. وتقول مريم شرقي البالغة 37 عاما والمقيمة في الزهراء إن ما يتعرض له البحر ليس بالأمر الجيد، قائلة إن المياه في المنطقة قذرة للغاية ومليئة بالأصداف والأسماك النافقة. وتنتقد الإهمال الذي يطال "ثروتنا البيئية". وبجانبها، ينظر طاهر جوابي البالغ 47 عاما والمقيم في المنطقة، إلى مياه البحر مستذكرا كيف كان يسبح خلال تسعينات القرن الماضي في هذا الشاطئ حيث كانت المياه نظيفة. ويقول بحسرة "لم أعد قادرا الآن على السباحة وابني أيضا لا يستطيع أن يسبح"، مشيرا إلى أنه شارك في هذا التحرك للتعبير عن الاستياء من التلوث الحاصل. وتوضح رئيسة جمعية العمل المواطني دنيازاد التونسي (45 عاما) لوكالة فرانس برس أن السلسلة البشرية ترمي إلى التنديد بالوضع المتدهور للبحر في المنطقة والذي بات يشكل خطرا على الصحة بسبب التلوث الجرثومي الذي يطاوله. وتؤكد إيناس الأبيض مسؤولة العدالة البيئية في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والتي دعمت هذا النشاط، لوكالة فرانس برس أن التحرك الذي شارك فيه 3500 شخص بحسب المنظمين، يشكّل "أكبر سلسلة بشرية في تاريخ تونس". وتلفت الأبيض إلى أن التلوث البحري في ضاحية تونس الجنوبية هو من بين "الأخطر في تونس برمّتها"، ويتخطى بفداحته ذلك المسجل جراء الإنتاج النفطي في صفاقس أو المصانع الكيميائية في قابس. شاهد: مزارعون تونسيون يعودون الى "البذور الأصلية" لمقاومة تغير المناخ دعوة إلى التحقيق في تسليم تونس بوحفص إلى الجزائر والقروي "يحرق مركب العودة" - كارثة بيئية - في الماضي ، كان شاطئ حمام الأنف، وهو أحد الشواطئ الملوثة، يعتبر "شاطئ الباشاوات"، وهم حكام تونس في ظل الإمبراطورية العثمانية. وشيّد هؤلاء قصوراً رائعة في هذه المنطقة. وتذكّر إيناس الأبيض بأن "أبناء الطبقتين الوسطى والفقيرة كانوا قبل 25 عاماً يسبحون على هذه الشواطئ التي يسهل الوصول إليها بالقطار"، موضحة أن هؤلاء باتوا اليوم، إذا رغبوا في الاستمتاع بمياه البحر، مضطرين للذهاب إلى منطقة الحمامات الواقعة على بعد 60 كيلومتراً إلى الجنوب. ويعود إحجامهم عن شاطئ حمام الأنف إلى أن روائح تزكم الأنف تنبعث من المياه السوداء التي تصب فيه ومصدرها وادي مليان، وهو وعاء للمياه المبتذلة في هذا الشريط الساحلي. وتشرح دنيازاد التونسي أن "عدد البكتيريا يجب أن يقلّ عن 500 لكل مئة ميلليلتر بحسب المعايير الدولية، أما هنا فعددها يبلغ 1800 بكتيريا لكل 100 ميلليلتر. إنها كارثة بيئية". وتوضح استناداً على تحاليل أجريت لحساب جمعية العمل المواطني، أن الملوثات تضم "بكتيريا ومكورات عقدية وبكتيريا قولونية برازية". ويعود هذا التلوث الكثيف إلى ثلاثة اسباب، بحسب إيناس الأبيض، تتمثل في المباني السكنية الجديدة غير المتصلة بمجاري المكتب الوطني للصرف الصحي، وترهل الشبكة لهذه الهيئة إذا تتكرر فيها الأعطال وتتدفق عليها مياه مصانع الجلود والطماطم في بن عروس بالقرب من ميناء رادس الكبير. ويتقاذف المسؤولون المحليون المنتخبون والهيئات الحكومية مسؤولية هذا القصور. وأعلنت بلديات عدة عن شكاوى ضد "الديوان الوطني للتطهير"، فيما كونت جمعية العمل المواطني ملفاً لمقاضاة الدولة التونسية. ويشدد بدر الدين الزبيدي، الرجل الثاني في مجلس الزهراء البلدي، خلال مشاركته في التظاهرة ، على انعكاسات هذا الواقع على التجارة والاقتصاد المحلي. ويلاحظ أن "حتى السمك لم يعد الناس يأكلونه"، مضيفاُ بحسرة "البحر هبة من الله ونحن ضحايا".
مشاركة :