بايدن يتحرك دبلوماسيا لتخطي انتكاسة أفغانستان واشنطن- دفع الرئيس الأميركي جو بايدن بتحركات دبلوماسية جديدة للحد من تهاوي صورة الولايات المتحدة على خلفية الانتكاسة التي مُنيت بها في أفغانستان. وفي مواجهة الضربة القوية التي تلقتها سمعته وإدارته جراء الانسحاب الفوضوي من أفغانستان في الحادي والثلاثين من أغسطس الماضي سيعقد الرئيس الأميركي سلسلة من اللقاءات الدبلوماسية عالية المستوى خلال الأيام القادمة محاولا إحياء تحالفات واشنطن التقليدية في مواجهة الصين. وسيلقي الرئيس الأميركي في البداية كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في الحادي والعشرين من سبتمبر، والتي تعقد هذه السنة بصيغة هجينة تجمع بين الافتراضي والشخصي. وأعلن نحو مئة من قادة الدول والحكومات نيتهم المجيء إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك، حسب ما تظهره قائمة مؤقتة تضم المشاركين. وذكرت “واشنطن بوست” و”بوليتيكو” أن الرئيس الأميركي يريد أيضا خلال اجتماع الجمعية العامة اقتراح عقد قمة دولية مكرسة للتلقيح ضد كوفيد – 19. وبعد ذلك سيستقبل جو بايدن في الرابع والعشرين من سبتمبر في واشنطن رؤساء وزراء الهند واليابان وأستراليا في إطار التحالف الرباعي المعروف باسم “كواد” أو “الحوار الأمني الرباعي”. وستسمح هذه القمة الرباعية بين بايدن ورئيس وزراء كل من أستراليا سكوت موريسون والهند نارندرا مودي واليابان يوشيهيدي سوغا “بتعزيز الروابط وتعميق التعاون”، سواء على صعيد مواجهة وباء كوفيد – 19 أو على صعيد مكافحة التغير المناخي. ويريد الشركاء الأربعة كذلك الالتزام بجعل “منطقة الهند – المحيط الهادئ مفتوحة وحرّة”، وهي عبارة دبلوماسية معتمدة للتنديد بالتطلّعات الإقليمية الصينية. ويأمل بايدن على الأرجح استعادة زمام المبادرة بعدما عانى صعوبات جمة خلال أغسطس على الصعيد الوطني والدولي بسبب الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، وهي صعوبات لا تزال موجودة حيث تتعالى الأصوات المنددة بخطط هذا الانسحاب. وخلفت الطريقة الأحادية التي أنهت فيها الولايات المتحدة حربا استمرت عشرين عاما في أفغانستان أثرا سلبيا لدى بعض حلفاء الولايات المتحدة. ولم تفوت بكين وموسكو فرصة التشكيك في أهمية دعم الولايات المتحدة للدول التي تعتمد في أمنها على الأميركيين. إلا أن بايدن أكد مرارا وتكرارا أن أحد أسباب مغادرة أفغانستان يتمثل في تكريس المزيد من الجهود للمواجهة الدولية الكبرى بين الأنظمة الديمقراطية وتلك المستبدة. وفيما لم يتخل بايدن عن النهج الصارم الذي اعتمده سلفه دونالد ترامب في مواجهة الصين إلا أنه ينوي الشروع في ذلك بطريقة مختلفة؛ فالرئيس الديمقراطي لا يريد أن يكون في مواجهة ثنائية مع الصين بل يريد التركيز على لعبة التحالفات. وأجرى محادثات هاتفية قبل فترة قصيرة مع نظيره الصيني شي جينبينغ للتحقق من أن قنوات التواصل لا تزال مفتوحة. ولن يتردد في استحداث فضاءات لمحادثات متعددة الأطراف؛ فإلى جانب لقاءات الخريف الرئيسية -مثل قمة مجموعة العشرين في روما في الثلاثين والحادي والثلاثين من أكتوبر وقمة المناخ (كوب 26) في غلاسكو من غرة نوفمبر إلى الثاني عشر منه- يريد بايدن أن ينظم مطلع ديسمبر “قمة من أجل الديمقراطية” عبر الإنترنت. وفي هذا اللقاء يتمثل التحدي الأول في تحديد قائمة المشاركين، إذ ينبغي عدم إثارة امتعاض أي بلد حليف للولايات المتحدة دون تقويض طموحات بايدن الكبيرة، والذي يرى أن الولايات المتحدة ينبغي أن تقود العالم “من خلال تشكيلها قدوة له”. وبموازاة ذلك تستمر الضغوط على إدارة بايدن داخليا بسبب الانسحاب الفوضوي من أفغانستان بعد سيطرة حركة طالبان المتشددة على البلاد في الخامس عشر من أغسطس. ودافع وزير الخارجية أنتوني بلينكن أمام الكونغرس مساء الثلاثاء عن الانسحاب المذكور الذي وصف بأنه “كارثة تاريخية واستسلام غير مشروط”. وبلهجة حازمة لم يسبق أن استخدمها هذا الدبلوماسي البشوش حتى الآن رد بلينكن على الاتهامات بشأن عدم الاستعداد بشكل كاف للانسحاب والتي أتى بعضها من صفوف المعسكر الديمقراطي أيضا. وشن هجوما مضادا بتحميله ترامب المسؤولية الكبرى عن الوضع. وقال خلال جلسة في مجلس النواب الأميركي “لقد ورثنا مهلة لكننا لم نرث خطة”. ورأى أن الرئيس بايدن لم يكن لديه خيار آخر عند دخوله البيت الأبيض مطلع العام الحالي “إلا وضع حد للحرب أو الانخراط في تصعيد. (…) حركة طالبان (آنذاك) كانت أقوى عسكريا من أي وقت مضى” منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 التي تقف وراء التدخل الغربي في أفغانستان، في حين أن عدد القوات الأميركية على الأرض كان الأدنى أيضا. والسبب في ذلك الاتفاق المبرم بين إدارة ترامب وطالبان الذي نص على الانسحاب الكامل للقوات الأجنبية من أفغانستان والإفراج عن خمسة آلاف متمرد. وأكد بلينكن أنه من دون هذا الاتفاق “لم يكن لينجز الانسحاب بالضرورة وفقا لهذا الجدول الزمني”. وتلقى الانسحاب الأميركي من أفغانستان دعما من جزء كبير من الطبقة السياسية الأميركية إلا أن إنجازه تعرض للانتقاد من كل الأطراف بعدما تحول إلى كارثة فعلية بعد عودة طالبان إلى الحكم. واضطرت الولايات المتحدة على عجل إلى إقامة جسر جوي لإجلاء الأجانب والأفغان الذين قد يواجهون حملات انتقامية من حركة طالبان. وقُتل 13 عسكريا أميركيا في هجوم شنه تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان واستهدف عملية الإجلاء أمام مطار كابول. وقال النائب الجمهوري مايكل ماكول “رفض الرئيس الإصغاء إلى جنرالاته ومسؤولي الاستخبارات الذين حذروه بالتحديد مما سيحصل خلال انسحابنا” منددا بحصول “كارثة تاريخية واستسلام غير مشروط أمام حركة طالبان”. واتهم بايدن وبلينكن بعدم الإيفاء بوعدهما الذي يقضي بعدم ترك أي أميركي في أفغانستان بعد الانسحاب. وقال زميله دان موزر ساخرا “تحمّلون الجميع المسؤولية ما عدا أنفسكم وحركة طالبان”. وفي حين خفف الديمقراطيون الانتقادات الصادرة من جانبهم منذ أغسطس، كثف الجمهوريون في المقابل هجماتهم خلال الجلسة التي استمرت خمس ساعات وذهب بعضهم إلى حد المطالبة باستقالة وزير الخارجية. وصرخ براين ماست وهو يحمل صورا لعسكريين قتلوا نهاية أغسطس في كابول “لقد تلاعبتم بأجهزة الاستخبارات”. ورد أنتوني بلينكن، الذي خرج لمدة وجيزة عن هدوئه المعهود عندما اتهمه النائب روني جاكسون باستغلال مقتل العسكريين، “ما تقولونه خاطئ بكل بساطة”. كما رد على نائبة اتهمته بـ”الخيانة” قائلا “أنا أخضع للمساءلة وقمنا بما كان ينبغي علينا القيام به”. وقال وزير الخارجية الأميركي “حتى أكثر التحاليل تشاؤما لم تتوقع انهيار القوات الحكومية في كابول قبل انسحاب القوات الأميركية. وما من شيء يظهر أن بقاءنا لفترة أطول كان سيجعل القوات الأفغانية أكثر مقاومة واستقلالية”. وأضاف “استعددنا لعدد كبير من السيناريوهات” ما سمح -حسب قوله- بإجلاء 124 ألف شخص.
مشاركة :