الدكتور عادل خميس: ننظر للظواهر الرياضية بوصفها نصوصاً ثقافية يمكن دوماً تحليلها

  • 9/16/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

أصبحت الرياضة حاضراً صناعة، لذا لم تعد متابعتها مقتصرة فقط على الرياضيين، فهناك آخرون ليسوا في الوسط الرياضي، وأصحاب مسؤوليات ومهام بعيدة عن الرياضة، لكنهم يعشقونها ويتابعون تفاصيلها. تكشف البطولات الكبرى لكرة القدم عن التفاتة رجال السياسة والثقافة إلى ذلك المعشب الأخضر الجذاب، فيتحول رجال الصف الأول في البلدان مع المثقفين في لحظات إلى مشجعين من الدرجة الأولى في مدرجات الملاعب أو مهتمين خلف الشاشات الفضية. يحضر الكثير من الساسة والمثقفين إلى مدرجات الملاعب خلف منتخبات الوطن، «دنيا الرياضة» تكشف الوجه الكروي لغير الرياضيين، عبر زاوية «الخط الأبيض» التي تبحث عن رؤيتهم للرياضة، وتبحث عن المختصر الرياضي المفيد في حياتهم وضيفنا اليوم الناقد والشاعر الدكتور عادل خميس، أستاذ النقد الحديث المشارك بجامعة الملك عبدالعزيز. الفرج أستاذ في الملعب يصنع النظريات وأحياناً يطبقها... والاتحاديون يحيطون بي هل الرياضة لدينا باتت صناعة، وإذا هي كذلك كيف نتعامل معها؟ تحولها لصناعة يحتاج إلى وقت طويل، وجهد مضنٍ، أعني صناعة حقيقية، هنالك ملامح -من هنا وهناك- تنتمي لعالم الصناعة، لكنها لتتحول إلى صناعة، تحتاج حاضنة صناعية، أعني تحتاج الرياضة إلى أن يصبح مجتمعنا مجتمعاً صناعياً، لتصبح هي كذلك بالفعل. الرياضة جزء من النسيج الاجتماعي، ولا يمكن أن تنمو بعيداً عن ديناميكيته الخاصة.   الصفراء لمن يحضر العشاء وقت المباراة والحمراء لمن يتعشى وينساني صناعة تشيلسي توافقني بأننا ما زلنا ببدايات الاستثمار الرياضي الحقيقي؟ نعم.. الفكرة الاستثمارية كذلك فكرة معقدة، وليست مجرد مشروع يطبق على كرة القدم. الاستثمار ينتمي لعالم المال، أي لعالم الاقتصاد، إذن، لكي يصبح لدينا استثمار رياضي حقيقي وصحي، يجب أن نبحث عن الحل في النظام الاقتصادي أولاً، نعرف مثلاً أن الأندية العالمية هي شركات استثمارية في الأساس، كل الأندية الإنجليزية كذلك على سبيل المثال. حين تفتتح شركة فأنت تؤسسها اعتماداً على قاعدة اقتصادية معينة، لنأخذ تشيلسي مثالاً، وقد اطلعت على محاضر اجتماعات مؤسسيه الأولية، وعلى أوراق تسجيله التي تعود لبداية القرن العشرين؛ هناك فكرة اقتصادية واضحة: جمهور من طبقة معينة (مستفيدون)، في زمن معين (توقيت)، وفي منطقة ما (مكان)، يحتاج منتجاً معيناً (بضاعة)؛ الولاء، والانتماء، والتشجيع... أمور تأتي لاحقاً. خالد الدخيل كابتن الأكاديميين والسريحي صانع ألعاب والغذامي لا يلعب بمفرده التعصب في التشجيع هل يمكن أن نسميه تطرفاً فكرياً رياضياً؟ ولماذا؟ أعتقد أننا متفقون أن التطرف لا يدخل شيئاً إلا أفسده، التعصب الأعمى يفوّت على الإنسان رؤية الحق أحياناً، ويفقده المنطق ومتعة الأشياء الجميلة، لكنْ لا بد أن أضيف أن قليلاً من التعصّب لا بأس به، أحياناً يكون كالملح في الطعام... تذكرون طرْد عبدالغني في نهائي 96، وقفنا جميعاً مع حسين، ولُمنا الإماراتي حسن سعيد، رغم أن ولدنا يستحق الطرد، كان ذلك تعصباً من نوع ما.. لكنه كان الملح، والوجبة كانت تستحق.. كانت آسيا.   أنا هلالي تشيلساوي وبيتي يغرق باللون الأزرق... وأطبق خطط توخيل على طلابي هل ترى أن التعصب الرياضي وصل مداه وبات الحوار المتزن غائباً، أم نعيش عكس ذلك حالياً؟ نعم نحتاج للعقلاء دائماً، ونحتاج للاتزان. لا أتابع البرامج الرياضية، وخصوصاً الحوارية، تصلني بعض المقاطع وأشاهدها، سأكون صادقاً معك، يخجلني مستوى الطرح كثيراً، يستحق إعلامنا الرياضي ما هو أفضل، لعلي -في ما شاهدت- لاحظت شيئاً، يبدو أن مشكلات التعصّب في الإعلام الرياضي لا تأتي من المتخصصين في الإعلام، ولا من نجوم الرياضة. لعل الدخلاء هم السبب، ولعل عددهم أصبح كبيراً. هل ترى بأن هناك علاقة تجمع الرياضة بالثقافة حالياً؟ طبعاً، الرياضة ثقافة في حد ذاتها، نسق ثقافي متكامل، يحمل لغته، ومجتمعه، وحركيته الخاصة، تنتمي الرياضة (بكل تفاصيلها) إلى ما يسمى ثقافة الجماهير أو الثقافة الشعبية (mass culture)، وما حدث في العقود الثلاثة الأخيرة أن مفهوم الثقافة النخبوي تراجع كثيراً، لم تعد الثقافة تعني أرقى الفنون والآداب (high culture)، بل أصبحت تعني كل شيء يخرج من المجتمعات ويؤثر فيها، نحن في النقد الثقافي، ننظر للظواهر الرياضية بوصفها نصوصاً ثقافية يمكن دوماً تحليلها، واستخلاص القوى المؤثرة فيها، للخروج بنتائج مهمة حول الهيمنة، والتأثير، وصناعة الرأي العام، لو نظرتَ إلى هذه المفاهيم الثلاثة، وفكّرت في أن ستين ألفاً يحضرون كل مباراة في ملعب الجوهرة، وأن الملايين يتابعون نهائياً معيناً، ستدرك كم أن الرياضة سلاح مهم جداً، مهم وخطير.   وهل ترى بأن الرياضة ثقافة وإن كانت كذلك فكيف نتعامل مع تلك الثقافة على الوجه الأكمل؟ هذا السؤال صعب ويحتاج لمؤتمرات ومجلدات للإجابة عنه كما تعلم. لكني سأختصر وأقول إن خير طريقة -في رأيي- للتعامل مع الرياضة بوصفها ثقافة تكون بالنظر إلى القيم التي تمثلّها، واعتبارها في كل خطوة، وكل برنامج، وكل تخطيط، خلف الرياضة مجموعة من القيم الإنسانية السامية، تعزيز هذه القيم عن طريق خلق ثقافة رياضية متزنة وصحية قد يساعد.   حس المسؤولية الاجتماعية الشهرة عالم، كيف يمكن أن تكون شهرة لاعبي الكرة طريقاً لتكريس السلوك الحضاري في حياة النشء؟ وهذه منطقة شائكة أخرى، لأن النجوم نتاج لهذا المجتمع، ويكون من الصعب أن نطلب منهم أن يصبحوا أناساً آخرين حين يشتهرون، من هنا أرى أن الحل يكمن دوماً في التعليم، وفي تعزيز الوعي، الوعي الاجتماعي عموماً، ووعي اللاعبين الصاعدين أيضاً. اللاعب يحتاج أن يتشرب حس المسؤولية (الاجتماعية) الملقاة على عاتقه لأنه أصبح مشهوراً، يحتاج أن يفهم المسؤولية، ويستوعبها، لتكون تصرفاته بعد ذلك نتاجاً لتلك الذهنية. لا نفترض طبعاً أن المشاهير لا يخطئون، فهذا مستحيل، لكن ما نريد أن نصل إليه أن يدرك المشهور خطأه حين يرتكبه، ويفهم أن تأثير هذا الخطأ يتجاوزه إلى النشء، كما أن تأثيره الإيجابي يصنع الفرق أحياناً.. التأثير الإيجابي.. هل أحتاج أن أضرب مثلاً بماجد عبدالله؟ أو بخميس الزهراني؟ أو بمحمد الشلهوب؟ لا أعتقد.   في الرياضة يحصد الفائزون والمتألقون الكؤوس، فما الذي يقلل ذلك لدى المبدعين في المجالات الأخرى ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً؟ الستون ألفاً الذي تحدثت عنهم سابقاً.. والملايين الذين يتابعون خلف الشاشات، هم الذين يحدثون الفرق، لست مع البكّائين الذين يحسدون الرياضيين على شهرتهم، لأن الحسد لا منطق له، نعم يستحق العلماء والمبدعون التكريم المادي والمعنوي، لكن الرياضة ستظل الرابح الأكبر، وستقاسمها الفنون (السينما والدراما والموسيقى). ببساطة لأن الجماهير العريضة تقف خلفها، وتهتم بها، لدي شعور أنه لو حصل العلماء والمبدعون على ما يستحقون من تكريم، فإن الحسد (والنق) على الرياضيين سيستمر، شهرة الرياضة والرياضيين حتمية تاريخية. علينا أن نقبل ذلك.   *  كانت الرياضة للصحة والمتعة، والآن أصبحت للمال أكثر، من أفسد بياضها؟ تظل الرياضة للصحة.. وللمتعة.. ويظل المال لهم جميعاً. وفرة الأموال تؤثر على كرة القدم كيف صارت لغة المال والاحتراف طاغية على الإبداع والإخلاص عند اللاعبين السعوديين؟ أنا لست خبيراً هنا، لكني سأبدي رأيي المتواضع، أعتقد أن مستوى التنافس يخلو من اتزان، أعني التنافس على الفرص مع الوضع المادي (النقود التي تصرف)، لو كان التنافس أكبر على الفرص؛ أيْ فرصٌ أقل مع متنافسين أكثر (عرض أقل وطلب أكبر) لكانت الحال أفضل، أنا سعيد أن هذه الأموال تذهب لأبنائنا، لكني أريد لرياضتنا أن تتطور أيضاً، لا أعتقد أن كثيراً ممن يأخذون الأموال يحسبون مواهب حقيقية تستحق، أعتقد أن وفرة الأموال تؤثر على تطور كرة القدم لدينا، أبناؤنا لا يحترفون في الخارج، وهذا يقلل فرص الاستفادة الحقيقية من البطولات القوية عالمياً وأنظمة وبرامج الاحتراف والتدريب والمهنية وكل هذا ينعكس على احترافية اللاعبين وحس المسؤولية لديهم. الموهبة هي من تصنع النجوم الواسطة» لا تصنع النجوم» هل ترى في الوسط الرياضي نجوماً صنعتها الواسطة؟ على الأقل تصنع الفرصة، أعتقد أن كثيراً من أنصاف النجوم، وأنصاف الموهوبين وجدوا مكانهم في عالم الرياضة بفضلها، عموماً؛ تبقى الموهبة مع العمل الجاد عامليْ النجاح الأبرز في الرياضة وفي غيرها. يقولون إن حرية الكتابة في المجال الرياضي، أكبر منها في الشؤون الأخرى إلى أي مدى تقنعك هذه المقولة؟ طبعاً.. ليت العكس.. هو الواقع. *  بين القمر والشمس هل هناك ثمة مكان لميولك؟ -  «مثل القمر والشمس كنّك وكنّي... أعكس شعاعك وأسهر الليل عنّك» لمن توجه الدعوة من الرياضيين لزيارة منزلك؟ لسلمان الفرج طبعاً.. «فهو أستاذ في الملعب؛ يدرّس، يصنع النظريات وأحياناً يطبقها، ويشرف على اللاعبين من حوله، كما يفعل بروفيسور في جامعة». هل سبق وأن أقدمت على عمل وكانت النتيجة تسلل بلغة كرة القدم؟ هل مرّت عليك قصيدة بعنوان (حالة تسلل)؟!! عملتُ في الصحافة الثقافية لسنين طويلة من عمري... وما أكثر التسللات التي وجدت نفسي فيها، أحياناً، كنت أغضب من الراية، وكثيراً ما أنقذتْني. شكل لنا منتخباً من الأكاديميين فربما كُنا طرفاً بنهائي كأس بطولة للأكاديميين يوما ما؟ لم لا.. ، في الدفاع سأختار نعمان كدوة، أثق أنه سيحمي المرمى من الأهداف، ومعه دكتورنا خالد الدخيل (سيكون كابتن المنتخب طبعاً)، سعد البازعي ربما ظهيرنا الأيمن، وصالح زيّاد (مكان عبدالجواد)، حارسنا سيكون مصطفى ما يابا (لأنه تشيلساوي مثلي، ولأنه رئيسي أيضاً). وفي الهجوم سأبحث عن صديقي خالد المحمدي (عميد كلية الهندسة في جامعة طيبة)، لطالما شهدت شِباك بريطانيا أهدافه التي صنعتها. معي في الوسط سأختار طبعاً سعيد السريحي وعبدالله الخطيب (هما الأقرب لي، والأكثر تفاهماً). سيكون في المحور -مع الخطيب- سعود الصاعدي، وسعيد السريحي في اليسار، وفي الجهة الأخرى من خط الوسط (بعيداً جداً عن السريحي)، قد أختار عبدالله الغذامي، بشرط أن يلعب مع الفريق، وللفريق، لا أن يغرّد وحيداً... كعادته!!     العقل السليم في الجسم السليم» عبارة نشأنا عليها رغم خطئها، فكم من شخصية عبقرية لا تمتلك جسداً سليماً، باختصار نريد منك عبارة رياضية بديلة لجيل المستقبل؟ تُخيّرهُ الحياةُ غِـوايَـتيْهِ... فيضحكُ حين ينكشف الستارُ: أفي موتي.. تخيّرني حياتي؟! وهل للطينِ -سيدتي- خيارُ؟! ما المساحة الحقيقية للرياضة في حياتك؟ أنا رياضيٌ بامتياز، أصدقائي يشهدون بذلك؛ ألعب كرة القدم ثلاث مرات في الأسبوع، وأركض مثلها، لا أصرخ أبداً خلالَ لعبي الكرة (أصدقائي قد يشهدون بذلك أيضاً!!). ولا أصرخ حين أتابع تشيلسي، أشجّع الهلال، ومن ذا يلام في حب الهلالِ!؟ عام 86 سلَب إي سي ميلان عقولنا، فتعلقنا بأستار الأسود والأحمر، كان رود خوليت وحشاً مغواراً، جعلَنا مع بقية الهولنديين نتبعه حيثما كان، لذلك حين انتقل لتشيلسي في 1993 انتقل قلبي مع أزرق لندن، من حينها وأنا تشيلساوي.. أتابع كرة القدم كثيراً؛ لا ينافس القراءة في حياتي شيء أكثر من الدوري الإنجليزي، أحياناً أطبّق خطط توخيل وغوارديولا على طلابي وطالباتي.. بعضها تنجح، وبعضهم يهربون في الميركاتو. متى كانت آخر زيارة لك للملاعب السعودية؟ قبل كورونا، حضرت للاتحاد، وأحضرُ دائماً للمنتخب، أحب أن أشاهد المباريات في الملعب، أول مباراة حضرتها كانت للمنتخب ضد سورية عام 87 في جدة... يا الله على تلك المباراة، قصيدة خضراء لا تموت، أحضر للاتحاد كثيراً، لأن الاتحاديين يحيطون بي، وفي بريطانيا أحضر لتشيلسي، ولغيره، ومعي كتابي دوماً، نعم، لمن سأل أو تساءل: أنا ذلك الذي يحضر للملعب.. وكتابه بيمينه.   برأيك هل الملاعب لدينا بيئة جاذبة عطفاً على الخدمات؟ تحسنت كثيراً، في الثمانينات والتسعينات كنا مساكين.. لعلك تسأل الشباب الصغار عن الوضع اليوم، يعطونك رأياً أكثر واقعية. أي الألوان تراه يشكل الغالبية السائدة في منزلك؟ -أزرق.. أزرق.. والمنزل يصرخ؛ إني أغرق.. أغرق!! لأي الأندية تدين الغلبة في منزلك؟ حتى الآن.. لتشيلسي.. خططي لم تنجح مع الهلال، فجربت أزرق لندن. البطاقة الصفراء في وجه من تشهرها؟ في وجه مَن يُحضِر العَشاء وقت المباراة!! ولمن توجه البطاقة الحمراء؟ في وجه من يتعشى.. وينساني. إن قيض لك اقتحام المجال الرياضي ما الأمر الذي تحسب له ألف حساب؟ كل إنسان أصغر مني. هل يزعجك صوت المعلق الرياضي الذي لا علاقة له باللغة العربية؟ يزعجني الصراخ العربي في التعليق، لذلك أشاهد المباريات بالتعليق الإنجليزي، التعليق الإنجليزي -في رأيي- وجبة إضافية للمباراة. هل أنت مع إقامة مسابقات تختص باللغة العربية تقيمها الأندية في فترة توقف المسابقات الرياضية، تفعيلاً للمجال الثقافي ومحافظةً على لغتنا الخالدة؟ نعم طبعاً.. بشرط أن تكون الجوائز بقيمة عقود اللاعبين.. وأن يُسمح لي بالمشاركة!! د. عادل خميس تشلسي د. عبدالله الغذامي الضيف يستلم شهادة من د. جمعان الغامدي بحضور د. سعيد السريحي د. خالد الدخيل

مشاركة :