قرية «المفتاحة» كانت بمثابة أكاديمية لتعليم الفنون البصرية

  • 9/16/2021
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

في مرسمه ذي الإطلالة البانورامية بمدينة أبها، يقضي الفنان التشكيلي فايع الألمعي أغلب أوقاته وسط لوحاته التي تملأ المكان، والتي يحتفظ بالبعض منها بعد اقتنائها مطبوعة على ورق “كانفس”، ويتأمل تلك اللوحات كلما شرع في رسم لوحة جديدة لتمده بالحماس وتدفعه للرسم بشغف أكبر، لتولد بعد ذلك لوحة مذهلة مثل سابقاتها تدهش المتلقي، وتضاف إلى رصيده الفني الممتد لأكثر من ثلاثة عقود. * أنت فنان تشكيلي درست الجغرافيا، فهل كان لذلك أي انعكاس بشكل مباشر أو غير مباشر على أعمالك؟ _ بالطبع أفادتني دراسة الجغرافيا وساهمت في تنمية موهبتي وصقلت شيئا منها، لم يكن هناك تخصص تربوي للفنية، وربما كان تخصص الجغرافيا قريباً بعض الشيء من الفنية، بالرغم من أنني كنت مٌعارضا جدا لدخول كلية التربية، ولكني وجدت نفسي فيها، أفادني هذا التخصص كثيرا من ناحية دراسة المناخات والتضاريس والخرائط والأبعاد، وكان هذا التخصص يحتوي على الرسومات، وأسهم كل ذلك في تنمية موهبتي في الرسم بعض الشيء، رغم أن الموهبة كانت موجودة لدي من قبل، ولكن زادت بعد دراستي. وقد أجريت بحثاً خلال الدراسة الجامعية عن جماليات أنماط العمارة في جنوب المملكة، من جيزان وحتى السراة في أبها، والتي تختلف تماما من منطقة إلى أخرى، فهناك العشة والبيت الصغير والبيت الحجري والطيني وغيرها، وقد أفادني هذا البحث كثيرا، ومن خلاله قمت بتطبيق ما جاء فيه بمتحف عبد الرؤوف خليل في جدة، وعملت نفس النموذج الذي عملته في البحث. * ماذا أضاف لك الانتماء لمدينة أبها ومنطقة عسير كفنان تشكيلي، وكيف انعكس هذا الانتماء على أعمالك؟ _ كل إنسان هو ابن بيئته، إن لم تتأثر بالبيئة فبماذا ستتأثر، بيئتنا بمنطقة عسير غنية كثيرا، فهناك التراث ومهما حاول الرسام أن يرصده فإنه لا يستطيع، لكنه يحاول أن يلتقط بعض الأشياء ويسجلها من خلال الأعمال، فالبيئة بلا شك لها دور عظيم. * ابتكرت مدرسة خاصة لك في الرسم مثلما ذكرت في لقاء تلفزيوني وهي التأثيرية الرمزية، ما فكرة هذه المدرسة؟ _ أنا أحاول أن أجد لنفسي موقعا في عالم الفن...بداية كنت مهتماً بالفن من خلال المدرسة الكلاسيكية التي يجب أن يمر بها الفنان لكي يتمكن من إجادة رسم الموجودات بشكل جيد واحترافي، وهو نقل الواقع المرئي، وهنا يكون رساما، تأتي مرحلة بعد ذلك ليكون للفنان الرأي في ما يشاهده من خلال الألوان والتكنيك والشعور بالتعبير الذي يفسح لك المجال للتحرر من تلك القيود، ليصبح لك خط تعرف به تلك المرحلة التي يشتغل عليها الفنان من المشاهدات والممارسة والاستفادة من خبرات الآخرين تجد نفسك تبحر من خلال أعمالك إلى ذلك الشعور الذي يترجمه ويقرأه المتلقي ويتفاعل معه. * أنت أحد فناني قرية “المفتاحة” سابقا. ماذا تعني لك هذه القرية، وما الدور الذي قدمته في خدمة الفن التشكيلي؟ _ كنت من أوائل الفنانين الذين التحقوا بقرية “المفتاحة” التشكيلية، و كنا نحلم ونراقب اكتمال هذا المشروع الثقافي المميز، وكان ذلك في عام 1410 هـ – 2000م ، ومن حسن الحظ أن أحصل على أحد مراسم هذا المركز بدعم من الأمير خالد الفيصل حيث كان الداعم لهذه المنشأة وصاحب فكرتها. كانت قرية “المفتاحة” تستقطب الكثير من الفنانين من داخل وخارج المملكة، وأصبحت تمثل أكاديمية لتعليم الفنون البصرية تقام بها ورش ودورات موسمية ننتظرها بشغف لكن لم تستمر بهذا العطاء وهذا الوهج. كانت بوصلة الفنون تتجه إلى قرية “المفتاحة” التشكيلية. وبلا شك، فإنّ الاستفادة عظيمة في بداياتنا من هذه القرية إعلاميا وماديا وتعليميا بالاحتكاك بكبار الفنانين، والتفاعل مع الجمهور المتذوق الذي كان دافعاً لعمل أفضل كانت مرحلة مهمة في حياتي الفنية. * شاركت في أكثر من سبعين معرضا داخل وخارج السعودية، ما الذي يحفزك على المشاركة في المعارض؟ _ مشاركة الفنان في أي معرض تضيف له، حيث تجعله يقارن نفسه بالفنانين الآخرين وأعمالهم، ويستمع لنقد الفنانين الكبار الذين يعطونه بعض الملاحظات، كل ذلك يفيد الفنان بشكل كبير، وفي ذات الوقت تشجعه لأن يعمل بشكل أفضل في المستقبل، خاصة إذا طلب منه مشاركة خارج المملكة، فذلك يحفز الفنان على المشاركة بأفضل الأعمال ويجعله يتحدى نفسه أن يعمل أكثر من طاقته حتى يكون عمله مميزاً من خلال هذه المشاركة. * “الفنان ابن بيئته” هكذا يقال، ونلاحظ أن هذه الجملة تنطبق بشكل كبير عليك، كيف تصف لنا علاقتك كفنان بالبيئة في منطقة عسير؟ _ لا نفترق أنا والبيئة، فكلما حاولت أخرج عن بيئة منطقة عسير أجد نفسي متوغلا بها، فالبيئة لدينا غنية جدا، والتراث لدينا عظيم وغير موجود على مستوى المملكة، ولا على مستوى العالم، فهناك ميزة في تراث عسير، ليس فقط الإرث المادي فقط، بل أشياء كثيرة مثل الرقصات الشعبية الفلكلورية، والزي الشعبي وغيرها، ينبغي أن يركز الفنان في أخذ بعض هذه المكنونات العظيمة وسيخرج بعمل عظيم. * حصلت خلال مسيرتك الفنية على عدة جوائز من بينها جائزة ضياء عزيز، ما تأثير مثل هذه الجوائز والنجاحات عليك كفنان تشكيلي؟ _ بلا شك لها دور عظيم وتحفز على القفز أكثر وأكثر في عملية الإنتاج بشكل راقٍ وأفضل، وتجعل الفنان يختار أفضل الأعمال للمشاركة في تلك المسابقات، وهي داعم كبير وتضعك في موقع معين من بين الفنانين، وسبق أن فزت قبل جائزة ضياء عزيز بجائزة أبها الثقافية ثلاث مرات بالمركز الأول، وفزت بجائزة دولية في النمسا، ومجموعة جوائز على مستوى المملكة في كثير من المعارض التي نظمتها الخطوط السعودية ورعاية الشباب قديما. * استخدمت في مراحل سابقة من مسيرتك الفنية الأسلوب التنقيطي في الرسم، كيف تقيم تجربتك بالرسم من خلال هذا الأسلوب، وهل توقفت عن استخدامه أو ستعود له؟ _ لدي بعض الأعمال بالأسلوب التنقيطي، فهناك عمل رسمته منذ حوالي 15 عاما ولم أنتهِ منه حتى الآن. وهذه المرحلة اشتغلتها وكانت من أفضل المراحل التي كنت أفوز فيها بالمسابقات، وكنت كلما شاركت في مسابقة تفوز أعمالي التنقيطية بالمراكز الأولى، ولكن تشبعت منه في مرحلة من المراحل فابتعدت عنه. وعلى رغم من أنني أجد به شيء من الممل به إلا أنني قد أعود إليه بعد فترة، لكنني مؤخراً أجد الحرية والبساطة بالمدرسة التي أرسم من خلالها الآن. كما أن المنطقة خدمتنا كثيراً سواء من حيث اللون أو طبيعة المنطقة وتضاريسها، فاستخدام السكين مثلاً في الرسم يتناسب مع البيئة. * أنت أحد الفنانين الذين يتسارع الكثيرون لاقتناء أعمالهم من شركات وأفراد، بماذا تشعر عندما تقتنى أعمالك؟ _ يتملكني شعور عندما تقتنى أعمالي بالفرح والحزن معا؛ بلا شك الفنان يفرح عندما يتم اقتناء أعماله وبالأخص عندما تطلب منه شخصية مرموقة عملا له، إلا أنني بعد فترة أشعر بالندم على فقدان هذه اللوحة، ولكن من المستحيل أن يرسم الفنان ويكدس أعماله، لأنه سيصبح مكتفٍ ومتشبع وغير قادر على الإنتاج، واقتناء الناس للوحاتي يعطيني ذلك دافعاً أكبر لإنتاج أعمال جديدة، أفضل من السابق. وأرى أن عملية أرشفة الأعمال وطباعتها، أصبحت نوعا ما تعطي الفنان قناعة بأن العمل موجود، ويمكن أن تستفيد منه ماديا ويكون أمامك، لأن بعض الأعمال تحفزك على العمل. أحيانا أشاهد بعض الأعمال قبل البدء في العمل على لوحة جديدة، وتشجعني للعمل على لوحة جديدة، لكن بعض الأعمال من المفترض ألا يفرص فيها الفنان، فلدي أعمال لم أزل محتفظاً بها ولن أفرط بها. * لديك حضور مميز في مواقع التواصل الاجتماعي كتويتر وانستغرام، كيف خدمتك هذه المواقع كفنان تشكيلي وماذا أضافت لك؟ _ أضافت الشيء الكثير، وأعتقد أنها عرفتنا على العالم بشكل أوسع، وأصبحت هي المعرض وهي السوق وهي الناقد وهي المشجع، فأوصلتنا بشكل عظيم، وخدمتنا كثيرا. * نلاحظ حضور المرأة في أعمالك بالزي التراثي لمنطقة عسير، ما الذي بقي للمرأة من إبداعك، وهل يمكن أن نرى المرأة في أعمالك بعيدا عن الهوية العسيرية؟ _ لو بقي الفنان يعمل طوال العمر لن يوفي المرأة حقها، ولا الرجل أيضا، مهما أنتجنا من الأعمال لا زلنا مقصرين، وأشعر أن هناك الكثير من التفاصيل والمواضيع من المفترض أن نتطرق لها، بحيث ترصد ما كانت تعانيه الأمهات قديما، أتوقع أنه لم يزل هناك الشيء الكثير للمرأة، وفي اعتقادي أنها ليست محصورة فقط على المرأة بمنطقة عسير أو الجنوب فقط، بل يجب أن نخرج إلى ما هو أبعد من هذا. * زارت مرسمك العديد من الشخصيات من بينهم أمير عسير ومدير مكتب ولي العهد الأستاذ بدر العساكر، ما تأثير هذه الزيارات عليك، وهل ستثمر عن أي مشاريع فنية؟ _ هي دافع كبير ومشجع، خاصة عندما تسمع بعض العبارات التشجيعية، يكون لها وقع في النفس، وزيارة مثل هذه الشخصيات تعطيك إعلاماً أكثر، ويتمنى الفنان زيارة شخصيات كبيرة مثلما يتمنى زيارة شخصيات عادية، فأنا أفرح عندما يزور مرسمي جمهور عادي، ويتأمل في اللوحات، وألمس في عيونه الدهشة والفرح والتعابير الجميلة، وتلك الزيارات بلا شك تعطيك دافعاً للعمل أكثر، ومسؤولية أكبر في عملية إخراج عمل يكون على مستوى هذه التطلعات. أتمنى في المستقبل أن يكون هناك اهتمام أكثر بمجال الفن التشكيلي، فنحن أحيانا نقارن بين الاهتمام بالرياضة والفنون، فنجد أن الرياضة أخذت اهتماماً أكبر، ونتمنى أن يكون هناك اهتمام مشابه بالفن التشكيلي. ونجد أن سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله - مع رؤية 2030 من أكبر الداعمين للفنانين التشكيليين، وقد أمر سموه بأن تكون الأعمال في الدوائر الحكومية والمؤسسات من أعمال الفنانين السعوديين، وهذا بلا شك أعطى قيمة مادية ومعنوية لعمل الفنان السعودي، ونتمنى أن يستمر هذا الاهتمام والعطاء بهذا المجال. * خالد الفيصل.. ماذا يعني لك هذا الاسم كفنان تشكيلي في منطقة عسير؟ _ سمو الأمير خالد الفيصل الداعم الأول للحركة الثقافية ومنها الفنون التشكيلية في منطقة عسير في تلك الفترة الذي كان فيها أميرا للمنطقة، وبلا شك في أنه المحفز والمشجع والداعم الأول لي كفنان ماديا ومعنويا، وكان ذلك جليا في إنشاء مركز الملك فهد الثقافي (قرية المفتاحة التشكيلية). لن أنسى افتتاحه لمعرضي الأول عام 1421هـ —2000م وكلماته التي سطرها في سجل الزيارات، والتصريح لوسائل الإعلام التي كانت دافعا لعمل أفضل والاستمرار بكل جد كما ذكر، أرجو أن أكون قد حققت شيئا من ذلك كما هي رغبة والدي رحمه الله. * “باني المجد” عنوان لوحة لك رسمت بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، كيف تقرأ كفنان شخصية الأمير محمد، وهل انتصر لكم كفنانين تشكيليين؟ _ يرسم الفنان بعض الشخصيات بإحساس مختلف عن بقية الشخصيات الأخرى، فكانت لوحة “باني المجد” من اللوحات التي أعتز بها كثيرا، وحازت والحمد لله على إعجاب الكثير وأخذت صدى كبيراً، وتحدث عنها كبار الفنانين بأنها من أعظم اللوحات التي رسمت لسمو ولي العهد لأمير محمد بن سلمان، وقد اقتناها وزير الثقافة سمو الأمير بدر بن فرحان، وبلا شك أن الدور الذي قام به سمو الأمير محمد دور عظيم في تشجيع الفنانين وإعطائهم حقهم المعنوي والمادي بحيث أن عمل الفنان السعودي أصبح له قيمة عظيمة، نتمنى أن يستمر هذا التوجه، وأتمنى أن نحترم نحن الفنانون هذه الرؤية وهذه الفرصة التي منحنا إياها، وأرجو أن لا تكون هذه الرؤية من قبل أصحاب المشاريع والصالات محتكرة على أسماء خاصة، والقادم أفضل بإذن الله من ناحية المسؤولين ومن ناحية الفنانين. * قلت في لقاء صحفي بأنك تحلم بجمع كل أعمالك في كتاب يوثق مسيرتك، وأن تقيم معرضا شخصيا خارج المملكة يحكي قصة عسير الإنسان والمكان، ما مدى اقترابك من تحقيق هذين الحلمين، وما الدعم الذي تحتاجه لتحقيقهما؟ _ أرى أنهما بعيدين، لم أقترب كثيرا من تحقيقهما، فبخصوص المعرض خارج المملكة أتوقع أن هذا الحلم سيتحقق إذا ما بذلت جهداً، وبخصوص الكتاب التوثيقي للأعمال الموجودة لدي، فعندي كم هائل من الأعمال بعضها رصدته بكاميرا احترافية بحيث يظهر بدقة عالية، وهناك الكثير من الأعمال لم أستطع رصدها بكاميرا احترافيه حيث اقتُنيت أو فازت بجوائز، وأنا لا أرغب بعمل كتيب، بل أرغب بعمل كتاب على مستوى جيد يكون إضافة لي، وآمل أن يكون هناك دعم من وزارة الثقافة أو رجال الأعمال لهذا المشروع الذي أعتبره حلماً لي. * بعد مسيرة تمتد لأكثر من 30 عاما في الفن التشكيلي، ما الذي بقي بداخلك من مشاريع وأحلام وطموحات؟ _ أنا لا زلت في الدرجة الأولى، طموحي عنان السماء، وأتمنى إضافة أسلوب وشيء يذكر حتى أترك بصمة مميزة في هذا المجال بعدما أرحل. الطموح كبير وبإذن الله ستشاهدون أعمالاً قادمة أفضل من السابق. * هل من كلمة أخيرة؟ _ أشكركم على اهتمامكم بتسليط الضوء على هذه المسيرة التي أعتبرها بسيطة، وأتمنى من الإعلام أن يسلط الضوء على الفنانين بشكل خاص والثقافة بشكل عام، فهناك شيء من الإجحاف ولم يعطونا حقنا سواء الإعلام المرئي أو المسموع والمقروء، وهناك بعض البرامج لا تسلط الضوء على فناني منطقة عسير، ونأمل أن يكون هناك اهتمام في المستقبل.

مشاركة :