غادرت عملاقة الكوميديا الكويتية هذه الدنيا بعد أن تركت لنا إرثاً فنياً راقياً من خلال أعمالها طيلة مسيرتها البالغة 41 عام لتقدم مسيرة طويلة من العطاء قدمت خلالها 89 مسلسلاً تلفزيونياً بالإضافة إلى 110 مسرحية، وعدد من الأعمال الأخرى، وقد تسيدت عرش الكوميديا في الكويت بل إنها تعتبر إحدى عمالقة الفن إذ تركت بصمة جميلة وابتسامة لدى الجمهور الخليجي والعربي. وُلدت انتصار الشراح في طنطا بمصر في 5 نوفمبر 1962م، وانتقلت بعدها مع أسرتها إلى بلدها الأصل الكويت، ثم بعد ذلك تزوجت رجل الأعمال مازن سالم التميمي، وهو رجل أعمال كويتي وأحد أهم الشخصيات الاقتصادية في الكويت، ويعمل في مجال التجارة والاستثمار. التحقت بالمعهد العالي للفنون المسرحية وتخرجت عام 1985م، وقدمت الكثير من الأعمال الفنية التي لا يمكن حصرها بل نستعرضها على سبيل المثال، حيث بلغ مجموع مسرحياتها 110 مسرحية كوميدية متنوعة القضايا منها: “مسرحية تسمح تضحك – سندريلا – الإنسان الآلي – الطنطل يضحك – الدكتورة صنهات – لولاكِ – بشت المدير – وراهم وراهم – أزمة وتعدي – زوج سعادة الوزيرة – أشباح أم علي ..” إلا أن أشهرها مسرحية “باي باي لندن” و”انتخبوا أم علي” ، فمسرحية باي باي لندن، أولى محطاتها والتي عرفها الجمهور من خلالها، وكان لها صدى واسعاً؛ إذ ناقشت مواضيع اجتماعية بأسلوب كوميدي، وعرضت للمرة الأولى في 18يونيو1981 ، وهي من بطولة عبد الحسين عبد الرضا وغانم الصالح وهيفاء عادل ومريم الغضبان ومحمد جابر. وشهدت نجاح الممثلين الجدد داود حسين وانتصار الشراح. ويدور محور المسرحية عن رجل كبير في السن يسافر إلى لندن للقاء أخيه الذي يدرس بها، ويبذل جهده لإنقاذ أخيه الذي يتعرض للنصب والاحتيال في لندن. وشهدت المسرحية نجاحا باهرا لما احتوته من الرمزية والإسقاطات السياسية والاجتماعية وانتقاد بعض الأوضاع العربية. كذلك مسرحية (انتخبوا أم علي) بطولة عبد الرحمن العقل وعبد الناصر درويش وانتصار الشراح وداوود حسين وخليل إسماعيل، ومن تأليف محمد الرشود ومن إخراج نجف جمال، وقد تم عرض هذه المسرحية في عام 1993, تتناول المسرحية عدة قضايا منها: حق المرأة السياسي، وفكرة دخول المرأة الكويتية لمجلس الأمة الكويتية، وكيف سيؤثر ذلك على حياتها العائلية. كما تطرح المسرحية قضية الأسرى الكويتيين في السجون العراقية. تحكي المسرحية قصة أم علي (انتصار الشراح) التي تقرر خوض الانتخابات البرلمانية ويؤيدها في ذلك زوجها وابنهما الأصغر. ولكن يعارضها ابنها الأكبر علي؛ لأنه لا يؤمن بفرصة نجاحها، فيذهب لتأييد عمه، تتواصل أحداث المسرحية وتنجح أم علي في الوصول لقبة البرلمان فتتأثر علاقتها مع زوجها بسبب انشغالها في العمل البرلماني. وهي من الأعمال التي أثرت الساحة الفنية الخليجية والعربية مما جعلها تحظى بشعبية كبيرة لدى المشاهد الخليجي٠ كما قدمت عدداً من المسلسلات منها”: عائلة فوق تنور ساخن – الأسوار – لمن يهمه الأمر – عش الزوجية – المغامرون الثلاثة – الدعوة عامة – سابع جار – وين ما أطقها عوية ..” وأبرز تلك المسلسلات هو مسلسل “ خرج ولم يعد “ الذي يلمس قضية اجتماعية حساسة في ذلك الوقت بحس كوميدي. من إخراج “حمدي فريد” وكتابة “طارق عثمان”، مكون من 13 حلقة. شارك به كوكبة ثقيلة من الفنانين الكويتيين منهم الفنان الراحل غانم الصالح – سعاد عبدالله – حياة الفهد – إبراهيم الصلال. تدور قصته حول «سليمان أبو الريش» المتزوج من «غنيمة» صاحبة الشركة التي يديرها، ثم يتزوج عليها «دلال»، وتبدأ الأحداث بالتضخم إلى أن تنتهي بجنون «سليمان أبو الريش» وهروبه من المنزل. تجتمع المواقف والأحداث في بيت واحد عندما تجتمع غنيمة “حياة الفهد”، بشريكتها دلال “سعاد عبد الله”، فتحتدم بينهما المنافسة فتحاول كل منهما إيقاع الأخرى في الفخ لتكون السلطة لها أكثر من الثانية. وتعد مسلسلاتها ذات تاريخين منفصلين: الأول في المجال الكوميدي، والثاني في المجال الدرامي، حيث انحازت الفنانة للأعمال الدرامية في آخر سنواتها، فقدمت عدداً من أنجح المسلسلات الكويتية في وقتنا الحاضر، ومن تلك الأعمال: “ لا موسيقى في الأحمدي – حدود الشر – حضن الشوك – دفعة القاهرة – ورود ملونة .. وآخرها مطر وصيف” ولم تقتصر بث مواهبها في المسرحيات والمسلسلات؛ بل نجد لها رصيداً جيداً في أعمال التقديم والبرامج حيث قدمت أعمالا باهرة من ضمنها أوبريت بعد العسل، وهو الجزء الأخير من سلسلة أوبريت “مداعبات قبل الزواج وشهر العسل”. وفي هذا الجزء حدث تطور كبير في القصة حيث أنه قدم بعد الجزء الثاني ب12 عاماً. وبالإضافة إلى الثنائي بطل هذا الأوبريت من بدايته الفنان “عبد الحسين عبد الرضا” والفنانة “ سعاد عبدالله” اشتركت به الفنانة انتصار الشراح. بالإضافة إلى “ بلاني زماني – كوكتيل – بلوك غشمرة .. وغيره” في عام 2020م تعرضت الفنانة انتصار لوعكة صحية تم نقلها إلى قسم العناية المركزة في المستشفى الأميري في الكويت، وذلك إثر المضاعفات التي تعرضت لها بعد إجرائها لعملية استئصال التقرحات المتشكلة في جدار معدتها، كما أنها كانت تعاني قبل العمل الجراحي من مرض القصور في عمل الكلى، بالإضافة لمعاناتها من ارتفاع الضغط ونسبة السكر في الدم، فكل هذه الأمور أثرت على وضعها الصحي بعد الخضوع للعمل الجراحي الاضطراري الذي أجري لها. بعد ذلك سافرت الى العاصمة اللندنية للعلاج الا أن حالتها الصحية تدهورت لتغادرنا صباح يوم السبت الموافق 31 يوليو عام 2021م عن عمر يناهز 59عاما. وفور إعلان وفاتها خيمت حالة من الحزن على الوسط الإعلامي والفني في الكويت والعالم العربي، ونعت وزارة الإعلام الفنانة القديرة انتصار الشراح إحدى رائدات الفن الكويتي في المسرح والدراما والبرامج التلفزيونية. ونقلت المتحدثة الرسمية للوزارة أنوار مراد في بيانٍ لها، تعازي ومواساة وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب عبد الرحمن المطيري لأسرة الفقيدة والأسرة الفنية الكويتية والخليجية والعربية، مضيفة أن الفن الكويتي فقد برحيلها فنانة قدمت فنا راقيا لمجتمعها. وقالت مراد: “إن الراحلة منذ بدايتها في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي قدمت العديد من المسرحيات الخالدة بداية من مسرحية (باي باي لندن) مع الفنان الراحل عبدالحسين عبدالرضا، لتستكمل مسيرتها المميزة بتقديم مسرحيات مميزة منها (البمبرة) و(أرض وقرض) و(انتخبوا أم علي) و(الكرة مدورة) و(لولاكِ) وغيرها من الأعمال”. وذكرت أن “الشراح” رحمها الله وضعت بصمة واضحة في الدراما التلفزيونية، إذ قدمت أعمالا مميزة ظلت عالقة بأذهان الناس مثل: مسلسلات (خرج ولم يعد) و (خذ وخل) و (قاصد خير) إضافة إلى العشرات من الأعمال التلفزيونية والإذاعية”، مشيرة إلى أنها شكلت علامة فارقة في البرامج التلفزيونية المنوعة والكوميدية التي كانت تعرض في مواسم شهر رمضان المبارك برفقة نجوم الكوميديا الكويتية، والتي لاقت متابعة واسعة من المشاهدين مثل: برامج (فضائيات) و(سينمائيات) و(مسرحيات) وغيرها من البرامج الناجحة. ولفتت مراد إلى أنّ الفنانة الشراح كانت تتمتع بأخلاق عالية وسمعة طيبة طوال مسيرتها الفنية الحافلة، مما كان له أطيب الأثر في نفوس من زاملوها وعاصروها في العمل الفني، سائلة المولى عز وجل أن يتغمدها بواسع رحمته وعظيم رضوانه، وأن يلهم أهلها وذويها الصبر والسلوان. كما نعى عميد المعهد العالي للفنون المسرحية د. علي العنزي ووكيل المعهد د. حسين الحكم ابنة المعهد الفنانة انتصار الشراح. حيث قال العنزي: “إن الراحلة كانت كتلة من الإبداع المبهج، ولها ألق اكتنزته خلف سنوات من الأداء الكوميدي الراقي، مما حقق لها شهرة ومكانة عبرت حدود وطنها الكويت نحو الخليج والوطن العربي، مثنياً على المشوار الفني للراحلة الذي صنع لها جمهورها الخاص في كل قطر من أقطار الوطن العربي”. وقال: “خاضت انتصار الشراح كل بحور التمثيل؛ لذا فجاءت أعمالها متنوعة وتاريخها حافل”، وأكمل العنزي قائلاً: “تتلمذت انتصار على يد الكبار وفي مدرسة العمالقة، وتحديداً عملاق المسرح العربي عبدالحسين عبدالرضا، وشكلت ثنائياً فنياً رائعاً مع داوود حسين، استطاع أسر الجمهور الخليجي”. وتابع: “انتصار هي مكانة كبيرة بعد أن خَلَفَت الرائدات الكبيرات ليس فقط في مجال المضمون، ولكن في مجال الحرفة الفنية وتنوع الأدوار والرسالة”، وأشاد العنزي بمناقب الفقيدة، وأخلاقها العالية، وقيمتها الفنية التي تنتسب إليها، حيث كانت جادة في مهمتها الفنية الرامية لتشكيل وعي الجمهور الكويتي والخليجي، والترويح عن نفسه بأعمال راقية” كما نعاها عدد من نجوم وجماهير الفن الخليجي على منصّات التواصل الاجتماعي. هكذا غادرتنا الفنانة انتصار الشراح بعد أن تفننت بترك ابتسامة صادقة على شفاه جماهيرها.
مشاركة :