يعد كتاب الأمريكي آلفين توفلر «صدمة المستقبل»، منعطفاً حاسماً في حياته، إذ يعترف بأنه، أي الكتاب، السبب وراء تغيير مجرى حياته، بقوله «لقد غيَّرها بأشكال عديدة، فالوابل الرائع من ردود الفعل، التي أثارها الكتاب قد كان له أثرٌ حاسم في حياتي.. كان ثمة شلال حقيقي من الاتصال من زوايا البلاد الأربع، بل ومن زوايا العالم الأربع، فقد اتصل بي أناس في الساعة الثانية صباحاً ليخبروني بأنهم انتهوا لتوهم من قراءته، وأنهم يحبون أن يروني..». وبغض النظر عن حقيقة ما يقوله توفلر، عن أثر كتابه، وما يحتمل من مبالغات، فقد كان لهذا الكتاب أثر الصدمة القوية في أذهان ونفوس معظم الذين قاموا بقراءته، إذ حقق نجاحاً باهراً في أمريكا وخارجها، وكان من أكثر الكتب رواجاً في فرنسا، وألمانيا الغربية، واليابان، وعشرات من البلدان الأخرى، وبسبب هذا الكتاب فُتحت الأبواب لتوفلر، وزوجته لمقابلة أشخاص كثيرين في بلدان عديدة، منهم رؤساء دول، وحملة جوائز نوبل، وعلماء، وأشخاص من كل المستويات، إذ التقى بالرئيس الروماني «شاوشيسكو»، والرئيس الكندي «ترودو»، و«أنديرا غاندي» رئيسة وزراء الهند، ورئيس وزراء اليابان سوزوكي، والقيادتين الصينية، والروسية «الاشتراكية آنذاك»، وقد تم تمثيل كتاب «صدمة المستقبل» في السينما، وعقدت عشرات الندوات والمؤتمرات لمناقشته في بلدان كثيرة، ثم أصدر بعد ذلك الكتب الآتية: كتاب خرائط المستقبل 1975م، وكتاب الموجة الثالثة 1980م، وكتاب تحول السلطة: المعرفة والثروة والعنف في بداية القرن الحادي والعشرين 1985م، وكتاب بناء حضارة جديدة 1994م، وغير ذلك من الكتب والمقالات والدراسات الأخرى. إن غرضنا من تلك اللمحة السريعة عن حياة توفلر، هو التنويه إلى الأهمية التي تنطوي عليها ما يطرحه، فمن الواضح أنه مؤلف واسع الاطلاع، ذو شهرة كبيرة، وقد تُرجمت كتبه إلى معظم لغات العالم، وأحدثت باستمرار ضجة كبيرة، ليس هذا فحسب، بل تكمن أهميته فيما يثيره من قضايا خطيرة على صعيد الفكر التاريخي والفلسفي المعاصر، فهو خلافاً لكثيرين من الكتَّاب الأمريكيين أمثال فرانسيس فوكوياما، وهنتجتون، ينتهج وجهة نظر جديدة، ويعتمد أدوات منهجية فريدة في دراسته التاريخ والحضارة، محاولاً إعادة بناء المعرفة التاريخية في نسق نظري ومنهجي مختلف ومتميز، وغير مألوف بالنسبة إلينا. وإذا كنا غير مؤهلين للمشاركة في إنتاج الثقافة العالمية فمن أضعف الإيمان أن نطلع على ما ينتجه الآخرون، ونتعرَّف عليه، ونتبيَّن موقعنا منه.
مشاركة :