هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم

  • 9/17/2021
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

(١) بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب وعلى آله وأزواجه وذريته وأصحابه أجمعين ، ثم أمّا بعد : فهذا الكتيب الصغير فيه بعض مما قرأته عن النبي محمد عليه الصلاة والسلام ، نبينا الكريم العظيم إمام وسيد الأنبياء والمرسلين ، سيد الأولين والآخرين ، سيد ولد آدم أجمعين. بعد تطاول البذيئ السيء حمزة كاشغري على سيدنا الحبيب وبعد الهجوم البشع على شخصه عليه الصلاة والسلام ، من قبل بعض سفهاء دولة الدنمارك التي لا تهتم ولا تحترم الديانات ولا الشعوب ، وبعد أن أغروا السفهاء ، بعمل الرسومات ، فلم يكن أمامهم إلا تشويه أجمل صورة وأجمل رجل ، أطهر البشر وأفضلهم وأتقاهم وأعلمهم ، إنه محمد بن عبد الله بن المطلب ، شريف الأصل والنسب ، سيد ولد آدم عليه أفضل الصلاة وأتم السلام ، فرسم أولئك السفهاء الجهلة رسوما كريكاتورية وألصقتها به ، ثم نشرت تلك الرسوم عبر الصحف وتناقلتها الصحف العالمية وأعادت نشرها ، حتى أطلعنا عليها ، وساءنا ذلك الفعل ، ولم يكن أمامنا إلا المقاطعة الاقتصادية لمنتجات الدنمارك ، والبحث في سيرته عليه الصلاة والسلام حتى نعرفه أكثر ، فإذا تعرفنا عليه وعرفناه ، عرفنا به الآخرين . حبيبنا يا رسول الله والله لم ننصفك ولم ندافع عنك ولم ننصرك ، وحسبي أني قرأت عنك ، ثم قدمت ما قرأته للأخوة علهم يقرؤوا ويطلعوا ويستفيدوا . وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامــل يلوذ به الهلاّك من آل هاشـــــم فهم عنده فــي نعمة وفواضـل كذبتم وبيت اللّه نبزى محمـــداً ولما نقاتـــل دونه ونـــناضــل ونسلمه حتى نصـرّع حولــــــه ونذهـل عن أبنائنا والحلائـــل أسأل الله العلي القدير أن ينصر دينه ورسوله وعباده المؤمنون ، وأن يخذل أعداء الدين والنبي الكريم ، وأن يجعل ما كتبته ونقلته خالصا لوجهه الكريم ، ودفاعا عن نبينا الكريم ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين . النبي محمد عليه الصلاة والسلام التعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم : اسمه ونسبه : هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة ابن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وعدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام ومن أسمائه: أحمد و العاقب: الذي ليس بعده نبي، المقفي: آخر الأنبياء، نبي التوبة، نبي الرحمة، الحاشر، الماحي: الذي يمحو الله به الكفر. كنيته : أبو القاسم صلى الله عليه وسلم . مولده صلى الله عليه وسلم : ولد الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين من شهر ربيع الأول في مكة المكرمة في دار معروفة بدار المولد، عام الفيل سنة 571م من أبوين معروفين . أبوه : عبد الله بن عبد المطلب ، وأمه :آمنة بنت وهب. سمّاه جده محمد فقد مات أبوه قبل ولادته . الرسول عليه الصلاة والسلام كأنك تراه : 1ـ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهاً وأحسنهم خلقاً ليس بالطويل البائن ولا القصير . متفق عليه . 2ـ كان الرسول صلى الله عليه وسلم أبيض مليح الوجه . رواه مسلم . 3ـ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مربوعاً ، عريض ما بين المنكبين ، كث اللحية، تعلوه حمرة، جمته إلى شحمة أذنيه ، له حلة حمراء ، لم يُرَ أحسن منه . رواه البخاري . كث اللحية : كثير الشعر . جمته : شعره . 4ـ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضخم الرأس واليدين والقدمين ، حسن الوجه ، لم يُرَ قبله ولا بعده مثله . رواه البخاري . 5ـ كان وجهه مثل الشمس والقمر وكان مستديراً . رواه مسلم . 6ـ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه ، حتى كأن وجهه قطعة قمر ، وكان يُعرف ذلك من وجهه . متفق عليه . 7ـ كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يضحك إلا تبسماً ، وكنت إذا نظرت إليه قلت أكحل العينين وليس بأكحل .رواه الترمذي . خاتم نبوته صلى الله عليه وسلم : عن جابر بن سمرة قال: رأيت الخاتم بين كتفي رسول صلى الله عليه وسلم غدة حمراء مثل بيضة الحمامة يشبه جسده .رواه مسلم. (٢) طيب رائحته صلى الله عليه وسلم : كان يعرف بريح الطيب إذا أقبل، قال أنس رضي الله عنه : ولا شممت مسكاً ولا عنبراً أطيب من رائحة النبي صلى الله عليه وسلم . متفق عليه . صفة كلامه صلى الله عليه وسلم : أوتي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلام : أي الكلام القليل ذو المعنى الكثير، تقول عائشة رضي الله عنها: ما كان رسول صلى الله عليه وسلم يسرد كسردكم هذا ولكنه يتكلم بكلام بيّن فصل يحفظه من جلس إليه صلى الله عليه وسلم . رواه مسلم . زهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : عن علقمة عن ابن مسعود قال : اضطجع رسول الله على حصير، فأثر الحصير بجلده فجعلت أمسحه وأقول : بأبي أنت وأمي ألا آذنتنا فنبسط لك شيئاً يقيك منه تنام عليه؟ قال: ( مالي وللدنيا، ما أنا والدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها) . رواه الترمذي . وعن عائشة رضي الله عنها قالت : إنا كنا آل محمد ، ليمر بنا الهلال ، ما نوقد ناراً ، إنما هما الأسودان : التمر والماء ، إلا أنه كان حولنا أهل دور من الأنصار، يبعثون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلبن منائحهم ، فيشرب ويسقينا من ذلك اللبن . متفق عليه. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ” لقد رأيت رسـول الله صلى الله عليه وسلم يلتوي من الجـوع ، ما يجد ما يملأ من الدقل بطنه ” . رواه مسلم . (الدقل: رديء التمر ). وفاته صلى الله عليه وسلم : قال عز وجل : { وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون} . الأنبياء 34 . وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ذلك العبد ما عند الله ) فبكى أبو بكر . رواه البخاري . وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ” آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كشف الستارة يوم الاثنين فنظرت إلى وجهه ، كأنه ورقه مصحف – والناس خلف أبي بكر – فكاد الناس أن يضطربوا، فأشار إلى الناس أن اثبتوا، وأبو بكر يؤمهم ، وألقي السجف ( الستر ) ، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر ذلك اليوم ” . رواه البخاري ومسلم . عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ” لما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من كرب الموت ما وجد ، قالت فاطمة رضي الله عنها: واكرباه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (لا كرب على أبيك بعد اليوم ، إنه قد حضر من أبيك ما ليس بتارك منه أحداً: الموافاة يوم القيامة ) ” . رواه البخاري . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ” مكث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه ، وبالمدينة عشراً ، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين ” . رواه البخاري . وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ” إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وأبو بكر بالسنح ( تعني بالعالية بالمدينة) فقام عمر يقول : والله ما مات رسول الله ؟ فجاء أبو بكر، فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله وقال : بأبي أنت ، طبت حياً وميتا ً، والذي نفسي بيده ، لا يذيقنك الله الموتـتين أبداً، ثم خرج أبو بكر، فقال: أيها الحالف على رسلك – أي لا تعجل يا عمر- فلما تكلم أبو بكر، جلس عمر، فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه وقال: ألا من كان يعبد محمداً ، فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله ، فإن الله حي لا يموت، قال عز وجل:{إنك ميت وإنهم ميتون} الزمر: (30) وقال عز وجل: { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين} آل عمران: (144). قال: فنشج الناس يـبكون ” . رواه البخاري. (٣) بعض معجزاته صلى الله عليه وسلم : 1ـ الإسراء والمعراج : من الآيات البينات والمعجزات الخارقات إسراء الله بنبيه من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى حيث جمع الله له الأنبياء فصلى بهم إماماً قال عز وجل: { سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا } . الإسراء 1 . ومن هناك عرج به إلى السموات العلا ، وهناك رأى من آيات ربه الكبرى ، رأى جبريل على صورته الحقيقية التي خلقه الله عليها، وصعد به إلى سدرة المنتهى ، وجاوز السبع الطباق وكلمه الرحمن وقربه قال عز وجل: { أفتمارونه على مايرى ، ولقد رآه نزلة أخرى ، عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى } . النجم 12- 18 . 2ـ انشقاق القمر : ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم انشقاق القمر ، فقد سأل أهل مكة الرسول صلى الله عليه وسلم آية ، فانشق القمر شقين ، حتى رأوا حراء بينهما ، وقد كان القمر عند انشقاقه بدراً. وقد سجل الله ذكر هذه الآية في كتابه فقال عز وجل : { اقتربت الساعة وانشق القمر ، وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر } . سورة القمر 1-2 . 3ـ تكثيره الطعام صلوات الله وسلامه عليه : وقد وقع هذا منه صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة، فمن ذلك ما رواه أنس رضي الله عنه قال : قال أبو طلحة لأم سليم ، لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا ً، أعرف فيه الجوع ، فهل عندك من شيء؟ فقالت: نعم. فأخرجت أقراصاً من شعير، ثم أخرجت خماراً لها فلفت الخبز ببعضه، ثم دسته تحت يدي ، ولاثتني ببعضه، ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذهبت به، فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد والناس معه، فقمت عليهم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أرسلك أبو طلحة ؟) قلت: نعم، قال: (بطعام؟) قلت: نعم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه: (قوموا) فانطلق ، وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة، فأخبرته ، فقال أبو طلحة : يا أم سليم، قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس ، وليس عندنا ما نطعمهم ، فقالت: الله ورسوله أعلم . فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة معه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (هلمي يا أم سليم ، ما عندك ؟) فأتت بذلك الخبز ، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففت ، وعصرت أم سليم عكة فأدمته ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ما شاء الله أن يقول ثم قال : ( ائذن لعشرة ) فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم قال ( ائذن لعشرة ) فأذن لهم ، فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال : ( ائذن لعشرة ) فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال: ( ائذن لعشرة )، فأكل القوم كلهم وشبعوا والقوم سبعون أو ثمانون رجلاً . متفق عليه . 4ـ تكثيره الماء ونبعه من بين أصابعه الشريفة : وقد وقع من هذا شيء كثير من الرسول صلى الله عليه وسلم نذكر طرفاً منه، فمن ذلك ما رواه جابر بن عبد الله، قال عطش الناس يوم الحديبية ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة ( ظرف للماء ) فتوضأ منها ، ثم أقبل الناس نحوه قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ به ونشرب إلا ما في ركوتك فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون قال فشربنا وتوضأنا. قيل لجابر: كم كنتم؟ قال لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة ومائة . متفق عليه . 5ـ حنين الجذع : في صحيح البخاري وغيره: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع فلما اتخذ المنبر تحول إليه، فحن الجذع ، فأتاه فمسح عليه . وفي رواية عند البخاري أيضا: فلما وضع المنبر: سمعنا للجذع مثل صوت العشار، حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه . 6ـ تسليم الحجر : عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفها الآن) . رواه مسلم . 7ـ شكوى البعير : عن عبد الله بن جعفر قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ذات يوم فأسر إلي حديثاً لا أحدث به أحداً من الناس، وكان أحب ما استـتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدف او حائش (الأشجار المجتمعة ) نخلٍ فدخل حائطاً لرجل من الأنصار فإذا جمل فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حنّ وذرفت عيناه فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح سراته (ظهره) إلى سنامه وذفراه (عظم خلف الأذن)، فسكن فقال: (من رب هذا الجمل ؟ لمن هذا الجمل؟) فجاءه فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله فقال: (أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟ فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه- تتعبه ). (٤) بعض خصائصه صلى الله عليه وسلم : 1ـ أن يشفع في الخلائق الشفاعة العظمى حتى يقضى بين الخلائق . 2ـ غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . 3ـ أنه سيد ولد آدم فهو سيد جميع الخلق . 4ـ أنه يعطى يوم القيامة لواء الحمد . 5ـ وله المقام المحمود وقد فسر بالشفاعة ، وبأنه يجلس على عرش الرحمان عز وجل . 6ـ نصر بالرعب على أعدائه . 7ـ أحلت له الغنائم وقد كانت محرمة على من قبله من الأنبياء . 8ـ وجعلت له ولأمته الأرض مسجداً يصلي حيث كان ، طهوراً إذا فقد الماء تيمم بالتراب . 9ـ أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة . 10ـ أول من يدخل الجنة ويقرع بابها . تبشير الأنبياء السابقين به : لقد بشر الأنبياء السابقون به والدليل على هذا قوله عز وجل: { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلك إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين} . آل عمران 81 . إن الله أخذ العهد والميثاق على كل نبيٍ لئن بعث محمد صلى الله عليه وسلم في حياته ليؤمنن به ويترك شرعه لشرعه، وعلى ذلكم فإن ذكره موجود عند كل الأنبياء السابقين . 1ـ دعوة إبراهيم : وقد أخبرنا الله عز وجل أن خليل الرحمن إبراهيم وابنه إسماعيل كانا يبنيان البيت الحرام ويدعوان ، ومن دعائهما ما قصه القرآن في سورة البقرة قال عز وجل: {ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم} . البقرة 129 . ولا تزال التوراة الموجودة اليوم – على الرغم من تحريفها – تحمل شيئاً من هذه البشارة فنجد فيها أن الله عز وجل استجاب دعاء إبراهيم في إسماعيل فقد ورد في التوراة في سفر التكوين في الإصحاح السابع عشر فقرة (20): “وأما إسماعيل فقد سميت لك فيه ، ها أنا أباركه و أثمره وأكثره كثيراً جداً اثني عشر رئيساً يلد وأجعله أمة عظيمة كثيرة ” . وهذا النص ورد في التوراة السامرية بألفاظ قريبة جداً مما أثبتناه هنا والترجمة الحرفية للتوراة العبرانية لهذا النص: “وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه، ها أنا أباركه وأكثره بمأدمأد ” النص العبراني “مأدمأد” صريح في اسم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فالمترجمون ترجموه “جداً جداً أو كثيراً كثيراً ” والصواب هو : محمد ، لأنها تلفظ بالعبراني ( مؤدمؤد) واللفظ العبراني قريب من العربي. 2ـ بشارة موسى : قال عز وجل:{ الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم والذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون } . الأعراف 157 . وقد بقي من هذه البشارة بقية في التوراة ، ففي سفر التثنية الإصحاح فقرة ( 18-19) قال الله عز وجل لموسى : ” أقيم لهم – أي لبني إسرائيل- نبياً من وسط إخوتهم مثلك واجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيته به ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع كلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه ” . ودلالة هذه البشارة على رسولنا صلى الله عليه وسلم بينة، ذلك أنه من بني إسماعيل وهم إخوة بني إسماعيل فجدهم هو إسحاق ، وإسماعيل وإسحاق أخوان ، ثم هو أوسط العرب نسباً وقوله : ” مثلك ” أي ، صاحب شريعة مثل موسى ، ومحمد صلى الله عليه وسلم هو الذي جعل الله كلامه في فمه حيث كان أمياً لا يقرأ من المصحف . 3ـ بشارة عيسى : وأخبرنا الله عز وجل أن عيسى بشر برسولنا محمد صلى الله عليه وسلم : { وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين} الصف . 4ـ بشارات من الإنجيل : وفي إنجيل يوحنا إصحاح (14) عدد (5 1) : ” إن كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي وأنا أطلب من الأب فيعطيكم معزيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد” وفي اللغات الأجنبية “فيعطيكم باركليتوس” ليمكث معكم إلى الأبد” والمعنى الحرفي لكلمة ” باركليتوس” اليونانية هو أحمد وهو من أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم. (٥) الوصف الكامل لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم : مقدمة بوصفٍ شامل عن الرسول المبارك صلى الله عليه وسلم : يروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه ومولاه ودليلهما ، خرجوا من مكة ومروا على خيمة امرأة عجوز تسمى (أم معبد)، كانت تجلس قرب الخيمة تسقي وتطعم، فسألوها لحماً وتمراً ليشتروا منها، فلم يجدوا عندها شيئاً. فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في جانب الخيمة، وكان قد نفد زادهم وجاعوا. وسأل النبي صلى الله عليه وسلم أم معبد: ما هذه الشاة يا أم معبد؟ قالت: شاة خلفها الجهد والضعف عن الغنم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل بها من لبن؟ قالت : بأبي أنت وأمي ، إن رأيت بها حلباً فاحلبها، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الشاة، ومسح بيده ضرعها ، وسمى الله جل ثناؤه ثم دعا لأم معبد في شاتها حتى فتحت الشاة رجليها، ودرت . فدعا بإناء كبير، فحلب فيه حتى امتلأ ، ثم سقى المرأة حتى رويت ، وسقى أصحابه حتى رووا (أي شبعوا)، ثم شرب آخرهم ، ثم حلب في الإناء مرة ثانية حتى ملأ الإناء، ثم تركه عندها وارتحلوا عنها . وبعد قليل أتى زوج المرأة (أبو معبد) يسوق عنزاً يتمايلن من الضعف ، فرأى اللبن، فقال لزوجته: من أين لك هذا اللبن يا أم معبد والشاة عازب (أي الغنم) ولا حلوب في البيت!، فقالت : لا والله، إنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا، فقال أبو معبد: صفيه لي يا أم معبد، فقالت: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة ، أبلج الوجه (أي مشرق الوجه)، لم تعبه نحلة (أي نحول الجسم) ولم تزر به صقلة (أنه ليس بناحلٍ ولا سمين)، وسيمٌ قسيم (أي حسن وضيء)، في عينيه دعج (أي سواد)، وفي أشفاره وطف (طويل شعر العين)، وفي صوته صحل ( بحة وحسن ) ، وفي عنقه سطع (طول)، وفي لحيته كثاثة (كثرة شعر)، أزج أقرن (حاجباه طويلان ومقوسان ومتصلان)، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأجلاهم وأحسنهم من قريب، حلو المنطق، فصل لا تذر ولا هذر (كلامه بين وسط ليس بالقليل ولا بالكثير)، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن ، ربعة ( ليس بالطويل البائن ولا بالقصير )، لا يأس من طول ، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصين، فهو أنضر الثلاثة منظراً، وأحسنهم قدراً، له رفقاء يحفون به، إن قال أنصتوا لقوله ، وإن أمر تبادروا لأمره ، محشود محفود (أي عنده جماعة من أصحابه يطيعونه)، لا عابس ولا مفند (غير عابس الوجه، وكلامه خالٍ من الخرافة)، فقال أبو معبد: هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة، ولقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا. وأصبح صوت بمكة عالياً يسمعه الناس ، ولا يدرون من صاحبه وهو يقول: جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين قالا خيمتي أم معبد هما نزلاها بالهدى واهتدت به فقد فاز من أمسى رفيق محمد حديث حسن قوي أخرجه الحاكم وصححه ، ووافقه الذهبي . وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : ” رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة إضحيان ، وعليه حلة حمراء ، فجعلت أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى القمر، فإذا هو عندي أحسن من القمر” . ( إضحيان هي الليلة المقمرة من أولها إلى آخرها) . وما أحسن ما قيل في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل ثمال : مطعم ، عصمة: مانع من ظلمهم . (٦) صفة لونه : عن أنس رضي الله عنه قال : ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أزهر اللون ، ليس بالأدهم و لا بالأبيض الأمهق ” . أي لم يكن شديد البياض والبرص – يتلألأ نوراً . صفة وجهه : كان صلى الله عليه وسلم أسيل الوجه مسنون الخدين ولم يكن مستديراً غاية التدوير، بل كان بين الاستدارة والإسالة هو أجمل عند كل ذي ذوق سليم . وكان وجهه مثل الشمس والقمر في الإشراق والصفاء ، مليحاً كأنما صيغ من فضة لا أوضأ ولا أضوأ منه وكان صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأن وجهه قطعة قمر . قال عنه البراء بن عازب : ” كان أحسن الناس وجهًا و أحسنهم خلقاً ” . صفة جبينه : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيل الجبين . “الأسيل : هو المستوي . أخرجه عبد الرازق والبيهقي وابن عساكر . وكان صلى الله عليه وسلم واسع الجبين أي ممتد الجبين طولاً وعرضاً، والجبين هو غير الجبهة، هو ما اكتنف الجبهة من يمين وشمال ، فهما جبينان ، فتكون الجبهة بين جبينين . وسعة الجبين محمودة عند كل ذي ذوق سليم . وقد صفه ابن أبي خيثمة فقال : ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلى الجبين ، إذا طلع جبينه بين الشعر أو طلع من فلق الشعر أو عند الليل أو طلع بوجهه على الناس، تراءى جبينه كأنه السراج المتوقد يتلألأ ” صفة حاجبيه : كان حاجباه صلى الله عليه وسلم قويان مقوسان ، متصلان اتصالاً خفيفاً، لا يرى اتصالهما إلا أن يكون مسافراً وذلك بسبب غبار السفر . صفة عينيه : كان صلى الله عليه وسلم مشرب العينين بحمرة ، وقوله مشرب العين بحمرة: هي عروق حمر رقاق وهي من علاماته صلى الله عليه وسلم التي في الكتب السالفة . وكانت عيناه واسعتين جميلتين ، شديدتي سواد الحدقة ، ذات أهداب طويلة – أي رموش العينين – ناصعتي البياض وكان صلى الله عليه وسلم أشكل العينين . قال القسطلاني في المواهب : ” الشكلة بضم الشين هي الحمرة تكون في بياض العين وهو محبوب محمود ” . وقال الزرقاني : ” قال الحافظ العراقي : ” هي إحدى علامات نبوته صلى الله عليه وسلم ” . ولما سافر مع ميسرة إلى الشام سأل عنه الراهب ميسرة فقال : في عينيه حمرة؟ فقال : ما تفارقه ، قال الراهب : “هو” شرح المواهب. وكان صلى الله عليه وسلم ، إذا نظرت إليه قلت أكحل العينين وليس بأكحل . رواه الترمذي . وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ” كانت عيناه صلى الله عليه وسلم نجلاوان أدعجهما ـ والعين النجلاء الواسعة الحسنة ، والدعج : شدة سواد الحدقة ، ولا يكون الدعج في شيء إلا في سواد الحدقة – وكان أهدب الأشفار حتى تكاد تلتبس من كثرتها ” . أخرجه البيهقي في الدلائل وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق . صفة أنفه : يحسبه من لم يتأمله صلى الله عليه وسلم أشماً ولم يكن أشماً وكان مستقيماً، أقنى أي طويلاً في وسطه بعض ارتفاع ، مع دقة أرنبته والأرنبة هي ما لان من الأنف . صفة خديه : كان صلى الله عليه وسلم صلب الخدين . وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده ” أخرجه ابن ماجه وقال مقبل الوادي : هذا حديث صحيح . صفة فمه وأسنانه : قال هند بن أبي هالة رضي الله عنه : ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشنب مفلج الأسنان ” . الأشنب : هو الذي في أسنانه رقة وتحدد . أخرجه الطبراني في المعجم الكبير والترمذي في الشمائل وابن سعد في الطباتاتات والبغوي في شرح السنة . وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ضليع الفم ، أي واسع الفم ، جميله ، وكان من أحسن عباد الله شفتين وألطفهم ختم فم ” . وكان صلى الله عليه وسلم وسيماً أشنب – أبيض الأسنان مفلج أي متفرق الأسنان ، بعيد ما بين الثنايا والرباعيات- أفلج الثنيتين – الثنايا جمع ثنية بالتشديد وهي الأسنان الأربع التي في مقدم الفم، ثنتان من فوق وثنتان من تحت ، والفلج هو تباعد بين الأسنان – إذا تكلم رئي كالنور يخرج من بين ثناياه ، – النور المرئي يحتمل أن يكون حسياً كما يحتمل أن يكون معنوياً فيكون المقصود من التشبيه ما يخرج من بين ثناياه من أحاديثه الشريفة وكلامه الجامع لأنواع الفصاحة والهداية . (٧) صفة ريقه : لقد أعطى الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم خصائص كثيرة لريقه الشريف ومن ذلك أن ريقه صلى الله عليه وسلم فيه شفاء للعليل ، ورواء للغليل وغذاء وقوة وبركة ونماء، فكم داوى صلى الله عليه وسلم بريقه الشريف من مريض فبرئ من ساعته بإذن الله . فقد جاء في الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه ، يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلهم يرجو أن يعطاها ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( أين علي بن أبي طالب؟) فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه . قال : ( فأرسلوا إليه ) ، فأتي به وفي رواية مسلم: قال سلمة : فأرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي ، فجئت به أقوده أرمد فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه، فبرئ كأنه لم يكن به وجع) . وروى الطبراني وأبو نعيم أن عميرة بنت مسعود الأنصارية وأخواتها دخلن على النبي صلى الله عليه وسلم يبايعنه ، وهن خمس ، فوجدنه يأكل قديداً (لحم مجفف)، فمضغ لهن قديدة، قالت عميرة : ثم ناولني القديدة فقسمتها بينهن ، فمضغت كل واحدة قطعة فلقين الله تعالى وما وجد لأفواههن خلوف ، أي تغير رائحة فم . ومما يروى في عجائب غزوة أحد، ما أصاب قتادة رضي الله عنه بسهم في عينه قد فقأتها له، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تدلت عينه، فأخذها صلى الله عليه وسلم بيده وأعادها ثم تفل بها ومسح عليها وقال : ( قم معافى بإذن الله ) فعادت أبصر من أختها . فقال الشاعر: اللهم صل على من سمى ونمى ورد عين قتادة بعد العمى صفة لحيته : كان رسول الله صلى الله عليه حسن اللحية، أخرجه أحمد وصححه أحمد شاكر. وقالت عائشة رضي الله عنها : ” كان صلى الله عليه وسلم كث اللحية ” – والكث : الكثير منابت الشعر الملتفها – وكانت عنفقته بارزة ، وحولها كبياض اللؤلؤ، في أسفل عنفقته شعر منقاد حتى يقع انقيادها على شعر اللحية حتى يكون كأنه منها ” . أخرجه أبو نعيم والبيهقي في دلائل النبوة وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق وابن أبي خيثمة في تاريخه . وعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال : ” كان في عنفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم شعرات بيض ” . أخرجه البخاري . وقال أنس بن مالك رضي الله عنه : ” لم يختضب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان البياض في عنفقته ” . أخرجه مسلم . وكان صلى الله عليه وسلم أسود كث اللحية ، بمقدار قبضة اليد ، يحسنها ويطيبها، أي يضع عليها الطيب ، وكان صلى الله عليه وسلم يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته ويكثر القناع كأن ثوبه ثوب زيات ” . أخرجه الترمذي في الشمائل والبغوي في شرح السنة. وكان من هديه صلى الله عليه وسلم حف الشارب وإعفاء اللحية . صفة رأسه : كان النبي صلى الله عليه وسلم ذا رأس ضخم . صفة شعره : كان صلى الله عليه وسلم شديد السواد رجلاً، أي ليس مسترسلاً كشعر الروم ولا جعداً كشعر السودان وإنما هو على هيئة المتمشط ، يصل إلى أنصاف أذنيه حيناً ويرسله أحياناً فيصل إلى شحمة أذنيه أو بين أذنيه وعاتقه ، وغاية طوله أن يضرب منكبيه إذا طال زمان إرساله بعد الحلق، وبهذا يجمع بين الروايات الواردة في هذا الشأن ، حيث أخبر كل واحدٍ من الرواة عما رآه في حين من الأحيان. قال الإمام النووي : هذا، ولم يحلق النبي صلى الله عليه وسلم رأسه (أي بالكلية) في سني الهجرة إلا عام الحديبية ثم عام عمرة القضاء ثم عام حجة الوداع). وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير شعر الرأس راجله ، أخرجه أحمد والترمذي وقال حسن صحيح . ولم يكن في رأس النبي صلى الله عليه وسلم شيب إلا شعيرات في مفرق رأسه ، فقد أخبر ابن سعيد أنه ما كان في لحية النبي صلى الله عليه وسلم ورأسه إلا سبع عشرة شعرة بيضاء وفي بعض الأحاديث ما يفيد أن شيبه لا يزيد على عشرة شعرات وكان صلى الله عليه وسلم إذا ادهن واراهن الدهن ، أي أخفاهن ، وكان يدهن بالطيب والحناء . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ” كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه، وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم وكان المشركون يفرقون رؤوسهم، فسدل النبي صلى الله عليه وسلم ناصيته ثم فرق بعد)، أخرجه البخاري ومسلم وكان رجل الشعر حسناً ليس بالسبط ولا الجعد القطط ، كما إذا مشطه بالمشط كأنه حبك الرمل، أو كأنه المتون التي تكون في الغدر إذا سفتها الرياح، فإذا مكث لم يرجل أخذ بعضه بعضاً، وتحلق حتى يكون متحلقاً كالخواتم، لما كان أول مرة سدل ناصيته بين عينيه كما تسدل نواصي الخيل جاءه جبريل عليه السلام بالفرق ففرق “. وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ” كنت إذا أردت أن أفرق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم صدعت الفرق من نافوخه وأرسل ناصيته بين عينيه ” . أخرجه أبو داود وابن ماجه . وكان صلى الله عليه وسلم يسدل شعره ، أي يرسله ثم ترك ذلك وصار يفرقه ، فكان الفرق مستحباً، وهو آخر الأمرين منه صلى الله عليه وسلم وفرق شعر الرأس هو قسمته في المفرق وهو وسط الرأس . وكان يبدأ في ترجيل شعره من الجهة اليمنى ، فكان يفرق رأسه ثم يمشط الشق الأيمن ثم الشق الأيسر . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يترجل غباً ، أي يمشط شعره ويتعهده من وقت إلى آخر . وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في طهوره ، أي الابتداء باليمين ، إذا تطهر وفي ترجله إذا ترجل وفي انتعاله إذا انتعل ” . أخرجه البخاري . (٨) صفة عنقه ورقبته : رقبته فيها طول، أما عنقه فكأنه جيد دمية ( الجيد : هو العنق ، والدمية : هي الصورة التي بولغ في تحسينها ) . فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : كان عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم إبريق فضة ، أخرجه ابن سعد في الطبقات والبيهقي . وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنهما قالت : ” كان أحسن عباد الله عنقاً ، لا ينسب إلى الطول ولا إلى القصر، ما ظهر من عنقه للشمس والرياح فكأنه إبريق فضة يشوب ذهباً يتلألأ في بياض الفضة وحمرة الذهب، وما غيب في الثياب من عنقه فما تحتها فكأنه القمر ليلة البدر ” . أخرجه البيهقي وابن عساكر . صفة منكبيه : كان صلى الله عليه وسلم أشعر المنكبين (أي عليهما شعر كثير)، واسع ما بينهما، والمنكب هو مجمع العضد والكتف . والمراد بكونه بعيد ما بين المنكبين أنه عريض أعلى الظهر ويلزمه أنه عريض الصدر مع الإشارة إلى أن بعد ما بين منكبيه لم يكن منافياً للاعتدال . وكان كتفاه عريضين عظيمين . صفة خاتم النبوة : وهو خاتم أسود اللون مثل الهلال وفي رواية أنه أخضر اللون ، وفي رواية أنه كان أحمراً، وفي رواية أخرى أنه كلون جسده . والحقيقة أنه لا يوجد تدافع بين هذه الروايات لأن لون الخاتم كان يتفاوت باختلاف الأوقات ، فيكون تارة أحمراً وتارة كلون جسده وهكذا بحسب الأوقات، ويبلغ حجم الخاتم قدر بيضة الحمامة ، وورد أنه كان على أعلى كتف النبي صلى الله عليه وسلم الأيسر وقد عرف سلمان الفارسي رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الخاتم . فعن عبد الله بن سرجس قال: ” رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأكلت معه خبزاً ولحماً وقال ثريداً ، فقيل له : أستغفر لك النبي؟ قال : نعم ولك ، ثم تلى هذه الآية : { واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات } . محمد . 19 . قال : ” ثم درت خلفه فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه عند ناغض كتفه اليسرى عليه خيلان كأمثال الثآليل ” . أخرجه مسلم . قال أبو زيد رضي الله عنه : ” قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اقترب مني ) فاقتربت منه ، فقال : ( أدخل يدك فامسح ظهري ) ، قال : فأدخلت يدي في قميصه فمسحت ظهره فوقع خاتم النبوة بين أصبعي قال : فسئل عن خاتم النبوة فقال : شعرات بين كتفيه ” . أخرجه أحمد والحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي . اللهم كما أكرمت أبا زيد رضي الله عنه بهذا فأكرمنا به يا ربنا يا إلهنا يا من تعطي السائلين من جودك وكرمك ولا تبالي . صفة إبطيه : كان صلى الله عليه وسلم أبيض الإبطين ، وبياض الإبطين من علامة نبوته إذ إن الإبط من جميع الناس يكون عادة متغير اللون. قال عبد الله بن مالك رضي الله عنه : ” كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد فرج بين يديه (أي باعد) حتى نرى بياض إبطيه ” . أخرجه البخاري . وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنه : ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد جافى حتى يرى بياض إبطيه ” أخرجه أحمد وقال الهيثمي في المجمع رجال أحمد رجال الصحيح . صفة ذراعيه : كان صلى الله عليه وسلم أشعر، طويل الزندين (أي الذراعين)، سبط القصب – القصب يريد به ساعديه . صفة كفيه : كان صلى الله عليه وسلم رحب الراحة (أي واسع الكف) كفه ممتلئة لحماً ، غير أنها مع غاية ضخامتها كانت لينة أي ناعمة . قال أنس رضي الله عنه: ” ما مسست ديباجة ولا حريرة ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ” . وأما ما ورد في روايات أخرى عن خشونة كفيه وغلاظتها، فهو محمول على ما إذا عمل في الجهاد أو مهنة أهله، فإن كفه الشريفة تصير خشنة للعارض المذكور ، أي العمل ، وإذا ترك رجعت إلى النعومة . وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: ” صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الأولى ، ثم خرج إلى أهله وخرجت معه فاستقبله ولدان فجعل يمسح خدي أحدهم واحداً واحداً . قال : وأما أنا فمسح خدي ، قال : فوجدت ليده برداً أو ريحاً كأنما أخرجها من جونة عطار ” . أخرجه مسلم . صفة أصابعه : قال هند بن أبي هالة رضي الله عنه : ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سائل الأطراف سائل الأطراف: يريد الأصابع أنها طوال ليست بمنعقدة ” . أخرجه الطبراني في المعجم الكبير والترمذي في الشمائل وابن سعد في الطباتاتات والحاكم مختصراً والبغوي في شرح السنة والحافظ في الإصابة . صفة صدره : كان صلى الله عليه وسلم عريض الصدر، ممتلئ لحماً ، ليس بالسمين ولا بالنحيل ، سواء البطن والظهر . وكان صلى الله عليه وسلم أشعر أعالي الصدر، عاري الثديين والبطن (أي لم يكن عليها شعر كثير) طويل المسربة وهو الشعر الدقيق . صفة بطنه : قالت أم معبد رضي الله عنها : ” لم تعبه ثلجة “الثلجة : كبر البطن . صفة سرته : عن هند بن أبي هالة رضي الله عنه : ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دقيق المسربة موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط ، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك حديث هند تقدم تخريجه ” . واللبة المنحر ، وهو النقرة التي فوق الصدر . صفة مفاصله وركبتيه : كان صلى الله عليه وسلم ضخم الأعضاء كالركبتين والمرفقين والمنكبين والأصابع ، وكل ذلك من دلائل قوته صلى الله عليه وسلم. صفة ساقيه : عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال : ” وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إلى بيض ساقيه ” . أخرجه البخاري في صحيحه . صفة قدميه : قال هند بن أبي هالة رضي الله عنه : ” كان النبي صلى الله عليه وسلم خمصان الأخمصين مسيح القدمين ينبو عنهما الماء ششن الكفين والقدمين ” . قوله : خمصان الأخمصين : الأخمص من القدم ما بين صدرها وعقبها ، وهو الذي لا يلتصق بالأرض من القدمين ، يريد أن ذلك منه مرتفع ، مسيح القدمين: يريد أنهما ملساوان ليس في ظهورهما تكسر لذا قال ينبو عنهما الماء ، يعني أنه لا ثبات للماء عليها وسشن الكفين والقدمين أي غليظ الأصابع والراحة . رواه الترمذي في الشمائل والطبراني . وكان صلى الله عليه وسلم أشبه الناس بسيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وكانت قدماه الشريفتان تشبهان قدمي سيدنا إبراهيم عليه السلام كما هي آثارها في مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام . (٩) صفة عقبيه : كان رسول صلى الله عليه وسلم منهوس العقبين أي لحمهما قليل . صفة قامته و طوله : عن أنس رضي الله عنه قال : ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربعة من القوم (أي مربوع القامة) ، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، وكان إلى الطول أقرب ” . وقد ورد عند البيهقي وابن عساكر : ” أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يماشي أحداً من الناس إلا طاله ، ولربما اكتنفه الرجلان الطويلان فيطولهما فإذا فارقاه نسب إلى الربعة ، وكان إذا جلس يكون كتفه أعلى من الجالس ، فكان صلى الله عليه وسلم حسن الجسم ، معتدل الخلق ومتناسب الأعضاء . صفة عرقه : عن أنس رضي الله عنه قال : ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون كأن عرقه اللؤلؤ (أي كان صافياً أبيضاً مثل اللؤلؤ) ” . وقال أيضاً : ” ما شممت عنبراً قط ولا مسكاً أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أخرجه البخاري ومسلم واللفظ له . وعن أنس أيضاً قال : ” دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أي نام) عندنا ، فعرق وجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق ، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين)؟ قالت: عرق نجعله في طيبنا وهو أطيب الطيب ” . رواه مسلم، وفيه دليل أن الصحابة كانوا يتبركون بآثار النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد أقر الرسول صلى الله عليه وسلم أم سليم على ذلك . وكان صلى الله عليه وسلم إذا صافحه الرجل وجد ريحه (أي تبقى رائحة النبي صلى الله عليه وسلم على يد الرجل الذي صافحه ) ، وإذا وضع يده على رأس صبي ، فيظل يومه يعرف من بين الصبيان بريحه على رأسه . ما جاء في اعتدال خلقه صلى الله عليه وسلم : قال هند بن أبي هالة رضي الله عنه : ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتدل الخلق، بادن متماسك، سواء البطن والصدر” . أخرجه الطبراني والترمذي في الشمائل والبغوي في شرح السنة وابن سعد وغيرهم . وقال البراء بن عازب رضي الله عنه : ” كان رسول الله أحسن الناس وجهاً وأحسنهم خلقاً ” . أخرجه البخاري ومسلم . ما جاء في حسن النبي صلى الله عليه وسلم : لقد وصف بأنه كان مشرباً حمرة وقد صدق من نعته بذلك، ولكن إنما كان المشرب منه حمرة ما ضحى للشمس والرياح ، فقد كان بياضه من ذلك قد أشرب حمرة ، وما تحت الثياب فهو الأبيض الأزهر لا يشك فيه أحد ممن وصفه بأنه أبيض أزهر . يعرف رضاه وغضبه وسروره في وجهه وكان لا يغضب إلا لله ، كان إذا رضي أو سر إستنار وجهه فكأن وجهه المرآة ، وإذا غضب تلون وجهه واحمرت عيناه . فعن عائشة رضي الله عنها قالت : ” استعرت من حفصة بنت رواحة إبرة كنت أخيط بها ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلبتها فلم أقدر عليها ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبينت الإبرة لشعاع وجهه ” . أخرجه ابن عساكر والأصبهاني في الدلائل والديلمي في مسند الفردوس كما في الجامع الكبير للسيوطي . في ختام هذا العرض لبعض صفات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الخلقية التي هي أكثر من أن يحيط بها كتاب لا بد من الإشارة إلى أن تمام الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم هو الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى خلق بدنه الشريف في غاية الحسن والكمال على وجه لم يظهر لآدمي مثله . ورحم الله حسان بن ثابت رضي الله عنه إذ قال : خلقت مبرأً من كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاء ويرحم الله القائل : فهو الذي تم معناه وصورته ثم اصطفاه حبيباً بارئ النسم فتنزه عن شريك في محاسنه فجوهر الحسن فيه غير منقسم وقيل في شأنه صلى الله عليه وسلم أيضاً : بلغ العلى بكماله كشف الدجى بجماله حسنت جميع خصاله ص

مشاركة :