تنبع قوة دبلوماسية الدول من قدرتها على إيصال رسائلها بتوقيت معين وبهدف محدد لجمهور بذاته، وبالتالي التأثير في المواقف خدمة لمصالحها العليا. ومن هذه الزاوية، يمكن القول إن الدبلوماسية الأردنية استباقية ونشطة وفاعلة على جبهات عديدة، كان آخرها اللقاء الذي جمع جلالة الملك عبدالله الثاني مع المنظمات والقيادات اليهودية في نيويورك، على هامش المشاركة الأردنية في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ76. فالمتتبع لمسار الأحداث، فيما يتعلق بالمساعي الأردنية لتحريك جهود السلام في المنطقة، يلاحظ التفاعلية والديمومة الأردنية، منذ فوز الرئيس الأميركي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية، لإعادة الزخم إلى عملية السلام وإخراجها من دائرة الجمود التي لازمها خلال فترة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، صاحب تقليعة صفقة القرن. فمن مواقف أردنية ثابتة وصولا لتأكيدات أميركية، من قبل الإدارة الحالية، على حل الدولتين سبيلا وحيدا لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلى دعم ذلك من قبل عواصم الاتحاد الأوروبي والقوى الكبرى مثل روسيا والصين، إلى تنسيق أردني مصري فلسطيني مستمر، إلى اتصالات مع الجانب الإسرائيلي، حتى وإن كانت في مراحلها الأولى، يأتي بعد كل ذلك لقاء جلالته مع المنظمات اليهودية في نيويورك. ولمن لا يدرك، فهذه المنظمات لديها قوة ضاغطة في دوائر صنع القرار في واشنطن، وليس على مستوى إدارة بايدن فقط، بل يتعداه إلى الكونغرس الأميركي، وإلى مؤسسات الفكر والأبحاث ووسائل الإعلام والصحافة، وبالتالي فإن تفهمها للمواقف الأردنية ودعمها لها سيضمن قوة إضافية تترجم نحو حفز الإدارة الأميركية لاتخاذ إجراءات على الأرض تمهد لإطلاق مفاوضات قائمة على حل الدولتين. ليس هذا وحسب، فالقيادات اليهودية الأميركية، تحديدا، لديها القدرة على ممارسة الضغوط على السياسات الإسرائيلية في تل أبيب لصالح تحقيق السلام، إن هي اقتنعت بالمقام الأول بذلك، خصوصا أن الزخم الاقتصادي والمالي لإسرائيل من الولايات المتحدة يأتي، ولو جزئيا، من قوة وتأثير هذه الجاليات، التي يغلب عليها حاليا الطابع الليبرالي، مع وجود قيادات شابة أكثر نقدا لسياسات إسرائيل، خصوصا المتعلقة بالتوسع الاستيطاني والممارسات الاحتلالية. صحيح أن هناك فجوات في العلاقة بين القيادات اليهودية الأميركية والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، التي تصاعدت إبان فترة حكم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، لكن الواقع الإسرائيلي الجديد بوصول نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد، وشريكه الزعيم الوسطي، يائير لبيد، وهو من شكل الائتلاف الحكومي الإسرائيلي ليقود الدبلوماسية الإسرائيلية مع العالم من خلال موقعه وزيرا للخارجية، قد يحمل بعض التغيير لصالح تأثير أكبر لهذه المنظمات في السياسات الإسرائيلية على الأرض نحو دعم جهود السلام. وذلك ما جاءت بوادره نوعا ما على لسان بينيت، خلال مشاركته في مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية في أميركا الشمالية مؤخرا بقوله، وفق وسائل إعلام، إنه يرى أن وجود اقتصاد أفضل، يحقق كرامة أكثر للفلسطينيين، يمكن أن يحسن الوضع. تدرك الدبلوماسية الأردنية الدور الفاعل للمنظمات اليهودية في الولايات المتحدة، وعليه فإن التواصل معها هدف استراتيجي يصب في دعم تحقيق السلام، خصوصا مع تأكيد جلالته، خلال اللقاء، “أنه لا بديل عن حل الدولتين، الذي يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من حزيران العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، لتعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل”. وبهذا، يكون الأردن، وكما كان دوما، الأكثر منطقية وحضورا وتفاعلا في الشرق الأوسط والعالم دفاعا عن حقوق الشعب الفلسطيني في مختلف المحافل الدولية، ومع جميع الأطراف الفاعلة. ففي السياسة، تقاس النتائج بمدى التأثير وكسب التفهم والتأييد للقضايا لا غير. (الغد)
مشاركة :