كيف أصبح منشقون أمريكيون نجوم سينما في كوريا الشمالية

  • 10/26/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الجندي الأمريكي تشارلز روبرت جينكينز كوريا الجنوبية متجها إلى الشمال، وظل هناك حتى أصبح نجماً في مملكة الراهب. يروي سايمون فاولر القصة المثيرة لتشارلز. يقسم خط العرض 38 شمالاً شبه الجزيرة الكورية إلى شطرين بشكل واضح، ولا يزال هذا الحد الفاصل واحداً من أكثر الأماكن المحصنة في العالم. ومع ذلك، وفي ذروة الحرب الباردة في ستينيات القرن الماضي، وبعد مرور عقد من الزمن فقط على الحرب الكورية، كان هذا الخط جبهة أمامية في النزاع الأيديولوجي بين الشمال الذي يخضع للحكم الشيوعي، والذي يسمى أيضاً جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، والجنوب المدعوم من قبل الولايات المتحدة. وللمفارقة، كانت المنطقة الفاصلة هذه تُدعى بالمنطقة منزوعة السلاح، وهي ليست كذلك على الإطلاق، فالألغام تتناثر فيها، وتشهد مناوشات مستمرة بين القوتين. في يناير/ كانون الثاني من عام 1965 وفي ذروة التوترات بين الشمال والجنوب، تخلى الجندي الأمريكي تشارلز روبرت جينكينز، والذي ينحدر من نورث كارولينا، عن مهام دوريته وحمل بندقيته فارغة من نوع إم ـ14 وبدأ بالسير عبر المنطقة منزوعة السلاح. ونظرا لشعوره بالخوف من تجنيده للخدمة في حرب فيتنام واعتقاده أن فراره إلى كوريا الشمالية سيؤدي إلى ترحيله على الفور إلى بلده، الولايات المتحدة، بدأ جينكينز رحلة محفوفة بالمخاطر من شأنها أن تغير حياته إلى الأبد. وبعد القبض عليه من جانب سلطات كوريا الشمالية، كان قدر جينكينز أن يظل أسيراً في هذا البلد طوال السنوات الـ 39 اللاحقة. انضم جينكينز إلى ثلاثة جنود أمريكيين آخرين سلكوا الطريق نفسه منذ عام 1962 وحتى ذلك الوقت. عاش جينكينز معهم في غرفة واحدة تحت مراقبة مستمرة من قبل السلطات التي كانت حذرة منهم. كانت الحياة التي عاشها هؤلاء الأربعة مليئة بالمخاطر أحياناً، ولكن في معظمها تدعو إلى الضجر حيث كان عليهم التأقلم مع طريقة العيش المختلفة في مملكة الراهب التي لم يختبرها إلا قلة غيرهم. دفعهم الملل والشعور باليأس بالمجازفة لمجرد الاستمتاع وذلك من خلال سرقة مملتكات حكومية أو الذهاب الى ارتفاعات هائلة والتشبث بنتوءات صخرية صغيرة على حافات وديان عميقة، بحسب ما كتبه جينكينز في عام 2009 في مذكراته بعنوان الشيوعي المتردد. أصبح ذلك هو المتنفس الوحيد لأننا، ومن نواحٍ عديدة، شعرنا وكأننا أموات حقا. ومثل باقي مواطني كوريا الشمالية، جرى اختيار مرشد للأمريكيين الأربعة ليتولى ترتيب جلسات منتظمة من النقد الذاتي ليضعهم قيد الاختبار. ويقول جينكينز في كتابه كان هؤلاء الأوغاد القُساة يكرهوننا بشدة، نحن الأمريكيين، إلى درجة أنهم رفضوا اعتبارنا بشراً واستمتعوا بجعل حياتنا جحيماً لا يُطاق. كان الضرب والتعذيب النفسي أموراً معتادة، لكن هؤلاء الأسرى الأمريكيين كانوا يحصلون على تغذية مناسبة للحاجة إلى إظهارهم وكأنهم أصحاء وسعداء في العديد من المنشورات الدعائية التي ألقيت على المنطقة المنزوعة من السلاح باتجاه كوريا الجنوبية. ورغم أنهم خضعوا لجلسات استجواب وواجهوا كراهية من قبل مواطني كوريا الشمالية، فإن أكثر الأمور غرابة في حياتهم هي أنه كيف أصبحوا جميعا وفي أوقات مختلفة، نجوماً في أفلام كوريا الشمالية. غرباء في بلاد عجيبة بدايةً، اختلقت حكومة كيم إيل سونغ دوراً دعائياً لجيمس جوزيف دريزنوك، وهو رجل طويل القامة فر من الخدمة في الجيش الأمريكي في مايو/ أيار عام 1962. كان صوته يدوي عبر أجهزة المذياع المنصوبة في المنطقة منزوعة السلاح ليسمعها الجنود الأمريكيون في الجهة المقابلة. كانت خطاباته المذاعية تصف بلداً فاضلا، حيث يمكن للجنود أن يستمتعوا بالعيش فيها إذا حذوا حذوه وعبروا الخط الفاصل نحو الجزء الشمالي من كوريا. وعلى شاكلة جميع الحكومات الشيوعية، أدركت كوريا الشمالية بشكل جيد الدور القوي للسينما كأداة دعائية. وفي سبعينيات القرن الماضي، حاز الأمر على أهمية خاصة لدى زعيم المستقبل لجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية كيم جونغ إل، الذي كان يتنافس لنيل احترام والده، كيم إيل سونغ. أرسل كيم جونغ إل المخرجين ليدرسوا فن السينما في الخارج وألف كتاباً عن أهمية السينما في الصراع الثوري. كما أنتج بعضاً من أهم الأفلام الدعائية لتلك الحقبة. ولعب كيم جونغ دوراً رئيسياً في صناعة أشهر أفلام السينما في كوريا الشمالية ضمن مجموعة الأفلام الكلاسيكية الخالدة، وهو فيلم فتاة الزهور. أُنتج هذا الفيلم عام 1972، ويقال إنه يستند إلى قصة كتبها كيم إيل سونغ. يمثل فتاة الزهور طريقة استكشاف سوداوي لملاك الأراضي الأشرار في الفترة التي سبقت تحرير كوريا الشمالية من جانب القوات الشيوعية. ظهرت صورة بطلة الفيلم هونغ يونغ ـ هوي على أوراق العملة النقدية في كوريا الشمالية حتى عام 2009، وكانت هونغ نفسها تُنادى في الأوساط العامة منذ ذلك الحين باسم شخصيتها في هذا الفيلم فقط. في عام 1978، بدأ العمل فيما سيصبح لاحقاً سلسلة ملحمية تتألف من 20 فيلماً باسم الأبطال المجهولون، وهو عبارة عن سلسلة أفلام تحلل الحرب الكورية من منظور كوريا الشمالية. ولندرة الممثلين في هذا البلد الذين لديهم سمات غربية من حيث الشكل، فقد طلب من جميع المنشقين الأربعة أن يمثلوا في عدد من هذه الأفلام ليؤدوا أدوار شخصيات غربية شريرة. لعب جينكينز دور دكتور كيلتون، أحد مروجي الحروب وشخصية رأسمالية هدفه في الحياة أن تستمر الحرب ليستفيد منها مصنعو الأسلحة الأمريكية. حلقوا الجزء العلوي من رأسه ووضعوا له مساحيق ليبدو شريرا. ولعب دريزنوك شخصية آرثر، وهو قائدي عسكري يشرف على أحد معسكرات التعذيب لأسرى الحرب، وكانت تظهر واضحة على وجهه علامات التهديد والوعيد. أما لاري أبشير فقد أدى دور كارل، والذي يعمل تحت امرة أمريكيين شريرين، ولعب باريش دور لويس، وهو ضابط من ايرلندا الشمالية يكره احتلال بلده من قبل البريطانيين. حقق دور باريش أفضل الفوائد له: فالشخصية التي يمثلها تفر في نهاية المطاف من البريطانيين لتنضم إلى القضية التي تدافع عنها كوريا الشمالية. النتيجة كانت أن المواطنين في بيونغيانغ كانوا يعاملونه وكأنه بطل شيوعي حقيقي. حياة ممثل تكمن الفكاهة التامة لما جرى في أن الجنود الأمريكيين الأربعة، والذي لم يكمل أي منهم الدراسة الثانوية، تحولوا من أشخاص أشبه بسجناء مكروهين ليصبحوا أصحاب مكانة دائمة في العديد من أفلام السينما في النصف الشمالي من كوريا. يقول جينكينز بعد الفيلم الأول، (أبطال مجهولون)، وعندما كنت أمشي في الطرقات، أسمع شخصاً ينادي بكل حماسة وسعادة ’كيلتون باك ـ سا (دكتور كيلتون)! حتى إن المواطنين العاديين في البلد كانوا يطلبون الحصول على توقيعي. وخلال الفترة المتبقية التي قضاها في كوريا الديمقراطية، كان يطلب من جينكينز الظهور في أحد الأفلام وحتى آخر فيلم له في عام 2000 والذي يحمل اسم بويبلو. استند هذا الفيلم إلى أحداث وقعت عام 1968 عندما هاجمت سفينة بويبلو التابعة للبحرية الأمريكية قوات كوريا الشمالية وسيطرت عليها القوات الكورية. ولا تزال السفينة محتجزة ومعروضة في متحف حرب تحرير الوطن المنتصر في بيونغيانغ، غير أن هناك عشرات الأفلام الأخرى التي يمكن أن تجدها إذا بحثت بعناية والتي يؤدي فيها دريزنوك أو جينكينز أدوارا هزليا. طوال مدة إقامة دريزنوك في النصف الشمالي من كوريا، كان يظهر بشخصية الرجل الشجاع على شاشة السينما. أحد أبرز أدواره السينمائية كان دور جنرال في فيلم من الخامسة مساءً إلى الخامسة صباحا. تركز قصة هذا الفيلم على سرية من الجنود الكوريين الشماليين خلال الحرب الكورية، الذين يضطرون للاندفاع عبر أراضٍ محفوفة بالمخاطر لمنع هجوم أمريكي بقيادة الجنرال الشرير دريزنوك (ولديهم فقط 12 ساعة محددة لينجزوا ذلك). ونظرا لتردي صحة قائدهم، فما كان على الجنود الشبان، شديدي الحماس بوطنيتهم، إلا تنفيذ المهمة. لعل شخصياتهم كانت أقرب إلى دور كوميدي منه الى أي دور آخر يُشاهد على الاطلاق على شاشة السينما الكورية الشمالية. واستطاع جيش كوريا الديمقراطية دحر القوات الأمريكية، الذي تصرف بغباء عندما أبلغ وسائل الإعلام عن خطة هجومه المرتقب قبل تنفيذه. لم يطلب من المنشقين أن يظهروا في الأفلام فقط، بل طلب منهم أيضاً تلبية رغبات كيم جونغ إل المولع بالسينما. لقد اشتهر كيم جونغ بامتلاكه أرشيفا هائلا من الأفلام الأمريكية (في وقت لم يُسمح فيه لأحد في بلده أن يشاهدها). وغالباً ما كان على الأمريكيين الأربعة تفريغ مقاطع من حوار الأفلام المسجلة على أشرطة مسموعة. وهذه النصوص المفرغة كانت تترجم بعد ذلك وتضاف إلى الأفلام كفقرات مترجمة ضمن المجموعة الخاصة لكيم جونغ إل. يتذكر جينكينز بشغف سماعه مقطعاً من فيلم ماري بوبينز، ولكنه لم يكن يفهم ما يدور بالضبط. كانت مصائر دريزنوك وجينكينز وباريش وأبشير مختلفة خلال فترات وجودهم في كوريا الشمالية. توفي أبشير عن عمر 40 عاماً نتيجة إصابته بسكتة قلبية في بيونغيانغ عام 1983. وتوفي باريش بسبب فشل كلوي في تسعينيات القرن الماضي. أما جينكينز فقد تزوج من إمرأة يابانية كانت قد اختُطفت بهدف تدريب جواسيس كوريا الشمالية على تعلم اللغة اليابانية. استطاع الزوجان الانتقال للعيش في اليابان عام 2004 بعد اتفاقية شهدت إعادة العديد من الضحايا اليابانيين المختطفين إلى بلدهم الأصلي. ونظراً لتسريحه النهائي المشين من الخدمة العسكرية في الجيش الأمريكي، فلا يزال يعيش هناك. أما جيمس جوزيف دريزنوك فقد ظل في كوريا الشمالية مع عائلته التي كونها هناك، ولم يعرب مطلقاً عن نيته للعودة الى الولايات المتحدة. سلط الضوء بشكل رائع على جياة دريزنوك والعلاقة المعقدة التي ربطته بجينكينز في فيلم وثائقي بعنوان عبور الخط. وقال في تصريح لصانعي الفيلم أحسُ بأني في بيتي. حقاً أحس بأني في بيتي. لن أبدله مقابل لا شيء. يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Culture.

مشاركة :