في المشهد التكنولوجي المتغير باستمرار، تظهر على السطح يوميا التهديدات الإلكترونية الجديدة التي تراوح بين الاختراقات البسيطة والهجمات المدمرة، فقد شهدت الأشهر القليلة الماضية قفزة هائلة في عمليات التحول الرقمي والابتكار عبر عديد من الصناعات في المملكة، ونتيجة للجائحة وأسلوب الحياة الجديد التي فرضه واقع العمل عن بعد والهجين التي رافقها الاعتماد الكامل على شبكات الإنترنت، كشفت هذه الممارسات عن طبيعة البنى التحتية الرقمية للمنظمات والمؤسسات العاملة في القطاعين العام والخاص، حيث تشير التقارير إلى أن الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021 شهدت أكثر من سبعة ملايين هجمة إلكترونية استهدفت قطاعات مختلفة في المملكة. ويتبنى مجرمو الإنترنت باستمرار تكتيكات ونواقل هجوم جديدة، فقد يؤدي بعض الهجمات الإلكترونية، خاصة هجمات برامج الفدية، إلى عواقب وخيمة على عمل المؤسسات كانقطاع خدمات العملاء، وخسائر في الإيرادات نتيجة تعطل خطوط الإنتاج، ما يؤثر في سمعة الشركة الأمر الذي يزعزع مكانتها في أسواق الأسهم، دون إغفال إمكانية تسرب البيانات وحجبها، ما يؤخر عمليات استعادة الأنظمة إلى وضعها الطبيعي مرة أخرى. ومن أحد الأمثلة الحديثة على ذلك، هو هجوم برامج الفدية الذي استهدف إحدى الشركات الكبرى، حيث تم اختراق بعض البيانات وتشفيرها بعد أن طلب المهاجمون فدية قدرها 50 مليون دولار. وفي حديث لـ"الاقتصادية"، قال تامر عودة، المدير الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط لدى شركة SentinelOne، "إن المملكة تبذل جهودا كبيرة لإنشاء مركز إلكتروني متقدم ومستعد للمستقبل، بدءا من بناء المدينة الذكية العملاقة (نيوم) إلى تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، إلى جانب إنشاء نظام متكامل صديق للذكاء الاصطناعي يدمج تحليلات البيانات، والنطاق العريض عالي السرعة، واعتماد أحدث تقنيات وحلول الجيل الخامس، حيث تتوقع شركة أبحاث السوق "موردور للاستقصاء" Mordor Intelligence أنه بحلول عام 2026، ستبلغ قيمة سوق البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي في البلاد ما يقارب 892 مليون دولار، بزيادة قدرها 32.6 في المائة بشكل سنوي مما كانت عليه في عام 2017، حيث بلغت قيمة سوق البيانات آنذاك ما يقارب 165 مليون دولار". وتابع، "يعد وجود نظام أمني سيبراني قوي لدعم وحماية هذه التطورات أمرا ضروريا لتشكيل بنية تحتية رقمية متطورة، وعلى هذا النحو، تقوم الحكومة بتسخير جميع الموارد ووضع الخطط الاستراتيجية لوضع الأمن السيبراني في طليعة إطار التحول الرقمي في البلاد، يتجلى ذلك في إنشاء الهيئة الوطنية للأمن السيبراني NCA، التي تهدف إلى تعزيز نظام شامل للأمن السيبراني، ويعمل هذا الكيان الأمني الحكومي بشكل وثيق مع المؤسسات الخاصة والعامة لحماية مصالحها الحيوية، والأمن الوطني، والبنى التحتية الحيوية، والقطاعات ذات الأولوية العالية، والخدمات والأنشطة الحكومية المتوافقة مع الرؤية السعودية 2030". وأشار إلى أن المملكة تعد رائدة في اليقظة السيبرانية، مع قاعدة معرفية هائلة، ففي عام 2020، صنف "مركز التنافسية العالمي" المملكة في المرتبة الثانية دوليا في مجال التحسين والتطوير المستمر للأمن السيبراني للشركات، ونظرا إلى هيمنة الاتصالات واستخدام الشبكة العنكبوتية ضمن عمليات قطاع التجارة الحديثة إضافة إلى تقديم عديد من الخدمات عبر البوابات الرقمية، أصبحت عديد من الشركات تقدم مجمل خدماتها بشكل رقمي للمستخدمين والعملاء، ما أضاف عبئا جديدا على عاتق مديري الأمن السيبراني وفرقهم الأمنية لمراجعة الممارسات الأمنية المتبعة لديهم. فهذه الشركات ليست فقط أهدافا أساسية لجميع أنواع تهديدات سرقة البيانات بما فيها برامج الفدية الضارة، وإنما تخضع إلى تدقيق مستمر ومتزايد من قبل كل من العملاء والمنظمين. وأشار إلى أنه خلال الأشهر الـ18 الماضية شهدت المنظمات موجة جديدة من هجمات الأمن السيبراني، وهذا يعني أن حماية النهاية الطرفية والشبكات وأهم أصول المؤسسة "البيانات"، أصبحت أكثر صعوبة من أي وقت مضى. وبشكل عام، بالنسبة إلى الشركات والفرق الأمنية التابعة، كل يوم يجلب معه تحديات وتطورات جديدة، وبينما قد يعمل بعض مسؤولي الفرق الأمنية على الاستجابة لحادث ما، يعمل البعض الآخر على تحديد الطرق اللازمة لتحسين الوضع الأمني لبيئة المؤسسة، ويتطلب هذا النوع من العمل فهما جيدا لبيئة المؤسسة وطبيعة التهديدات بشكل عام. فمن خلال امتلاك الأدوات المناسبة مع المستوى المناسب من الرؤية، ستنجح الشركات في الحماية والكشف والاستجابة والتعافي في أوقات الحاجة. وقال تامر، "لذا يجب أن يفهم القادة الآن، بأن تأمين المؤسسة وحمايتها ضد التهديدات السيبرانية يعد ضرورة ملحة لاستمرار العمليات التجارية، فقد ولت منذ زمن بعيد الأيام التي كانت فيها الإدارة تحتاج فقط إلى تعيين مسؤول تكنولوجيا المعلومات لتثبيت مضاد فيروسات جاهز، وإقامة جدار حماية حول محيط الشبكة والجلوس والتفكير في الأشياء "الأكثر أهمية". مع النمو المتسارع وتطور الهجمات الإلكترونية وتكتيكات جهات التهديد الفاعلة، جنبا إلى جنب مع أعباء العمل الرهيبة الملقاة على عاتقهم، والقوى العاملة عن بعد، وأجهزة إنترنت الأشياء غير الآمنة، فإن الأمن ليس مسؤولية المديرين والرؤساء التنفيذيين فقط، وإنما أولويتهم القصوى أيضا.
مشاركة :