(خيركم من طال عمره وحسن عمله)، تذكرت هذا الحديث النبوي الشريف وأنا أتلقى نبأ وفاة الخالة نورة الخريجي والدة أخي خالد وأشقائه الكرام، هذه المرأة الطيبة التي عايشتها في مراحل عمري حين كنت صغيرًا، وكانت بمثابة أم للجميع في البيت الكبير الزاخر بالأبناء وزوجاتهم والأحفاد والضيوف الذين لا يتوقف وفودهم ما بين قادم ومودع، وفي زمن لم تكن فيه الأوضاع ميسورة عند غالبية الناس، فالعديد من البيوت، قد يبيت بعضهم طاوين أو لم ينالوا سوى اليسير من الطعام الذي لا يشبع حين كان البيت الكبير الذي تديره متخماً بالنعم، وكان تدبيرها له بطريقة توزيع الأدوار بين النساء في البيت، متزوجات وغير متزوجات، ما يتيح الفرصة لتدريب عملي فائق المستوى وفي جميع الأعمال التي تسند عادة إلى النساء، ولا تخلو إدارة مثل هذا الجمع الكبير من مواقف تتطلب الحكمة تارة والحزم تارة أخرى والمرونة وغيرها من صفات تظهرها الوقائع، فلا تزداد أم خالد إلا قربًا وهيبة ممن حولها ولا غرابة أن تعد عند القريبات أماً للجميع وتحظى بالاحترام والتقدير ثم عايشتها بعد أن غادرتُ الرس وانتقلت للعمل في الرياض، فكانت تصحب الوالد في زيارته لنا وكانت تملأ البيت نشاطًا والمجالس فوائد ويكتظ البيت بالزوار الذين يفدون للسلام عليها ثم عايشتها عند كبر سن الوالد ودخوله في مرحلة الشيخوخة والعجز وبقائه عندي لحاجته للعناية الدائمة، وكانت تبقى معه تشاركنا رعايته والاهتمام به، ثم بعد أن رحل عنا رحمه الله انتقلت للسكنى في بيت ابنها الأخ عبدالعزيز، فكانت تسأل عن الجميع وتدعم المحتاجين وتوجه الفتيات لما يتوجب عليهن من مسؤوليات تجاه أزواجهن وأبنائهن وتسعد الجميع بحكاياتها المليئة بالحكمة أو الطرافة المؤنسة، ولا يعيقها كبر سنها ولا ضعف حالتها الصحية من القيام بواجباتها الاجتماعية حتى أقعدها المرض ففتحت باب بيتها لأحبابها تقدم لهم ما تبقى من خلاصة تجاربها وتصدقهم النصح، وفي جميع مراحل حياتها كانت محافظة على فروضها الدينية مهتمة بتحسس أحوال الضعفاء من حولها، تعطي حسب قدرتها ثم تشفع للبقية حتى تطمئن على حصولهم على مبتغاهم، وظلت على هذا المنوال إلى أن ماتت، رحمها الله رحمة واسعة وأسكنها فسيح جناته وجبر مصابنا جميعاً، واشمل اللهم برحمتك وعفوك زوجات الوالد السابقات اللواتي كن يقمن بنفس الدور الذي أدته وقامت به الوالدة أم خالد.
مشاركة :