أول امرأة تتقلد منصب مدير بلدية المنطقة الشمالية.. حاصلة على وسام الكفاءة من جلالة الملك.. المهندسة لمياء يوسف الفضالة لـ«أخبار الخليج»: تقول الناشطة الأمريكية الشهيرة أليس بول: «إنه أمر لا يصدق بالنسبة إلي أن أرى عالما لا تكون المساواة الكاملة أساسه»! نعم، فالعدالة وعدم التمييز مبدآن يصبح معهما حال العالم أفضل، تلك هي القناعة التي تتمتع بها مملكتنا، ممثلة في قيادتها الرشيدة. وانطلاقا من ذلك، سعت إلى دعم حقوق المرأة، وإلى تكريس نظرية تكافؤ الفرص بين الجنسين، وترسيخ مفهوم الإنسان من دون أي معيار جنسي يتصل بالذكورة أو الأنوثة، وهو ما كان وراء تألق وإبداع العنصر النسائي في مختلف ميادين العمل، من بينها تلك المرأة التي استطاعت بكل مهارة أن تتفوق على نفسها، وتحتل منصبا مرموقا كأول سيدة بحرينية تتقلده، لتترك لها بصمة خاصة ومميزة في عالم النساء. لمياء يوسف الفضالة، مدير عام بلدية المنطقة الشمالية، تؤكد أن البحرين تحرص دوما على توفير فرص العمل في كافة المجالات أمام المرأة، حيث تبنت مبدأ إدماج احتياجاتها في العملية التنموية، وسعت نحو تطبيق مبدأ تساوي الحقوق والمعاملة بالمثل من دون أي تقييد أو تحيز أو تفضيل بين العاملين والعاملات في المجتمع، الأمر الذي أتاح الفرصة لها للتدرج والترقي وصعودها سلم النجاح، حتى وصلت إلى تلك المرتبة التي تحتلها اليوم وتفخر بها بشدة. لم يأت حصولها على وسام جلالة الملك للكفاءة من فراغ، بل كان تتويجا لمسيرة حافلة بالإنجاز والجهد والمثابرة، ورغم كل ما حققته فإنها ترى أن طريق العطاء مازال طويلا، لأن الوطن يستحق المزيد والمزيد. «أخبار الخليج» رصدت تفاصيل هذه التجربة المتميزة في الحوار التالي: كيف أثرت مرحلة الطفولة في مستقبلك؟ كنت طفلة مجتهدة، مميزة، وطموحة للغاية، أهوى القراءة في مختلف المجالات، وكم تمنى والدي أن أصبح طبيبة في المستقبل، ولكني لم أجد نفسي في هذا المجال، فقررت أن أتوجه إلى دراسة الهندسة المدنية بجامعة البحرين، وهو تخصص يتماشى مع حبي للعلوم وللرياضيات وتفوقي الدائم فيهما، ثم تخرجت، وكان موضوع مشروع التخرج هو الأول من نوعه. ما هي فكرة هذا المشرع؟ مشروع التخرج كان بحثا يعتبر الأول من نوعه، إذ كنت أول عنصر نسائي يقوم بهذا العمل، وموضوعه إعادة تدوير خبث النحاس، وذلك لاستخدامه في عملية رصف الشوارع، والذي ينتج عن غسل السفن من قبل شركة اسري البحرينية، وقد قطعت شوطا كبيرا في هذه الدراسة، ومازالت بحاجة إلى استكمال.. وبعد هذا الانجاز بدأت مشوار حياتي العملية بكل حماس. بعد التخرج؟ بعد التخرج في الجامعة عملت في قطاع البلديات كمهندسة مدنية، وبدأت كمهندس تراخيص، ثم انتقلت في مكتب ديزاين أوفيس كمسؤول عن الحدائق في البحرين، ثم عدت كمهندس أول في البلديات، وتنقلت بين البلديات في وظائف متعددة، ما جعلني أتمتع بخبرة تراكمية في العديد من المجالات، كالبناء والسجلات والاعلانات والتراخيص وغيرها، إلى أن أصبحت رئيس قسم تراخيص الخدمات في البلدية الشمالية، ثم مدير إدارة الخدمات الفنية ببلدية المنطقة الوسطى، وبعد إلغائها تم تعييني مديرا في البلدية الشمالية، ثم مديرا عاما منذ عام 2018، وذلك بعد مرور عام تقريبا على أجمل حدث في حياتي. ما هو ذلك الحدث؟ لعل أجمل شيء حدث لي في حياتي هو ترشحي لنيل وسام جلالة الملك للكفاءة، والذي يعتبر نقلة مهمة في مشواري، فقد شعرت بأنه جاء لتتويج مسيرة طويلة من الجهد والمثابرة والعمل الدؤوب، وهي خطوة تعكس السياسة العامة لوطني الذي يدعم الكفاءات البحرينية، ويوفر مبدأ تكافؤ الفرص بين الجنسين، اعتمادا على الكفاءة والإنتاجية، وليس الجنس، وقد كان هذا الوسام بمثابة نوع من التحدي لمواصلة المسيرة بكل قوة وثبات وعطاء. هل واجهت أي صعوبات تتعلق بكونك امرأة؟ لا، لم يحدث أن واجهت أي عثرات أو مشاكل لكوني امراة، وأنا أرى أن المراة تصلح للعمل البلدي مثلها مثل الرجل، بل أثبتت كفاءة في كافة مجالات العمل بشكل عام، وأجمل ما في هذا العمل هو ارتباطه مباشرة بمساعدة الآخرين، وتقديم الخدمات لهم، وهو شيء أستمتع به بشدة، وورثته عن أبي الذي كان يعمل في نفس المجال، ويتفاني في أداء رسالته، وهو الذي علمني حب خدمة الناس والتلذذ بذلك، فقد كان دوما عونا للجميع من خلال عمله في وزارة خدمية. ماذا عن المنافسة مع الرجل؟ المنافسة موجودة من دون شك، وقد واجهت ذلك في مجالي، ولكنها لم تمثل أي عقبة بالنسبة لي، بل حافز قوي نحو إثبات الذات، والعمل المضاعف، والإصرار على المواصلة، فأي موقع عملي يمثل لي شرف أخدم من خلاله وطني، الذي مهما قدمت له أظل مقصرة في حقه، وأنا أرى أن أي موظف مهما كانت مهنته فهي تمثل أهمية ما للمشاركة في نهضة بلده. في رأيك.. متى تفشل المرأة؟ أنا أرى أن المرأة تفشل بقرار منها، وذلك إذا تحلت بالضعف واستسلمت لأي ظروف أو عقبات أو تحديات، ومما لا شك فيه أننا جميعا قد نمر ببعض الاحباطات في لحظات أو فترات معينة، ولكنها قد تكون دافعا وحافزا لنا، كما أنها تصقل شخصياتنا، وحين نتجاوزها نصبح أقوى مما سبق، بل تحدث تاثيرا إيجابيا في حياتنا على المدى الطويل، وهذا ما توصلت إليه من خلال مشواري وتعرفي على تجارب الآخرين، والتحلي بخبرات متنوعة مكنتني بالفعل من التغلب على أي عثرات واجهتني. هل تعرضت لأي نوع من الإحباطات؟ جميعنا معرضون لذلك، وانا دائما مع النقد الموضوعي البناء، ولست مع تضخيم الأمور وإحداث نوع من البلبلة، فأي نقد بناء هو هدية من صاحبه نستفيد منه ونسترشد به في عملنا، ولكل مواطن الحرية في إبداء رأيه بالأسلوب اللائق، وقد استحدثت فكرة «يوم العميل» لاستقبال المراجعين من الساعة 9 إلى 12 صباحا لابداء ملاحظاتهم أو استفساراتهم، وللتعرف على احتياجاتهم ومتطلباتهم، والتحاور معهم، وكان ذلك يتم كل يوم أربعاء من كل اسبوع، ولكن نظرا إلى ظروف أزمة كورونا، تم تحويل هذه الخدمة إلى فيديو كول، وهنا تبرز أهمية الاستخدام الصحيح لوسائل التواصل الاجتماعي وقت الأزمات، وفي النهاية كل ذلك يصب في مصلحة الوطن. كيف ترين المرأة البحرينية؟ أنا أرى المرأة البحرينية اليوم في مرتبة متقدمة جدا مقارنة بمثيلاتها في دول المنطقة، ولا ينقصها شيء، وأشعر بفخر شديد تجاه تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص الذي نلمسه واقعيا في مختلف المجالات اليوم، فنحن نساء البحرين نعيش في مناخ يبعث على العطاء والانجاز والابداع، وأتمنى أن أرى المرأة البحرينية في مزيد من المناصب القيادية المهمة. من يقف وراء نجاحك؟ لا شك أن هناك الكثير من العوامل التي ساهمت كثيرا فيما حققته على مدار مشواري، وفيما وصلت إليه اليوم من مكانة، أهمها دعم ومساندة زوجي لي في كل خطوة خطوتها، وحرصه دوما على تخفيف الضغوطات الواقعة علي، وخاصة في فترات معينة، هذا فضلا عن أسباب أخرى مكنتني من الاستمرارية والمواصلة بقوة مثل تمتعي بالقدرة على إدارة الوقت، وحرصي على الالتزام بمسؤولياتي تجاه أسرتي حتى الأوقات الصعبة والموازنة بينها وبين مهامي العملية، حتى إنه يمكن القول إنه لا شيء قد جاء على حساب الآخر ولله الحمد، كما أن قراءاتي المتعددة والمتنوعة كان لها تأثير كبير فيما حققته من نجاح. ما هي أجمل القراءات التي تأثرت بها؟ لقد كنت شغوفة بشدة لقراءة كتب عن الإدارة وفن تحليل الشخصيات، وتعلم المهارات الخاصة بالتعامل مع الآخرين، وكلها أمور أفادتني بشدة في كافة مواقع العمل، ومن أكثر الكتب التي تأثرت بها فعليا كتاب بعنوان «حافة الثقة» الذي منحني إياه معهد الإدارة العامة أثناء التحاقي بكورس لديه عن القيادة، وتعلمت منه كيفية التعامل مع الكاميرا والاستعداد للقاءات شكلا ومضمونا، وقد تعلمت من ذلك الكتاب انني يجب ان أكون موثوقا بي قبل ان أكون محبوبة، لأن الثقة تجلب الحب، وإذا هدمت ضاعت الكثير من الأشياء التي بنيناها. ما هي أكثر قيمة حرصت على تعليمها لأبنائك؟ أكثر قيمة حرصت على غرسها في نفوس أبنائي هي الولاء للوطن، والانتماء إليه، والابداع والتفاني في العطاء له، وبذل الجهود من أجل تحقيق رخائه ورقيه وحمايته، وهي أمور بحاجة إلى تربية أكثر من مجرد مناهج يتم تدريسها، وخاصة فيما يتعلق بترجمة هذا الولاء إلى عمل على أرض الواقع والى سعي من أجل النهوض ببلدنا والسمو به وازدهاره، فكلمة الوطن بالنسبة إلي تعني الكثير.. وهذا ما حاولت أن أنقله إلى أبنائي منذ نعومة أظافرهم.
مشاركة :