فجوات اقتصادية تعبد الطريق إلى التضخم

  • 9/23/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

صحيح أن بداية العام الدراسي في الخريف يجب أن تجلب عودة مطردة إلى الوضع الطبيعي السابق للأزمة، بافتراض أن الجائحة لن تخرج عن السيطرة مرة أخرى. ولكن حتى مع ذلك، ستكون بعض الأمور تغيرت بشكل دائم، ما يعني أن جزءاً على الأقل من عدم التطابق ربما يتبين أنه بنيوي بطبيعته. وبشكل خاص، يُـعَـد تبني التكنولوجيات الرقمية بهذه السرعة ــ بما في ذلك انفجار حقيقي تشهده تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا المالية ــ جزءاً من الوضع الطبيعي الجديد بالفعل. بسبب هذه القدرات الجديدة، ستصبح العديد من الوظائف في قطاعي التصنيع والخدمات زائدة عن الحاجة. الواقع أن الأمر لا يخلو من سبب وجيه يحملنا على الاعتقاد بأن يوم الأتمتة الميداني بدأ بالفعل، وفي حين أن الثورة التكنولوجية التي أطلقت لها الجائحة العنان ستخلق وظائف جديدة دون أدنى شك، فإنها كانت بالضرورة أكثر ميلاً نحو ابتكارات موفرة للعمالة أو ابتكارات ربما تحل محل العمالة بشكل كامل. لأن الاندفاع الذي تحركه الجائحة نحو الأتمتة غير مسبوق، فلا يوجد تقدير عددي جدير بالثقة لتأثيره على أسواق العمل. أفضل تخميناتي هو أن هذا الاندفاع قد يرفع بسهولة معدل البطالة الطبيعي بمقدار نقطة أو نقطتين مئويتين، ويرتبط بهذه الزيادة انخفاض بنحو نقطتين إلى أربع نقاط مئوية في فجوة الناتج. ويتعين علينا أن نضع في الاعتبار ما إذا كانت الحوافز المالية تسببت في تقليص المعروض الفعلي من العمالة. بالإضافة إلى إعانات البطالة المحسنة التي من المقرر أن تنتهي في سبتمبر 2021، كانت هناك أيضاً مصروفات نقدية عديدة، بما في ذلك استحقاقات إضافية للأطفال. هذا كفيل بتخفيف العديد من قيود ميزانية العمال، ما يسمح لهم بالاختيار بين الوظائف بقدر أكبر من الحرية. لكن هذا يعني أيضاً احتمال حدوث صدمة إيجابية في المعروض من العمالة في سبتمبر. وعلى الرغم من الافتقار إلى تقديرات جديرة بالثقة لتأثير «عائد العمالة»، فإن معدل البطالة الطبيعي، وفقاً لأفضل تخميناتي، سينخفض بمقدار نصف نقطة مئوية، ما يعزز فجوة الناتج بمقدار نقطة مئوية واحدة. تُـرى ما مقدار التراخي الحالي في الاقتصاد الأمريكي؟ في علم الاقتصاد تُـنبئـنا «نسخة الفجوة» من قانون أوكون بأن الزيادة بمقدار نقطة مئوية واحدة في معدل البطالة ترتبط بانخفاض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (المعدل تبعاً للتضخم) بمقدار نقطتين مئويتين دون إمكاناته المحتملة، وهذه الفجوة مهمة لأنه كلما كان الاقتصاد أقرب إلى تحقيق كامل إمكاناته، أصبح مقدار قلقنا المستحق إزاء التضخم أكبر. وفقاً لمكتب إحصاءات العمل، كان معدل البطالة في الولايات المتحدة 5.9 % في يونيو، مقارنة بمعدل ما قبل الجائحة (فبراير 2020) الذي كان 3.5 %. إذا أخذنا الرقم الأخير كونه تقديراً لمعدل البطالة الطبيعي، سنحصل على فجوة في الناتج بمقدار 4.8 %، وبافتراض نمو الناتج المحتمل بمعدل 2 % سنوياً، فإن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير التضخمي للعام المقبل سيصل إلى 6.8 %، وبما أن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يتوقع نمواً بنسبة 7 % هذا العام وبنسبة 3.3 % في عام 2022، فإن هذا يشير إلى أن الولايات المتحدة لا تزال على بُـعـد عامين على الأقل عن عتبة التضخم. ربما يمكن انتقاد هذا التقدير التخميني لفجوة الناتج على أنه منخفض أكثر مما ينبغي أو مرتفع أكثر مما ينبغي، فيزعم معسكر الانخفاض أن أرقام البطالة الرسمية ــ 9.5 ملايين في يونيو 2021، مقابل 5.7 ملايين في فبراير 2020 ــ لا تعبر عن حجم التراخي في سوق العمل. يذكر تقرير مكتب إحصاءات العمل أنه في يونيو، «كان عدد العاملين خارج قوة العمل، الذين يريدون وظيفة حالياً نحو 6.4 ملايين شخص»، بزيادة قدرها «1.4 مليون شخص منذ فبراير 2020». وبعد احتساب 1.4 مليون شخص إضافي، يرتفع معدل البطالة إلى 6.8 %، لتصبح فجوة الناتج 6.6 %. علاوة على ذلك، ارتفع عدد العاملين بدوام جزئي لأسباب اقتصادية بنحو 229 ألفاً منذ فبراير 2020. والتعامل مع هذه الفئة على اعتبار المنتمين إليها من العاطلين عن العمل، من شأنه أن يرفع معدل البطالة إلى 6.9 % وفجوة الناتج إلى 6.8 %. ينشر مكتب إحصاءات العمل أيضاً تقديراً لعدد العمال المسرحين بشكل مؤقت، والذين كان من الواجب تصنيفهم على أنهم عاطلون عن العمل لكنهم صُـنِّـفـوا عن طريق الخطأ كونهم موظفين. بوضع هؤلاء في الحسبان يرتفع معدل البطالة المعدل موسمياً لشهر يونيو 2021 إلى 7.1 %، وهذا يعني ضمناً فجوة في الناتج بمقدار 7.2 %، لكن من يرون أن التقدير التخميني لفجوة الناتج أعلى مما ينبغي يصرون على أن تراخي الاقتصاد ضئيل للغاية أو معدوم، وهم يعترضون على التعديلات الثلاثة السابقة لمعدل البطالة. فلماذا يُـحتسب شخص لا يبحث عن عمل، أو غير متاح للعمل، كجزء من قوة العمل؟ يجب اعتبار العاملين بدوام جزئي على أنهم عاطلون عن العمل جزئياً، وحتى مكتب إحصاءات العمل، كما يزعمون، يعترف بأن تقديره للعمال المسرحين مؤقتاً «العاملين» ربما يبالغ في تقدير حجم الخطأ في التصنيف الخطأ. علاوة على ذلك، قد يؤكدون أن المعدل الطبيعي ربما يكون أعلى من 3.5 %، الرقم الأساسي الذي يجب مراعاته هو عدد الوظائف الشاغرة. في مايو 2021، كان هناك 9.2 ملايين (5.7 % من قوة العمل) «فرصة عمل غير زراعية في المجمل»، وهذا تقريباً الرقم الرسمي ذاته للعاطلين عن العمل (9.3 ملايين). كما وردت أيضاً تقارير متسقة من مختلف أنحاء البلاد عن شركات تناضل للعثور على عاملين، ما يشير إلى قدر هائل من عدم التوافق بين المعروض من العمالة والطلب عليها. إذا كان المعروض الفعلي من العمالة أقل مادياً من المعروض المتصور، فسوف يرتفع معدل البطالة الطبيعي بالضرورة. من المؤكد أن مثل هذا التفاوت الهائل في العمالة معقول، وذلك نظراً للتأثيرات المترتبة على جائحة مرض فيروس «كورونا» 2019 (كوفيد 19)، فقد تغيرت طبيعة العمل بشكل كبير نتيجة لعمليات الإغلاق، وغير ذلك من التدخلات غير الصيدلانية. في بعض الحالات، لا يكون العمل من المنزل مثمراً بقدر العمل في مكتب، أو مصنع، أو محل عمل آخر غير سكني. حتى مع رفع معظم القيود الرسمية المفروضة على الأنشطة ذات الصلة بتشغيل العمالة، فقد أفضت المخاوف من التقاط عدوى «كوفيد 19» إلى تقليص العودة الكاملة إلى ترتيبات العمل السابقة للجائحة. في نهاية المطاف، تستمر مسؤوليات رعاية الأطفال في الإبقاء على العديد من العاملين (وخصوصاً النساء) في المنزل، ونظراً لمحدودية قدرة استيعاب دور الرعاية النهارية، فمن المحتم أن يكون المعروض من العمالة الوالدية ضعيفاً. باستبعاد تعديلات «التراخي الأعلى»، يصبح تقديري المبدئي لفجوة الناتج بعد سبتمبر 2021 بين 1.8 % و3.8 %، وهذا يعني ضمناً توفر حيز للنمو غير التضخمي بنسبة 3.8 % إلى 5.8 % في العام المقبل، لكن هذا الحيز قد يُـسـتَـنـفَـد في غضون عام، ما يجعل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عُـرضة لخطر التأخر كثيراً عن المنحنى. * أستاذ الشؤون الدولية والعامة المساعد في جامعة كولومبيا طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App

مشاركة :