تسارع الأزمات في لبنان فاقم من حالات الاكتئاب والرغبة بالانتحار

  • 9/24/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أثرت الأزمات المتتالية التي شهدها لبنان، بداية من انهيار الاقتصاد إلى انفجار مرفأ بيروت وما خلفه فايروس كورونا، على نفسية اللبنانيين الذين سيطر عليهم الاكتئاب ودفع بأغلبهم إلى الانتحار بعد أن فقدوا وظائفهم وأصبحوا عاجزين عن توفير لقمة عيشهم. وقد فاقمت هجرة الكثير من الأطباء النفسيين والشح في الأدوية المهدئة والمضادة للاكتئاب والقلق من الأزمة النفسية للبنانيين. بيروت – لا يهدأ “خط الحياة” المخصّص للدعم والوقاية من الانتحار في منظمة “إمبرايس” للصحة النفسية في لبنان عن الرنين. يهدّد متصل بقتل نفسه لأنه عاجز عن تأمين قوت أولاده، ويتحدّث آخر عن فقدانه الأمل بالحياة بعدما بات مشردا، بينما يعبّر مراهقون عن شعور عميق بالاكتئاب. خلال العام الحالي، تضاعف عدد الاتصالات التي تلقتها المنظمة عبر خطها الساخن. بلغ عددها 1100 شهريا، أي العشرات في اليوم الواحد، مع تسارع الانهيار الاقتصادي الذي يشهده لبنان منذ عامين والذي انعكس شحا في الأدوية وبينها تلك المخصصة للاكتئاب ونوبات قلق. وبعد انهيار اقتصادي بدأت ملامحه قبل عامين ثمّ فاقمه انفجار مرفأ بيروت المروّع في الرابع من أغسطس 2020، وجد عشرات الآلاف أنفسهم عاطلين عن العمل أو باتت رواتبهم لا تساوي سوى القليل بعدما فقدت الليرة اللبنانية نحو 90 في المئة من قيمتها أمام الدولار. وتقول إحدى مؤسسي المنظمة ميا عطوي لوكالة فرانس برس “استيقظنا في أحد الأيام عند الساعة الخامسة والنصف فجرا على اتصال من رجل مشرد في الـ31 من العمر يريد أن ينتحر” عند تقاطع الرينغ المزدحم بالسيارات في وسط بيروت. وتضيف “قبل ذلك، تلقينا اتصالا من أب يعيش في منطقة البقاع أراد أن يقتل نفسه لأنه لم يعد قادرا على إطعام أولاده الأربعة… نتلقى اتصالات مشابهة كل يوم بعدما فاقمت الأزمة الوضع سوءا بشكل كبير”. واضطرت المنظمة إلى تمديد وقت تلقي الاتصالات من 17 ساعة إلى 21 ساعة يوميا، مع احتمال أن يصل إلى 24 ساعة. أما عيادتها النفسية فمواعيدها محجوزة حتى نهاية أكتوبر. ولا يزال المئات من الأشخاص على لوائح الانتظار. ولا يقتصر طلب الدعم النفسي على البالغين، إذ باتت المنظمة تتلقى اتصالات من قصّر دون 18 عاما. وشكلت هذه الفئة العمرية 15 في المئة من اتصالات شهر يوليو مقارنة مع عشرة في المئة خلال الأشهر السابقة. وتقول عطوي “فقد كثر الأمل”. وفي بلد يبلغ فيه الحدّ الأدنى للأجور 675 ألف ليرة، أي ما يعادل 45 دولارا وفق سعر الصرف في السوق السوداء، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 700 في المئة. ويجد اللبنانيون أنفسهم مضطرين لدفع ما لا يقل عن مليون ليرة (66 دولارا) شهريا للمولدات الخاصة جراء انقطاع التيار الكهربائي المزمن. وتفاقمت معاناة اللبنانيين مع تفشي فايروس كورونا وتأثيراته على الصحة النفسية ثم صدمة انفجار المرفأ الذي أودى بحياة 214 شخصا على الأقل وتسبب بإصابة أكثر من ستة آلاف آخرين، ودمر أحياء في بيروت. حالات الاكتئاب والرغبة بالانتحار إلى ازدياد في لبنان ويشير فادي معلوف مدير قسم الطب النفسي في مستشفى الجامعة الأميركية، أحد المرافق الطبية الرئيسية في لبنان، إلى ارتفاع أعداد المرضى الذين يتوافدون إلى عيادات الطب النفسي. ويقول “نشهد بالطبع حالات اكتئاب ونوبات قلق وحالات متقدمة منها”، مشيرا إلى أن الوضع تفاقم أكثر لسببين: هجرة الكثير من الأطباء النفسيين تاركين خلفهم مرضى يعانون من أجل إيجاد البديل، والشح في الأدوية المهدئة وتلك المضادة للاكتئاب والقلق، ما يؤدي في حالات معينة إلى الانتحار. وقد اضطر بعض المرضى، وفق قوله، إلى تخفيف العلاج للحفاظ على أكبر قدر من الأدوية المخزنة لديهم لمدة أطول وتكون النتيجة أن حالتهم النفسية تسوء أكثر. ويقول “حتى أننا رأينا مرضى قرروا التوقف تماما عن تناول الأدوية ما فاقم حالة الاكتئاب لديهم وباتوا أكثر ميلا للانتحار، إلى أن انتهى الأمر بالبعض منهم في غرف الطوارئ”. ويشرح أن “هؤلاء هم المرضى الذين كانت أوضاعهم مستقرة سابقا”. ومع تزايد الطلبات من أجل حجز المواعيد، تعمل الأخصائية النفسية نينار إيكناديوسان 13 ساعة في اليوم. تنتهي من جلسة لتبدأ أخرى. وترى أن تسارع الأزمات في لبنان يتطلب من الأطباء النفسيين أن يجدوا مقاربات تطرح حلولا سريعة ومركزة. الدعم النفسي لا يقتصر على البالغين، إذ باتت منظمة "إمبرايس" للصحة النفسية تتلقى اتصالات من قصّر دون 18 عاما وتقول “وكأننا نقوم بإسعاف أولي نفسي.. كل ما نفعله هو السيطرة على الأضرار” فقط. لكن في بلد بات فيه نحو ثمانين في المئة من السكان تحت خط الفقر، لا يستطيع كثر تأمين قوتهم اليومي، فكيف لهم أن يدفعوا كلفة جلسات علاج نفسي؟ وتقول مغالي عيد (23 عاما) المتطوعة للرد على الاتصالات الواردة إلى “إمبرايس”، “تلقينا الشهر الماضي اتصالا من أرملة لا تستطيع أن تؤمن الطعام لأطفالها.. بدت تائهة، وتسأل ما إذا كان عليها أن تقتل نفسها وأولادها أو تقتل نفسها فقط؟”. وترى بشرى (26 عاما) المتطوعة أيضا في “إمبرايس” أن عملها بات اليوم أشبه بـ”مهمة مستحيلة” لإنقاذ المتصلين الذين تخنقهم الأزمات. وتقول “يجدر بنا أن نمنحهم الأمل في بلد لم تعد فيه مساحة للأمل”. ويشهد اللبنانيون منذ يونيو 2021 ارتفاعا ملحوظا في حالات الانتحار المسجلة على مختلف الأراضي اللبنانية، مقارنة بتراجع كان قد سُجل في الفترة الممتدة من مطلع 2019 وحتى أبريل 2021، الأمر الذي دفع خبراء إلى التأكيد على أهمية تحرك الجهات والمؤسسات المختصة لتدارك هذه الإشكالية. وسجلت خلال شهر يونيو، وفي أسبوعين، ست حالات انتحار وهو رقم كبير قياسا بعدد سكان لبنان وعدد حالات الانتحار المسجلة فيه سنويا، وفق عدد من الحقوقيين. ويرجح أن يكون الرقم أعلى لحالات لم تسجل على أنها انتحار، وهو ما يطلبه كثير من العائلات اللبنانية إما لأسباب دينية أو تفاديا لإثارة بلبلة اجتماعية حولها. وكان من أبرز الحالات التي شكلت صدمة اجتماعية في لبنان خلال الأشهر الماضية الشاب اللبناني ماثيو علاوي (مواليد 1996). وقد عثر عليه داخل منزل في منطقة كسروان مشنوقا، وسجلت القوى الأمنية الحادث في إطار الانتحار. كما فجع الوسط الموسيقي اللبناني بحادثة انتحار الموسيقي الشاب زي كركبي، الذي سبق وقدم أعمالا فنية وموسيقية خلال ثورة أكتوبر، عبر فيها عن سخطه واحتجاجه على حال البلاد مناصرا التغيير. زي مثّل أملا واعدا موسيقيا تحول إلى خسارة برحيله، وفقا لما قاله عنه أصدقاؤه ومن عرفه في الوسط الموسيقي عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ShareWhatsAppTwitterFacebook

مشاركة :