يرى كاتب أفغاني أن بلاده منذ وصول العرب إليها في القرن السابع الميلادي رحبت باللغة العربية وتفاعلت معها، ولكنه يعيب على الباحثين العرب، الذين اهتموا مؤخرا بالأوضاع السياسية في أفغانستان، تجاهلهم لفكر الشعب الأفغاني وثقافته ونتاجه الأدبي. ويقول محمد أمان صافي إن اللغة العربية أثرت في اللغة الأفغانية وتأثرت بها أيضًا، كما امتد التأثير والتأثر إلى التقاليد أيضًا، وإن الأدب العربي له تأثير عميق في الأدب الأفغاني عبر العصور، حيث كان الأدباء الأفغان يعرفون اللغة العربية ولا يزالون «ولا يعدونها لغة أجنبية كغيرهم من الشعوب الشرقية». ويضيف في كتابه «أفغانستان واللغة العربية عبر العصور» أن العرب استطاعوا الحفاظ على لغتهم في تلك الديار البعيدة بسبب نظرة الاحترام من الشعب الأفغاني للغة القرآن التي انتقلت من حلقات التدريس في المساجد إلى المدارس والجامعات الأفغانية. والكتاب الذي يقع في 120 صفحة متوسطة القطع أصدره القسم الثقافي بسفارة أفغانستان في القاهرة ويضاف إلى مؤلفات الكاتب، ومنها «أفغانستان والأدب العربي عبر العصور (1988)» و«نفحات عن تاريخ السيد جمال الدين الأفغاني (1991)» و«ابن الأثير أديبا وناقدا وبلاغيا» و«أفغانستان.. النور والنار (1996)». كما يشرف على «معجم الألفاظ العربية في اللغة الأفغانية، الذي ستصدره جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض. وصافي مؤلف الكتاب ولد عام 1931 ونال الدكتوراه من كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر وعمل بالتدريس في جامعة كابل حتى عام 1973، وفي العام التالي قام بالتدريس في كلية البنات الإسلامية بجامعة الأزهر حتى عام 1980 ثم انتقل للعمل بكلية الآداب بجامعة الملك عبد العزيز في جدة. كما ترجم إلى الأفغانية كتبا عربية منها «فن الأدب» للكاتب المصري الراحل توفيق الحكيم و«الأدب ومذاهبه» للناقد المصري الراحل محمد مندور و«المذاهب الاستعمارية» للكاتب المصري الراحل محمد عوض محمد. وفي كتابه «أفغانستان واللغة العربية عبر العصور» يعود صافي إلى البدايات فيسجل أن عدد المقاتلين العرب الذين دخلوا أفغانستان حتى نهاية القرن الأول الهجري (نحو 720 ميلادية) يتراوح حول 100 ألف، وأنه إذا كانت أسرة المقاتل تتكون من أربعة أفراد فإن «جملة العرب في منازل الأفغان» تقترب من نصف مليون عربي. ويقول إن اللهجة التي يتحدث بها أهالي القرى العربية الأفغانية تشبه اللهجة العامية في السعودية، حيث يطلقون على الماء «موي» وعلى القمح «حنط»، كما توجد كلمات وعبارات في القرى الأفغانية الشمالية تشبه اللهجات العامية في كل من مصر والعراق وبلاد الشام. ويفسر بقاء اللغة العربية حية في بلاد الأفغان بالعامل الديني والقوة الذاتية للغة العربية، التي تجعلها قادرة على التعايش في بيئات نائية، ومنها أفغانستان التي تحولت «كموطن من مواطن اللغة العربية بعد أن كانت موطنا للغات الآرية وآدابها». ويوضح أن اللغة العربية من فصيلة اللغات السامية، أما اللغة الأفغانية فهي من فصيلة اللغات الآرية. ويقول صافي إن صراعا وقع بين اللغة العربية وآدابها وبين اللغة الأفغانية وآدابها «بصورة واضحة بعد الفتح الإسلامي. فقد حدثت معارك لغوية وأدبية... انتهت بهزيمة اللغات الأفغانية» لأسباب في مقدمتها الدين، حيث ارتبطت اللغة العربية بالإسلام الذي انتشر في ربوع أفغانستان. ويضيف أن «عقولا أفغانية أصيلة اتخذت اللغة العربية وسيلة للتعبير... وقدموا للعالم نتاجا فكريا عظيما» وأسهموا في نشر علوم الدين واللغة العربية في تلك المنطقة التي كانت تكتب قبل الإسلام بحروف هجائية قديمة ثم استخدموا الحرف العربي حتى في ما يريدون تسجيله باللغات المحلية. ويسجل أن الأدب العربي ترك آثاره في أساليب الأدب الأفغاني ومعانيه وتراكيبه، وفي الاستشهاد بالحكم والأمثال وأن الأديب الأفغاني لا يكتسب جدارته «إلا إذا كان ضليعا وماهرا وفنانا في التفنن في إدخال واستعمال الألفاظ العربية في شعره ونثره». ويقول إن «الهجائيات الأفغانية الإيرانية.. أهملت فكان من نصيبها الموت والفناء، حيث لم يكن في إمكانها الصمود أمام سيل الخط العربي الجارف»، وتمت صياغة اللغات الأفغانية بالحروف العربية. ويسجل أن مفكرين أفغانا أنتجوا أعمالهم باللغة العربية ومنهم الفيلسوف أبو حسن شهيد بن حسين البلخي وابن سينا والبيروني والشاعر بشار بن برد المتوفى في بغداد عام 713 ميلادية وأبو حنيفة النعمان مؤسس المذهب الحنفي.
مشاركة :