كيف دمّرت حرائق الغابات في تركيا صناعة العسل؟ | ألكسندرا دي كريمر

  • 9/25/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تسود حالة من التشاؤم بين مربي النحل في تركيا من فقدان أعمالهم لسنوات طويلة بعدما استفاقوا على حجم الدمار الذي لحق بالغابات إثر الحرائق التي ضربت الآلاف من أشجار الصنوبر التي تشكل الغذاء الرئيسي للنحل في العديد من المناطق وجعل العسل المستخرج منها من أجود الأنواع عالميا وأكثرها إقبالا. إسطنبول - تتزامن بداية سبتمبر عادة مع انهماك مربي النحل الأتراك القاطنين في المناطق الساحلية الغربية في العمل، كون هذا الشهر يُصادف الحصاد الأول لموسم عسل الصنوبر الشهير في المنطقة. ويحدث هذا النشاط عندما يتم نقل مملكات النحل من السهول العليا الداخلية، حيث يتم وضعها خلال فصل الصيف في الغابات بالقرب من السواحل. ولكن حرائق الغابات في هذا العام دمرت مساحات شاسعة من أشجار الصنوبر في تركيا، وقضت على صناعة محلية امتدت لقرون. ولم يدمر الحريق جزءا ثريا من التراث التركي فحسب، بل ولّد ضغوطا على الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه السياسي، حزب العدالة والتنمية الذي اتُهم منذ فترة طويلة بتفضيل مشاريع التنمية الشاملة على الحفاظ على البيئة الطبيعية في البلاد. صاميل تونكاي: من المستحيل على الأرجح إبقاء ممالك النحل على قيد الحياة واندلعت حرائق الغابات في أواخر يوليو الماضي، وفي غضون أسبوعين فقط وقف المسؤولون على حجم دمار هائل طال نحو 160 ألف هكتار من الغابات. وتعرضت حكومة أردوغان لانتقادات كبيرة بسبب ردة الفعل غير المتكافئة، والتي سمحت باشتعال النيران في البلدات الساحلية، مما أدى إلى تدمير العديد من المنازل أيضا. وقد وعدت الحكومة بإعادة البناء، لكن من غير المرجح أن تحاول إعادة زراعة أشجار الصنوبر، التي كانت ضرورية للنحل لإنتاج عسل الصنوبر الذي يمتاز بشهرة عالمية. وتمتد غابات أشجار الصنوبر الحمراء التي تضررت من الحرائق، من الساحل الشرقي للبحر المتوسط على طول الطريق إلى شمال بحر إيجة. وتعود جودة العسل التركي إلى حشرة مارشلينا هلنكا التي تتغذى على عصارة الأشجار. ويجمع النحل إفرازات تلك الحشرات ثم يأخذها إلى ممالك النحل ليصنع منها العسل. ويأتي أكثر من 90 في المئة من عسل الصنوبر في العالم من تركيا، ويتم إنتاج معظمه في مقاطعة موغلا في الجنوب الغربي للبلاد. وكان النحالون في كل خريف يضعون حوالي 3.5 مليون مملكة نحل في غابات المقاطعة، ويتم إحضار 2.5 مليون من تلك الممالك من خارج موغلا. مؤشرات عن القطاع ● 90 في المئة من عسل الصنوبر في العالم تنتجه تركيا ● 10 آلاف مربي نحل في موغلا ينتجون سنويا 20 ألف طن ● 110 آلاف طن أُنتجت في 2020 جعلت البلد ثاني منتج عالمي وأدى فقدان 66 ألف هكتار من الغابات بسبب الحرائق إلى نهاية سريعة لإنتاج العسل في موغلا، واعتاد ما يصل إلى عشرة آلاف من مربي النحل حصاد أكثر من 20 ألف طن من العسل سنويا، والآن قُضي تماما على مصدر رزقهم. ومن المرجح أن يستغرق الأمر عقودا حتى تصل أشجار الصنوبر الجديدة إلى مرحلة النضج اللازم لتعيش فيها حشرة مارشلينا هلنكا. وليست موغلا هي المنطقة الوحيدة المتضررة بالبلاد، فقد عانت مدن مثل عثمانية وباير وتورجوت، والتي يُعد العسل فيها إحدى الصناعات الرئيسية، من نفس المصير. وفي محاولة من السلطات لدعم العاملين في هذه الصناعة، وزعت وزارة الغابات بعض المعونات المالية على مربي النحل لإبقائهم واقفين على أقدامهم. ومع ذلك، رسم صاميل تونكاي بستوي رئيس جمعية حماية البيئة والنحل، صورة مستقبلية حالكة السواد، حيث يعتقد أنه سيكون من المستحيل تقريبا إبقاء ممالك النحل على قيد الحياة. وقال إن “الموت البطيء ينتظرهم”. وأضاف “لا يمكن إطعام النحل كما هو الحال مع حيوانات المزرعة، فالنحل يعيش على النظام البيئي للغابات”. ووفقا لحسين سنجول رئيس جمعية تربية النحل في إزمير، سيستغرق عسل شجرة الصنوبر التركي 50 عاما للعودة إلى سابق عهده. وستؤدي الحرائق أيضا إلى حذف اسم تركيا من قائمة منتجي العسل العالميين، ففي العام الماضي كانت البلاد ثاني أكبر منتج عسل، حيث أنتجت أكثر من 110 آلاف طن. حسين سنجول: سيستغرق عسل الصنوبر 50 عاما للعودة إلى سابق عهده ومن المهم الآن دعوة علماء البيئة ذوي الخبرة في إدارة الغابات إلى تلك المناطق للمساعدة في إعادة نمو الأشجار، حيث تفتقر الحكومة التركية لمثل تلك الخبرات، فضلا عن أن تعاملها مع الحرائق بشكل عام أظهر عدم استعدادها للاستماع إلى الخبراء. وما يثير قلق سكان منطقة موغلا بشكل أكبر هو الاقتراح القائل بأن الحكومة قد تستغل الأرض المحروقة مؤخرا لفتح سلسلة من المناجم في نفس المنطقة. وقد تم منح تراخيص التعدين منذ عام 2018 لمساحات كبيرة كانت في الأصل غابات، ويعد ذلك تهديدا دائما للنظام البيئي، أشد خطورة من حرائق الصيف. وسوف تتلاءم خطوة مثل تلك مع سجل أردوغان الحافل بمشاريع واسعة النطاق، والتي تكون على حساب الطبيعة والبيئة. ففي العام 2013، اندلعت احتجاجات ضد خطة التنمية الحضرية لمنتزه غيزي في ساحة تقسيم الشهيرة بإسطنبول، وتحولت تلك الاحتجاجات إلى أسابيع من المظاهرات المناهضة للحكومة. وفي الآونة الأخيرة، طرح أردوغان خطة لإنشاء قناة تصل البحر الأسود ببحر مرمرة، على الرغم من وجود مخاوف من أن تكون لتلك الخطة عواقب وخيمة على البيئة. وبالنسبة إلى الغابات التركية المتفحمة، فإن عودة النحل ضرورية لإعادة بناء النظام البيئي، لكن لا توجد ضمانات بتعافيها وعودتها إلى ما كانت عليه من قبل دون إشراف جيد. وتبدو احتمالات التعافي البيئي في المستقبل القريب ضئيلة في تركيا، خاصة مع وجود صانعي القرار الذين يرفضون باستمرار نصيحة الخبراء.

مشاركة :