القاهرة - تعمل القاهرة على عدم الاستسلام للانسداد السياسي الحالي على الساحة الفلسطينية وتسعى في هدوء إلى إجراء حوارات منفردة مع عدد من القوى الفلسطينية، تمهيدا لتهيئة الأجواء لعقد جولة جديدة من جولات المصالحة الوطنية المتعثرة. واستقبلت القاهرة أخيرا وفدا يمثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد وفد من حركة الجهاد الإسلامي لضمان الحصول على مواقف مؤيدة لاستئناف الحوارات الفترة المقبلة، ومحاولة إخراج العملية الخاصة بالمصالحة من غرفة العناية الفائقة وعدم قطع الأمل في إمكانية التوصل إلى تفاهمات قبل انفجار التصعيد بين حماس وإسرائيل. وكشفت مصادر فلسطينية لـ”العرب” أنه من المهم عدم التأخير في تحريك ملف المصالحة، وأن الاتجاه للتعامل معه منفردا يأتي كمقدمة لبلورة رؤية قابلة للتطبيق بعد الانتهاء من حل جزء من الإشكاليات التي تعرقل تحقيق تقدم في هذا الملف. وأكدت المصادر ذاتها أن القاهرة لن تحبط من مواصلة التحرك في طريق الحوار مع الفصائل المختلفة، لأنها عملية مصيرية لن تتركها لجهات فلسطينية أو إقليمية يمكن أن تعبث بها وتقودها إلى الانفلات التام أو توسيع الصدام مع إسرائيل، في وقت لا يزال المجتمع الدولي مترددا في الدفع باتجاه العمل على حل الدولتين. أحمد فؤاد أنور: الحوارات المنفردة التي تجريها القاهرة مع الفصائل من المرجح أن تتزايد وأوضحت المصادر لـ”العرب” أن غياب الحماس لدى القوى الكبرى لعقد مؤتمر دولي أو ممارسة ضغط على إسرائيل يجب أن توازيه جهود حثيثة لتقليل حدة الخلافات بين الفصائل، فالهوة الشاسعة حاليا بين حركتي فتح وحماس تدفع إلى التشاؤم الذي يمنح إسرائيل قدرة أكبر على تكريس نفوذها في الأراضي المحتلة وتبرير انتهاكاتها. وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس أيمن الرقب لـ”العرب” إن الموقف الأميركي لا يميل الآن لضخ دماء في عملية التسوية، ومن الواجب أن تتحرك الأمور أولا على الساحة الفلسطينية وتضييق الهوة بين الفصائل، الأمر الذي تعمل عليه مصر عبر الحوارات المنفردة مع عدد من الفصائل. وأضاف أن تحريك المصالحة يتزامن مع اتجاه آخر يرمي إلى تحريك فكرة إجراء انتخابات على مستوى محلي، لتخفيف حدة الاحتقان في الشارع وطمأنته أن الفصائل يمكن أن تتوصل إلى حد أدنى من التقارب الذي يحمي قضيته المحورية، فاستمرار غياب الاستراتيجية سوف تكون له تداعيات أشد بؤسا على القضية الفلسطينية. وشدد الرقب على أن التباين في التفاصيل بين الحركات مسألة يمكن توظيفها أو استثمارها سياسيا، فمن غير المستحب أن يتبنى الجميع مواقف واحدة، ويمكن الحفاظ على هامش من الخلاف يفيد في الضغط على إسرائيل التي تقودها حاليا حكومة يمينية متطرفة ترفض فكرة الدولة الفلسطينية، ومع ذلك لا تخلو الساحة من وجود أحزاب من اليسار تدعم عملية السلام. وأعلن المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في بيان له الأربعاء أنه استعرض مخاطر عدم إنهاء الانقسام وتغييب دور منظمة التحرير الذي يوفر فرصة لإسرائيل للتقدم، ودعا إلى إعادة بناء مؤسّسات المنظمة من خلال عقد مجلس وطني جديد والاتفاق على برنامج سياسي مشترك يحفظ حقوق الشعب الفلسطيني وتطلعاته. وعبّر وفد الجبهة الذي زار القاهرة عن تمكسه بدور مصر الراعي لجهود إنهاء الانقسام، باعتبارها شريكا في القضية الفلسطينية، وترحيبه بجهودها على هذا الصعيد. وتلقى وفد من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين برئاسة أبوأحمد فؤاد نائب الأمين العام خلال اجتماع عقده مع اللواء عبّاس كامل رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية بالقاهرة، تطمينات تؤكد أن منظمة التحرير الفلسطينيّة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني داخل الوطن وفي الشتات ورفض أي كيانات بديلة لها. وأكد اللواء عباس كامل “تمسك القيادة السياسيّة المصرية بإنهاء الانقسام كخيار استراتيجي لا بديل عنه، وتقديم التسهيلات الاقتصادية الممكنة لقطاع غزة التي تستهدف توفير احتياجات المواطن الفلسطيني الذي يستحق الكثير”. مصر تحاول إخراج العملية الخاصة بالمصالحة من غرفة العناية الفائقة وعدم قطع الأمل في إمكانية التوصل إلى تفاهمات قبل انفجار التصعيد بين حماس وإسرائيل وأشار أستاذ الدراسات العبرية بجامعة الإسكندرية أحمد فؤاد أنور إلى أن التحرك المصري محكوم بثوابت مركزية ترى أن المصالحة هي المفتاح الذي يقوض الخسائر التي تتعرض لها القضية الفلسطينية، وبدونها من الصعوبة أن يلتئم الشمل الوطني، وتخاطب قيادته المجتمع الدولي لإقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967.ولفت وفد الجبهة الشعبيّة إلى أهمية العلاقة مع مصر وضرورة العمل على تعزيزها، وقدّم عرضا للمخاطر التي تتعرّض لها القضية الفلسطينية، محذرا من استغلال حاجات ومعاناة الشعب الناجمة عن الاحتلال والحصار للقفز على حقوقه السياسية. وذكر لـ”العرب” أن الحوارات المنفردة التي تجريها القاهرة مع الفصائل من المرجح أن تتزايد الفترة المقبلة، وتؤكد في مجملها أن مصر عازمة على تفكيك بعض العقد التي تحول دون التفاهم وعدم الاستسلام للصيغة التي ترتاح لها بعض الحركات، ودفعتها دوما إلى تفشيل الحوارات السابقة خوفا من تقديم تنازلات. وشدد الباحث المصري على أن التئام جولة جديدة في القاهرة بعد الانتهاء من سلسلة الحوارات المنفردة والخروج بنتائج إيجابية، يضع حدا للركود الراهن ويجعل المياه تتحرك، فمن دون إحراز تقدم في ملف المصالحة لن تجرى انتخابات أو تتشكل حكومة وحدة وطنية ولن تستطيع مصر والدول العربية مطالبة المجتمع الدولي بالعمل على تنفيذ حل الدولتين.
مشاركة :