سيشارك 85 ألف بالغ من الشباب ذوي الاحتياجات الخاصة في ألمانيا بالتصويت لأول مرة في الانتخابات البرلمانية 2021. يأتي ذلك بعد معركة قضائية انتهت بقرار المحكمة العليا منحهم حق التصويت الذي أثار الكثيرمن الجدل. هانا كوشكي ستدلي لأول مرة بصوتها في الانتخابات العامة في ألمانيا كغيرها من الشابات والشباب في ألمانيا تتحمس هانا كوشكا لليوم السادس والعشرين من سبتمبر/ أيلول الجاري حيث ستدلي بصوتها في الانتخابات العامة، بيد أن حماس الشابة البالغة من العمر 30 عاما أكثر لأنها سوف تصوت لأول مرة في حياتها. وفي ذلك، قالت "أتطلع حقا إلى التصويت. كان بإمكانهم فعلا منح الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة في ألمانيا المزيد من الحقوق إذ أن لدينا آراءنا الخاصة". وبالنسبة لكوشكا فإن أهم القضايا التي بحاجة إلى المعالجة في ألمانيا تتمثل في حماية البيئة خاصة عقب الفيضانات الكارثية التي اجتاحت غرب ألمانيا في يوليو / تموز الماضي. وأضافت أن أكبر أمنياتها تتمثل في أن تستمع الحكومة المقبلة إلى "الأشخاص مثلنا وأن يتعاملوا معنا على محمل الجد"، في إشارة إلى الشباب والشابات من ذوي الإعاقة. تعمل كوشكا في أحد المتاجر المتخصصة في بيع المنتجات والأطعمة العضوية في مدينة نورمبرغ الألمانية إذ تقوم بترتيب المنتجات والسلع على الرفوف. وبسبب ظروفها الصحية، فإن والدتها هي الوصي القانوني عليها إذ تقوم بتفقدها مرتين أسبوعيا. ويلزم القانون الألماني الوصي القانوني بالتواجد قرب الفرد الذي تم تعيينه وصيا عليه بداية من مرة واحدة أسبوعيا وحتى التواجد على مدار الساعة، وعادة ما يقدم الأوصياء القانونيون المساعدة خاصة في ترتيب المنزل والأوضاع المالية وحتى الذهاب إلى المكاتب الحكومية. بطاقات اقتراع خاصة للمكفوفين في ألمانيا حتى يتمكنوا من الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات بدون حق الجميع بالانتخاب لا معنى للديمقراطية ولم يكن نيل الأشخاص، الذين تحت الوصاية القانونية، حقهم في التصويت بالأمر السهل؛ إذ كان الأمر نتاج جهود ضخمة بذلها نشطاء ومنظمات غير حكومية على مدار العقود الماضية. وفي هذا السياق، شدد بيير بروك - الناطق باسم منظمة "مساعدة من أجل الحياة/ Lebenshilfe" التي تعد أكبر منظمة غير حكومية في ألمانيا تدافع عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة- على أن السياسيين "كان بإمكانهم تغيير القانون في أي وقت مضى، لكن لزم الأمر رفع دعوى قضائية لإحداث تغيير والوصول إلى هذه النتيجة التي نحن بصددها اليوم". وأوضح بأن "الأحزاب الصغيرة مثل حزب الخضر وحزب اليسار وأيضا الحزب الاشتراكي الديمقراطي، قد دعمت منح حق التصويت لكل البالغين في ألمانيا، مضيفا أن "الكثيرين في الحزب المسيحي الديمقراطي حالوا دون تحقيق هذا الأمر". وقال إن "الحزب الاشتراكي الديمقراطي كان قد أعلن أنه سيقدم اقتراحا في هذا الصدد قبل انتخابات عام 2013، بيد أنه وعقب دخوله في تحالف مع الحزب المسيحي، تراجع وأسقط هذا الاقتراح". وأضاف بروك أن الحزب المسيحي بزعامة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أرجع رفضه إلى الافتراض بأن "البالغين الذين لديهم أوصياء لا يمكنهم تشكيل آرائهم الخاصة، أو- كما زعم الحزب - يمكن التلاعب بأصواتهم البريدية". يتمتع ذوي الاحتياجات الخاصة في ألمانيا برعاية متميزة من الحكومة، غير أن حق الكثيرين منهم بالانتخاب تأخر كثيرا! وأشار إلى أن الافتراض بالتلاعب في الأصوات عبر البريد الخاص بالأشخاص الذين هم تحت الوصاية القانونية يمكن أن ينطبق أيضا على كبار السن الذين يدلون بأصواتهم بريديا كذلك. واتفق مع هذا الرأي يورغن دوسل – مستشار لدى الحكومة الألمانية في حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة- الذي عزا الأمر إلى ثقافة تمييز ضد من هم تحت الوصاية القانونية في وسائل الإعلام والمجتمع بشكل يومي. وقال "لقد سمعنا نفس الحجج مرارا وتكرارا بأن بعض الأشخاص الخاضعين للوصاية لا يمكنهم تشكيل آرائهم الخاصة أو أدراك الأمور ذات الأهمية... هذه الحجج كانت نفسها التي استخدمها من عارضوا منح المرأة حق التصويت قبل 100 عام." وأضاف أن "الأشخاص الموصى عليهم ليسوا مجموعة متجانسة حتى يتم منعهم من التصويت. لم يكن الأمر ظالم وحسب، وإنما تنافى مع الدستور كذلك. من دون حق التصويت للجميع لا توجد ديمقراطية". وقامت منظمة "مساعدة من أجل الحياة/ Lebenshilfe" ومؤسسة كاريتاس الكاثوليكية بدفع تكاليف دعوى قضائية أقامها ثمانية أشخاص خاضعين للوصاية القانونية ضد الحكومة الفيدرالية من أجل نيل حقهم في الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الألمانية. وقد استغرق الأمر قرابة ستة سنوات حتى قضت المحكمة العليا في ألمانيا لصالح الدعوى القضائية في عام 2019. وهذا ما مهد الطريق أمام الأشخاص الموصى عليهم للتصويت في الانتخابات الأوروبية التي أُجريت عقب هذا الحكم بفترة وجيزة. ومن شأن القانون الجديد أن يمس عشرات الآلاف من ألمان معظمهم يعانون من صعوبات في التعلم أو من إعاقات جسدية ما يلزم تعيين وصي قانوني لهم. وقد تم منعهم في السابق من التصويت على أساس كل حالة على حدة. في هذا الصدد، قال بروك إن الأمر مرجعه فقط "الرغبة والإرادة في التصويت وأن الأمر يستحق العناء" متسائلا لماذا لا يتم اختبار المعرفة السياسية للناخبين البالغين الآخرين أو حتى الأشخاص الذين يصوتوا على أساس مظهر المرشح أو المرشحة؟ وأضاف بأن دراسة قامت بها جامعة هامبورغ كشفت عن أن 6.2 مليون بالغ في ألمانيا لا يجيدون القراءة أو الكتابة بشكل جيد، لكن لم يجرؤ أحد على الدعوة لمنعهم من التصويت في الانتخابات. وفيما يتعلق بنظام التصويت، أوضح بروك أن خطابا يصل إلى الناخبين قبل ستة أسابيع من انطلاق الانتخابات يوضح للناخب والناخبة موعد الاستحقاق الانتخابي والكيفية التي يمكنهم بها الإدلاء بأصواتهم سواء عبر البريد أو الذهاب إلى مراكز الاقتراع. وقال إن هذا يتم توضيحه بلغة غاية في البساطة لتفادي الالتباس، إلا أن الامر قد يستلزم تقديم نوع من المساعدة خاصة فيما يتعلق بملء بطاقة الاقتراع البريدية. ورغم ذلك، يرى بورك أن هذا الأمر لا يفتح المجال للتلاعب بشكل كبير، لأن التلاعب يعد جريمة جنائية "قد تقود صاحبها إلى السجن لأربع سنوات لكل صوت"، متسائلا: "من سيخاطر بنفسه إذا؟ ضد ذوي الاحتياجات الخاصة وأعاد هذا الأمر إلى الأذهان ماضي ألمانيا المظلم ضد حقوق الأشخاص الخاضعين للوصاية خلال الحقبة النازية إذ تم إعدام قرابة 300 ألف شخص من هؤلاء. في هذا السياق، قال دوسل إن هذه الحقبة المظلمة تُحمّل الألمان مسؤولية خاصة تجاه الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة "من ناحية لزوم عدم تصنيفهم على أساس أوجه القصورلديهم". وبمقارنة ألمانيا بالدول الغربية، فإن تلك الخطوة جاءت متأخرة كثيرا إذ منحت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا الأشخاص الذين تم تعيين أوصياء قانونيين لهم، الحق في التصويت منذ فترة طويلة. علاوة على ذلك، لا تزال هناك إجراءات في ألمانيا تمثل انتهاكا لالتزاماتها بموجب توقيعها على اتفاقية الأمم المتحدة لعام 2009 بشأن حقوق الأشخاص الخاضعين للوصاية القانونية. على سبيل المثال، لا تزال ألمانيا تطبق نظاما تعليميا يعزل العديد من الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو الإجراء التي تخلصت منه الولايات المتحدة والمملكة المتحدة منذ عقود. كذلك يوجد سجل موثق من التحيز ضد دمج أولئك الأطفال في المدارس الألمانية، فيما يفتقر الأمر إلى وجود إرادة سياسية كبيرة وحقيقية لجعل هذا الدمج واقعا ملموسا. أما الشابة هانا كوشكا التي ستصوت في الانتخابات العامة لأول مرة في حياتها، فشددت على أنه "كان من الظلم" أن تُحرم طوال الانتخابات الماضية من الإدلاء بصوتها. إليزابيث شوماخر / م ع
مشاركة :