صدرت هذا الشهر رواية البومة السوداء، للكاتب الروائي المصري، خليل الجيزاوي، وذلك ضمن سلسلة إبداعات عربية التي تُصدرها دائرة الثقافة بالشارقة، وهي الرواية الثامنة في مشروع الجيزاوي الروائي. وفي تقديمه للرواية - التي استقبلت بحفاوة كبيرة من قبل مثقفين ونقاد ومبدعين - قال الدكتور عمر عبدالعزيز: "البومة السوداء (للسارد الكاتب خليل الجيزاوي)، تنتمي إلى عالم رواية السيرة الذاتية، والتي سلَّم السارد العليم قيادها لسيرة جدته، واستتباعاً لعائلته، ممازجا بين السيرة والرواية البوليفونية متعددة الأصوات مُتابعاً رصد سيرة العائلة الريفية بتسلسل ناعم، وتكشُّفات نابشة لمعقول اللا معقول في عالم الوعي والوجود، المُوازيين لعالمي اللاشعور النفسي والغرائبية الوجودية، المتَّصلتين بالثقافة التاريخية القادمة من العلاقة العضوية بالماورائيات، بشقيها الحميد وغير الحميد، في معادلة تلك المنظومة من السير المتداخلة، ينتصب الموت كما لو أنه مشروع حياة تنقطع لتؤذن بسفر نحو حياة موازية.. سفر نحو الغياب". واضاف "لقد تجلَّت هذه الفكرة المركزية في معادلتي الموت والحياة منذ الموروثات الثقافية التاريخية الأقدم، واكتست طابعها الأميز في الثقافة الإسلامية التي تستقرئ الحضور في الغياب والعكس بالعكس، في نص الرواية العديد من المحطات المهمة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: استحضار الأدوار المهمة للكائنات المختلفة، ومثالها الكلب "عنتر" الذي يُباشر دوره اليومي بوصفِهِ حَامي حِمَى دواجن المنزل من هجمات الثعالب المنتشرة في البراري القريبة. كما يستحضر المؤلف لمحات وامضة من الآداب التدوينية ذات الصلة بالآداب الماورائية، دونما تردد في توظيف نصوص دالة، والاستغوار فيها، وخاصة النصوص القرآنية والأدعية والأوراد الصوفية والطلمسات، مع إمعان في السرد الواقعي بالتوازي مع المتغيرات التي شملت الريف المصري بعد انعطافة يوليو لعام 1952، وما اتصل بها من قوانين جديد للملكية، وانعكاساتها المؤكدة على العلاقة بين الأرض والإنسان. يقرن السارد طمأنينة الماضي التاريخي في أرض الزراعة الممتدة على ضفاف النيل، إلى سيادة الاسترخاء في أحضان الأصول الموروثة من تواريخ الإسلام السُنِّي الأشعري المُتصوف، ولكن دون مباشرة في الخطاب. كما يرى في المُتغيرات التي تلت سقوط النظام الملكي ضرورة موضوعية نابعة من التحولات الجبرية في التاريخ الإنساني التي طالما وقف عندها علماء التاريخ الكبار، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: ابن خلدون وجوستاف لوبون وكارل ماركس. يقدم لنا الروائي خليل الجيزاوي سيرة ذاتية مُتناغمة مع نص روائي بوليفوني مُتعدد الأصوات، فيما يُعيدُ إلى الأذهان تلك المحطات السردية العربية المُعاصرة التي طالما اتصلت بالريف والمدينة، وفي المقدمة منها نصوص محمد عبدالحليم عبدالله الريفية، ونصوص نجيب محفوظ المدينية، ولا أزعم هنا أن ما سطَّره الجيزاوي إحياء نمطي لتلك النصوص الباذخة، بل هو مزيد من الحفر الباحث عن مكنونات العلاقة بين الريف والمدينة، واتصالاً بذلك العلاقة بين الأنا الساردة والوسط المحيط ". ومن بين أبرز ما قيل عن الرواية أيضا، ما كتبه الدكتور تامر عبدالعزيز أستاذ الأدب والنقد المساعد بكلية دار العلوم جامعة المنيا، حيث قال:"تتخذُ الرواية من أسطورة (البومة السوداء) بنية نصية، وبنية دلالية تلقي فيها تلك الأسطورة بظلالها على المحيط العائلي الذي تنهلُ منه الرواية مادتها الحكائية، في شكل يكرس لسيرة جمعية لا ذاتية، من خلال الرغبة الذاتية في تحقيق وصية الجدة (عز/ شهرزاد التي تعودُ للحكي من جديد) ". وأضاف بقوله: "ولكن في نَصٍ مُعاصر لا تختلف عجائبه كثيرًا عن عجائب مخلوقات ألف ليلة وليلة، وعالم شهرزاد الحكائي، فنواة الحكي تجربة ذاتية في الأساس، باعتماد السرد على حكايات الجدة التي تتفرع عنها حكايات متصلة بتيمة أساسية، يعيد السرد طرحها بشكل تراجيدي، تبلغُ فيه المأساة حد البكاء والنحيب إثر (فقد الأحبة) واحدًا بعد الآخر، فتعيد نسج حكاياتهم الخاصة، من خلال اتكاء السرد على الجداريات التي تتابع في السرد". واردف "تصبح صور المعلقات على الحائط صورًا نابضة بالحركة والحياة، تقوم الذات السارد بتقسيم الجداريات إلى محطات عمرية متلاحقة، تشكل كل جدارية منها (الصورة الملتصقة بالحائط) محطة عمرية تتصل بمواقف أبطالُها هم أصحاب هذه الجداريات، ومع تواتر تلك الجداريات وحكاياتاتها المغرِية في جانبيها الواقعي والفانتازي يداعبنا النص بطيف من حنين يؤزّ الفؤاد، حين تمس وترًا يعانق شغاف القلوب". وتابع قائلا "إذ تُطل علينا بين صفحاتها وجوهًا نألفها ونحبها، وتُحرك فينا وجع الغياب والبعاد، مع فقد أصحاب هذه الجداريات، حتى يفقد المروي عليه في هذا السرد السارد الأصلي، وتصبخ لديه مهمة سرد تلك الحكايات، وتنفيذ الوصية، ليصيرَ المروي عليه راويًا، بل روائيًا يقيم صلب المادة الحكائية الأثيرة، ويعيد إنتاجها في نصٍ يَكْسِرُ أفق توقع القارئ، حين تنأى رغبة البوح والكتابة عن تسجيل الاعترافات أو تجميل الحقيقة، لأن الذات هنا لا تسجل بطولة ذاتية، وإنما تتوارى مرة أخرى، لتعيدَ للماضي حقه الإنساني، وتقدم بطولة جمعية في زمنٍ يحتاجُ إليها. يُذكر أن الروائي خليل الجيزاوي، عضو مجلس إدارة النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر، ونادي القصة بالقاهرة، ودار الأدباء، وأتيلييه القاهرة، أصدر سبع روايات: يوميات مدرس البنات، مكتبة مدبولي 2000، أحلام العايشة، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2003، الألاضيش، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2004، مواقيت الصمت، الدار العربية بيروت ومكتبة مدبولي بالقاهرة 2007، سيرة بني صالح، دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة الإمارات 2015، أيام بغداد، مؤسسة دار المعارف للنشر والتوزيع بالقاهرة 2019، رواية خالتي بهية، الهيئة المصرية العامة للكتاب يوليو 2021. كما له ثلاث مجموعات قصصية: نشيد الخلاص، هيئة قصور الثقافة بالقاهرة 2001، أولاد الأفاعي، الكتاب الفضي، نادي القصة بالقاهرة 2004، حبل الوداد، سلسلة أصوات أدبية، الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة 2010، وكتابان في النقد الأدبي: مسرح المواجهة، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2004، يوسف الشارونى.. عمر من ورق، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2009. وصدر عنه كتابان نقديان: خليل الجيزاوي وعالمه الروائي، للناقد إبراهيم حمزة، دار سندباد للنشر والتوزيع بالقاهرة 2011، سيميولوجيا الخطاب السردي عند الروائي خليل الجيزاوي، للباحثة الجزائرية راضية شقروش، دار سندباد للنشر بالقاهرة 2014. وقد شارك الجيزاوي بالكثير من المؤتمرات الأدبية بالمجلس الأعلى للثقافة ونقابة اتحاد كتاب مصر، ومَثّلَ مصر بالعديد من المؤتمرات العربية مثل: مهرجان العجيلي للإبداع الروائي في مدينة الرِقّةِ السوريّة 2010، وملتقى الشارقة للسرد العربي بالإمارات 2015. وحصل على العديد من الجوائز الأدبية مثل: جائزتي نادي القصة بالقاهرة في القصة القصيرة والرواية عام 1988، وجائزة محمود تيمور في القصة القصيرة من المجلس الأعلى للثقافة 2002، والجائزة الأولى في مسابقة إحسان عبد القدوس عن رواية أيام بغداد عام 2019، وله تحت الطبع: رواية أولاد عطية غطاس.
مشاركة :