ماذا فعلت وسائل التواصل الاجتماعي بحياتنا؟

  • 9/26/2021
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لمجرد‭ ‬أن‭ ‬تبادلنا‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬الصباح،‭ ‬بمفردات‭ ‬اللهجة‭ ‬العراقية‭ ‬‮«‬أشلون‭ ‬أحوالك،‭ ‬شاكو‭ ‬ماكو،‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭ ‬بخير،‭ ‬وين‭ ‬ما‭ ‬وين‮»‬‭ ‬حتى‭ ‬انفجر‭ ‬غضبا،‭ ‬وردة‭ ‬فعله،‭ ‬تتدفق‭ ‬بسخرية‭ ‬حادة،‭ ‬أسعفت‭ ‬نفسي‭ ‬بالهدوء‭ ‬وقتا‭ ‬ليس‭ ‬قليلا،‭ ‬قبل‭ ‬رد‭ ‬السؤال‭ ‬له،‭ ‬خير‭ ‬لماذا‭ ‬هذا‭ ‬الإنزعاج،‭ ‬هل‭ ‬من‭ ‬أمر‭ ‬مزعج‭ ‬حصل‭ ‬لك؟‭ ‬ جاءني‭ ‬رده،‭ ‬دمرونا‭ ‬يا‭ ‬أخي،‭ ‬والله‭ ‬دمرونا،‭ ‬قتلونا،‭ ‬ونحن‭ ‬نعيش‭ ‬النفس‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬حياتنا،‭ ‬ألا‭ ‬تنصحوهم،‭ ‬ألا‭ ‬تكتبوا‭ ‬عنهم،‭ ‬ألا‭ ‬تثقفوهم،‭ ‬ألا‭ ‬تناقشوهم،‭ ‬ألا‭ ‬ترسموا‭ ‬لهم‭ ‬وعيا‭ ‬إيجابيا‭ ‬بالإعلام؟ غريب‭ ‬أمر‭ ‬هذا‭ ‬الإنسان‭ ‬الهاديء‭ ‬الرائع‭ ‬الودود،‭ ‬أن‭ ‬أجده‭ ‬بهذا‭ ‬الانفعال،‭ ‬وهذه‭ ‬السخرية‭ ‬والعصبية،‭ ‬وقت‭ ‬يشغله‭ ‬كلاما‭ ‬بأعنف‭ ‬درجات‭ ‬العصبية،‭ ‬بينما‭ ‬لا‭ ‬أملك‭ ‬من‭ ‬نصيبي‭ ‬سوى‭ ‬الاستماع‭ ‬إلى‭ ‬ضجيج‭ ‬لم‭ ‬أعهده‭ ‬من‭ ‬صديقي‭ ‬سابقا؟ سرقت‭ ‬منه‭ ‬وقتا‭ ‬ثمينا،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬منحته‭ ‬وقتا‭ ‬أفرغ‭ ‬ما‭ ‬بداخله‭ ‬من‭ ‬ثورة‭ ‬نفسية،‭ ‬ومعركة‭ ‬كلام‭ ‬تعكس‭ ‬مديات‭ ‬تلك‭ ‬الكتلة‭ ‬من‭ ‬الغضب،‭ ‬صديقي‭ ‬الغاضب‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬ينتصر‭ ‬على‭ ‬خصم‭ ‬له،‭ ‬بينما‭ ‬انتصار‭ ‬الغاضب‭ ‬لا‭ ‬يعد‭ ‬سوى‭ ‬صناعة‭ ‬فوضى،‭ ‬وقتل‭ ‬خلايا‭ ‬بجسمه،‭ ‬ورد‭ ‬فعل‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تركته‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ ‬سلوكيات‭ ‬وأفعال‭ ‬الآخرين،‭ ‬كلمته‭: ‬اهدأ‭ ‬يا‭ ‬عزيزي،‭ ‬من‭ ‬الذي‭ ‬أزعجك،‭ ‬‮«‬تطمن‮»‬‭ ‬سأقف‭ ‬بجانبك،‭ ‬ولن‭ ‬أتخلى‭ ‬عنك،‭ ‬وأعرف‭ ‬أنك‭ ‬لا‭ ‬تحب‭ ‬الأذى،‭ ‬ولا‭ ‬ضجيج‭ ‬الكلام‭ ‬واللغو،‭ ‬إن‭ ‬الفوضى‭ ‬ليست‭ ‬عنوان‭ ‬شخصيتك،‭ ‬هنا‭ ‬نظر‭ ‬إلي‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬التعقل‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يفتقده‭ ‬فخاطبني‭ (‬الناشرون‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬الفيسبوك‭) ‬في‭ ‬كل‭ ‬صباح‭ ‬يحفر‭ ‬بعضهم‭ ‬لنا‭ ‬قبورا‭ ‬في‭ ‬المقابر،‭ ‬وبعض‭ ‬آخر‭ ‬منهم‭ ‬يحجزون‭ ‬سريرا‭ ‬في‭ ‬المستشفيات،‭ ‬وبعض‭ ‬آخر‭ ‬يجعلنا‭ ‬نرقد‭ ‬في‭ ‬منازلنا‭ ‬عندما‭ ‬لا‭ ‬تتوافر‭ ‬الأموال‭ ‬والذهاب‭ ‬إلى‭ ‬المستشفيات،‭ ‬إنهم‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬يقتلون‭ ‬في‭ ‬داخلنا‭ ‬أملا‭ ‬كاد‭ ‬الأضعف،‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬كورونا‭ ‬والأزمات‭ ‬والمصائب‭ ‬والابتلاءات‭. ‬ واستمحني‭ ‬عذرا‭ ‬لسماع‭ ‬قصته،‭ ‬نعم‭ ‬ينشرون‭ ‬أخبار‭ ‬الوفيات،‭ ‬نعزيهم،‭ ‬نواسيهم،‭ ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬حقهم‭ ‬أن‭ ‬يعيدوا‭ ‬نشر‭ ‬أحزانهم‭ ‬على‭ ‬أموات‭ ‬من‭ ‬عائلاتهم‭ ‬مضى‭ ‬على‭ ‬وفاتهم،‭ ‬شهور‭ ‬وسنون‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬عقود،‭ ‬فتلك‭ ‬تجاوزات‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬الأصدقاء‭ ‬المتلقين،‭ ‬لماذا‭ ‬الأحزان،‭ ‬ولماذا‭ ‬تكرارها‭ ‬علينا؟‭ ‬هل‭ ‬الحياة‭ ‬قصة‭ ‬حزن‭ ‬أم‭ ‬هي‭ ‬قصص‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬والخيال،‭ ‬من‭ ‬الإبداع‭ ‬والعطاء،‭ ‬من‭ ‬الفرح‭ ‬والحزن،‭ ‬من‭ ‬السعادة‭ ‬والمعاناة؟‭ ‬الحياة‭ ‬يا‭ ‬صديقي‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬أن‭ ‬نبكي،‭ ‬وننبش‭ ‬في‭ ‬صفحات‭ ‬الماضي‭ ‬المؤلم،‭ ‬الحياة‭ ‬حكمة‭ ‬تحتاج‭ ‬فهمها‭ ‬وأخذ‭ ‬العبر‭ ‬المفيدة‭ ‬منها،‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬ننتج‭ ‬أحزانا‭ ‬تتراكم‭ ‬على‭ ‬طبقات‭ ‬الذاكرة،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ندرك،‭ ‬أننا‭ ‬نسهم‭ ‬بجريمة‭ ‬سجن‭ ‬سعادتنا،‭ ‬وتكريس‭ ‬إبداعنا‭ ‬في‭ ‬الأحزان‭ ‬وفقدان‭ ‬الأمل‭.‬ قلت‭ ‬له،‭ ‬أجمل‭ ‬ما‭ ‬أجده‭ ‬فيك،‭ ‬روحك‭ ‬المتطلعة‭ ‬للحياة،‭ ‬ومحاولة‭ ‬صناعتها‭ ‬بشكلها‭ ‬الحقيقي،‭ ‬الهدوء‭ ‬جعلك‭ ‬تتغنى‭ ‬بأنشودة‭ ‬الحياة‭ ‬الجميلة،‭ ‬عندما‭ ‬عاد‭ ‬إليك‭ ‬الهدوء،‭ ‬أشاطرك‭ ‬الرأي،‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬الأصدقاء‭ ‬تمسكوا‭ ‬بالأحزان،‭ ‬وتركوا‭ ‬نعمة‭ ‬السعادة،‭ ‬وينبغي‭ ‬أن‭ ‬ننظر‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬بعين‭ ‬الأمل‭ ‬للتغلب‭ ‬على‭ ‬تعاسة‭ ‬النفس‭ ‬من‭ ‬الأحزان،‭ ‬فاستذكرت‭ ‬رأي،‭ ‬يورجان‭ ‬كلوب‭ ‬المدرب‭ ‬الألماني‭ ‬لفريق‭ ‬ليفربول‭ ‬عندما‭ ‬قال‭: ‬‮«‬الحياة‭ ‬هدية‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نتعامل‭ ‬معها‭ ‬بعناية‭ ‬ونستمتع‭ ‬بها‮»‬‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬أخاطب‭ ‬الأصدقاء‭ ‬والناشطين‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬الفيسبوك‭ ‬وأقول‭ ‬لهم‭: ‬ كفى‭.. ‬لماذا‭ ‬نزيد‭ ‬من‭ ‬صعوبات‭ ‬حياتنا؟‭!‬،‭ ‬ففي‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬يأتينا‭ ‬نبأ‭ ‬وفاة‭ ‬عزيز‭ ‬علينا،‭ ‬ومن‭ ‬الوفاء‭ ‬أن‭ ‬نكتب‭ ‬عنه،‭ ‬ونواسي‭ ‬أنفسنا‭ ‬وأحبتنا،‭ ‬ومن‭ ‬يشاطرنا‭ ‬الأحزان‭ ‬بغيابه،‭ ‬لكنَّ‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬التجاوزات‭ ‬تمارس‭ ‬ضدنا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬وعي،‭ ‬فالإنترنت‭ ‬مثلما‭ ‬قلتها‭ ‬مرارا،‭ ‬هو‭ ‬أرقى‭ ‬ديمقراطية‭ ‬منحها‭ ‬العصر‭ ‬الرقمي‭ ‬للإنسان،‭ ‬تجاوزت‭ ‬الديمقراطية‭ ‬العريقة‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬تتعامل‭ ‬بها،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬عيوبنا،‭ ‬أن‭ ‬نحول‭ ‬هذه‭ ‬النعمة‭ ‬إلى‭ ‬نقمة،‭ ‬وكأننا‭ ‬نحكم‭ ‬على‭ ‬حياتنا،‭ ‬بالنكد‭ ‬والكدر‭ ‬والعقد،‭ ‬ولا‭ ‬نرغب‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬السعادة‭ ‬والأمل‭.‬ يا‭ ‬أيها‭ ‬الأصدقاء،‭ ‬كفوا‭ ‬عن‭ ‬ممارسة‭ ‬نشر‭ ‬أخبار‭ ‬تخص‭ ‬أمواتكم‭ ‬السابقين،‭ ‬وكفوا‭ ‬عن‭ ‬نشر‭ ‬صور‭ ‬أحبتكم‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬الموت‭ ‬والمرض،‭ ‬فإنها‭ ‬إساءات‭ ‬لهم،‭ ‬وليس‭ ‬وفاء،‭ ‬وانشروا‭ ‬حصريا‭ ‬الأخبار‭ ‬الجديدة‭ ‬المفيدة،‭ ‬ويمكنكم‭ ‬الاستعاضة‭ ‬بتكوين‭ ‬جروبات‭ ‬خاصة‭ ‬بالأقارب‭ ‬والأصدقاء،‭ ‬ونشر‭ ‬صور‭ ‬الذين‭ ‬فارقوكم‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬مضى،‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الناشطين‭ ‬الذين‭ ‬يحترمون‭ ‬حقوق‭ ‬القراء‭ ‬على‭ ‬فضاء‭ ‬الفيسبوك‭ ‬وسائر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الأخرى‭. ‬أفعالكم‭ ‬هذه‭ ‬تذكرني‭ ‬بذات‭ ‬الأذى‭ ‬الذي‭ ‬حصل‭ ‬لأبناء‭ ‬حطموا‭ ‬أجهزة‭ ‬السونار‭ ‬والقلب‭ ‬والأشعة‭ ‬وجهاز‭ ‬‮«‬المفراس‮»‬‭ ‬وكل‭ ‬الأجهزة‭ ‬الموجودة‭ ‬بيد‭ ‬الأطباء،‭ ‬لمجرد‭ ‬أن‭ ‬غابت‭ ‬روح‭ ‬والدهم؟‭ ‬هؤلاء‭ ‬حطموا‭ ‬بجهلهم‭ ‬أجهزة‭ ‬ثمينة،‭ ‬إنكم‭ ‬بهذا‭ ‬الجهل‭ ‬تقتلون‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬لحظة‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭.‬ عذرا‭ ‬يا‭ ‬صديقي‭ ‬الغاضب‭ ‬اهدأ،‭ ‬رسالتك‭ ‬وجهتها‭ ‬إلى‭ ‬الناشطين‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬حقوق‭ ‬الآخرين‭ ‬عندما‭ ‬يكتبون‭ ‬وينشرون،‭ ‬وأجدد‭ ‬دعوتي‭ ‬إلى‭ ‬وزارات‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬العالي‭ ‬بإدراج‭ ‬مادة‭ ‬‮«‬التربية‭ ‬الإعلامية‭ ‬الرقمية‮»‬‭ ‬في‭ ‬المناهج‭ ‬الدراسية،‭ ‬لسبب‭ ‬بسيط،‭ ‬أن‭ ‬الإعلام‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬نصا‭ ‬ينتجه‭ ‬الإعلامي‭ ‬فحسب‭.‬ { كاتب‭ ‬وإعلامي‭ ‬عراقي Faidel‭.‬albadrani@gmail‭.‬com

مشاركة :