لمجرد أن تبادلنا السلام في الصباح، بمفردات اللهجة العراقية «أشلون أحوالك، شاكو ماكو، إن شاء الله بخير، وين ما وين» حتى انفجر غضبا، وردة فعله، تتدفق بسخرية حادة، أسعفت نفسي بالهدوء وقتا ليس قليلا، قبل رد السؤال له، خير لماذا هذا الإنزعاج، هل من أمر مزعج حصل لك؟ جاءني رده، دمرونا يا أخي، والله دمرونا، قتلونا، ونحن نعيش النفس الأخير من حياتنا، ألا تنصحوهم، ألا تكتبوا عنهم، ألا تثقفوهم، ألا تناقشوهم، ألا ترسموا لهم وعيا إيجابيا بالإعلام؟ غريب أمر هذا الإنسان الهاديء الرائع الودود، أن أجده بهذا الانفعال، وهذه السخرية والعصبية، وقت يشغله كلاما بأعنف درجات العصبية، بينما لا أملك من نصيبي سوى الاستماع إلى ضجيج لم أعهده من صديقي سابقا؟ سرقت منه وقتا ثمينا، بعد أن منحته وقتا أفرغ ما بداخله من ثورة نفسية، ومعركة كلام تعكس مديات تلك الكتلة من الغضب، صديقي الغاضب يحاول أن ينتصر على خصم له، بينما انتصار الغاضب لا يعد سوى صناعة فوضى، وقتل خلايا بجسمه، ورد فعل على ما تركته في نفسه سلوكيات وأفعال الآخرين، كلمته: اهدأ يا عزيزي، من الذي أزعجك، «تطمن» سأقف بجانبك، ولن أتخلى عنك، وأعرف أنك لا تحب الأذى، ولا ضجيج الكلام واللغو، إن الفوضى ليست عنوان شخصيتك، هنا نظر إلي بشيء من التعقل الذي كان يفتقده فخاطبني (الناشرون على صفحات الفيسبوك) في كل صباح يحفر بعضهم لنا قبورا في المقابر، وبعض آخر منهم يحجزون سريرا في المستشفيات، وبعض آخر يجعلنا نرقد في منازلنا عندما لا تتوافر الأموال والذهاب إلى المستشفيات، إنهم في حقيقة الأمر يقتلون في داخلنا أملا كاد الأضعف، في زمن كورونا والأزمات والمصائب والابتلاءات. واستمحني عذرا لسماع قصته، نعم ينشرون أخبار الوفيات، نعزيهم، نواسيهم، لكن ليس من حقهم أن يعيدوا نشر أحزانهم على أموات من عائلاتهم مضى على وفاتهم، شهور وسنون بل وحتى عقود، فتلك تجاوزات على حقوق الأصدقاء المتلقين، لماذا الأحزان، ولماذا تكرارها علينا؟ هل الحياة قصة حزن أم هي قصص من الواقع والخيال، من الإبداع والعطاء، من الفرح والحزن، من السعادة والمعاناة؟ الحياة يا صديقي لا تعني أن نبكي، وننبش في صفحات الماضي المؤلم، الحياة حكمة تحتاج فهمها وأخذ العبر المفيدة منها، لا أن ننتج أحزانا تتراكم على طبقات الذاكرة، ومن دون أن ندرك، أننا نسهم بجريمة سجن سعادتنا، وتكريس إبداعنا في الأحزان وفقدان الأمل. قلت له، أجمل ما أجده فيك، روحك المتطلعة للحياة، ومحاولة صناعتها بشكلها الحقيقي، الهدوء جعلك تتغنى بأنشودة الحياة الجميلة، عندما عاد إليك الهدوء، أشاطرك الرأي، إن بعض الأصدقاء تمسكوا بالأحزان، وتركوا نعمة السعادة، وينبغي أن ننظر إلى الحياة بعين الأمل للتغلب على تعاسة النفس من الأحزان، فاستذكرت رأي، يورجان كلوب المدرب الألماني لفريق ليفربول عندما قال: «الحياة هدية علينا أن نتعامل معها بعناية ونستمتع بها» ومن هنا أخاطب الأصدقاء والناشطين على صفحات الفيسبوك وأقول لهم: كفى.. لماذا نزيد من صعوبات حياتنا؟!، ففي كل يوم يأتينا نبأ وفاة عزيز علينا، ومن الوفاء أن نكتب عنه، ونواسي أنفسنا وأحبتنا، ومن يشاطرنا الأحزان بغيابه، لكنَّ كثيرا من التجاوزات تمارس ضدنا من دون وعي، فالإنترنت مثلما قلتها مرارا، هو أرقى ديمقراطية منحها العصر الرقمي للإنسان، تجاوزت الديمقراطية العريقة في البلدان التي تتعامل بها، لكن من عيوبنا، أن نحول هذه النعمة إلى نقمة، وكأننا نحكم على حياتنا، بالنكد والكدر والعقد، ولا نرغب العيش في فضاء السعادة والأمل. يا أيها الأصدقاء، كفوا عن ممارسة نشر أخبار تخص أمواتكم السابقين، وكفوا عن نشر صور أحبتكم في لحظات الموت والمرض، فإنها إساءات لهم، وليس وفاء، وانشروا حصريا الأخبار الجديدة المفيدة، ويمكنكم الاستعاضة بتكوين جروبات خاصة بالأقارب والأصدقاء، ونشر صور الذين فارقوكم في زمن مضى، كما يفعل كثير من الناشطين الذين يحترمون حقوق القراء على فضاء الفيسبوك وسائر وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى. أفعالكم هذه تذكرني بذات الأذى الذي حصل لأبناء حطموا أجهزة السونار والقلب والأشعة وجهاز «المفراس» وكل الأجهزة الموجودة بيد الأطباء، لمجرد أن غابت روح والدهم؟ هؤلاء حطموا بجهلهم أجهزة ثمينة، إنكم بهذا الجهل تقتلون في كل لحظة حياة الناس. عذرا يا صديقي الغاضب اهدأ، رسالتك وجهتها إلى الناشطين الذين لا يعرفون حقوق الآخرين عندما يكتبون وينشرون، وأجدد دعوتي إلى وزارات التربية والتعليم العالي بإدراج مادة «التربية الإعلامية الرقمية» في المناهج الدراسية، لسبب بسيط، أن الإعلام لم يعد نصا ينتجه الإعلامي فحسب. { كاتب وإعلامي عراقي Faidel.albadrani@gmail.com
مشاركة :