القطيعة بين الجزائر والمغرب مصدر انشغال جدي في المغرب العربي | أسامة رمضاني

  • 9/26/2021
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

عندما وجه أكثر من مئة مثقف من المغرب العربي مؤخرا “نداء إلى التعقل” لكل من الجزائر والمغرب بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما فقد كان نداؤهم انعكاسا للقلق المتزايد في المنطقة منذ قررت الجزائر قطع علاقاتها مع الرباط. وإن كان أغلبية الخبراء لا يرون خطر مواجهة عسكرية في الأفق فإنهم يخشون من الانعكاسات السلبية لتدهور العلاقات بين الجزائر والمملكة المغربية. فالقطيعة لن تضر فقط بمصالح البلدين المتنازعين، بل من المحتمل أن تكون لها ارتدادات على كامل شمال أفريقيا حيث تواجه البلدان خطر عدم الاستقرار وتخوض معركة من أجل الإصلاح الاقتصادي ومواجهة تنامي التطرف. وفي المحيط الجغرافي الأوسع قد تعرقل القطيعة بين أكبر بلدين في المغرب العربي التعاون مع الغرب وأفريقيا وفي مجال مقاومة موجات الهجرة غير الشرعية عبر المتوسط إلى أوروبا. على مدى السنين، أظهر قطع العلاقات تصعيدا مستمرا إزاء القضايا الخلافية دون التوصل إلى حلول سريعة. دب الخلاف حول الحدود بين البلدين منذ 1963 مباشرة بعد استقلال الجزائر عن فرنسا وتسببت حرب الرمال وقتها في مئات من القتلى. ومنذ ذلك الحين، تواصلت الأزمات الحادة دون توقف. وإذ حصلت أول قطيعة دبلوماسية سنة 1976 فإن استئناف العلاقات لم يتم قبل 12 عاما. ولا أحد يعرف اليوم كم ستدوم القطيعة الدبلوماسية الجديدة أو متى سيعاد فتح الحدود بين البلدين التي أغلقتها الجزائر سنة 1994. الجزائر واجهت خلال السنوات الأخيرة بشكل أكبر من المغرب حالة من عدم الاستقرار السياسي خاصة خلال السنوات الأخيرة من حكم بوتفليقة وتبقى أعوص مشكلة خلافية هي النزاع المتواصل منذ حوالي 46 عاما حول قضية الصحراء. هذا النزاع يضع المغرب الذي يعتبر الأراضي الشاسعة للمستعمرة الإسبانية السابقة جزءا من سيادته الترابية في مواجهة مع جبهة البوليساريو المدعومة من قبل الجزائر والتي تنادي بإقامة دولة مستقلة على نفس الأرض المتنازع عليها. وزاد النزاع توترا في الفترة الأخيرة بعدما أعلنت جبهة البوليساريو السنة الماضية أنها في حل من اتفاقية وقف إطلاق النار التي تم التوصل إليها بعد مفاوضات برعاية أممية. وأخذ الخلاف منعرجا جديدا بعد اعتراف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسيادة المغرب على الصحراء. ولم تستسغ الجزائر القرار الأميركي خاصة وأنه كان مقرونا باتفاق لتطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل. وزاد في إزعاج الجزائر أن إدارة جو بايدن، بعكس بعض التوقعات لم تتراجع عن قرار الاعتراف الذي اتخذته إدارة الجمهوريين. واعتبرت الجزائر العلاقات الناشئة بين المغرب وإسرائيل تهديدا لها ووجدت ذخيرة إضافية لتعزيز موقفها في تصريحات وزير خارجية إسرائيل يائير لابيد خلال زيارة أداها إلى المغرب في أغسطس الماضي وأعرب فيها عن انشغاله “للتقارب المتزايد” بين الجزائر وإيران. ودفعت الحرائق التي اجتاحت مناطق جبلية في الجزائر الصيف الماضي إلى انهيار العلاقات بين البلدين بعدما اتهمت السلطات الجزائرية حركة انفصالية في منطقة القبائل بالتورط في الحرائق بمساعدة المغرب، وإن كانت الجزائر لم تقدم أي دليل على ذلك. ولكن هناك جذورا أعمق للخلافات بين البلدين حتى بدون الأحداث الأخيرة، فالمنافسة الشرسة بين البلدين من أجل النفوذ في شمال أفريقيا لم تتوقف أبدا ولم تبد أي من الدولتين استعدادا للقبول بسيطرة البلد الآخر. علاوة على ذلك فصلت بين البلدين رؤى متنافرة وتحالفات متباينة إضافة إلى الاستفزازات المتبادلة. ومنذ الاستقلال اختارت كل بلاد تحالفات ومعسكرات مختلفة. وإذ تقيم الجزائر اليوم علاقات طيبة مع أوروبا والولايات المتحدة على أساس المصالح المشتركة في الأمن والطاقة فإنها تحافظ على وشائج استراتيجية مع روسيا. وهي وإن تشترك في الرؤى مع تركيا وقطر تجاه عدة مسائل إقليمية مثل الأزمة الليبية فإن المغرب ذا العلاقات الراسخة مع الغرب منذ الاستقلال قد اقترب في تعاونه بشكل أكبر مع السعودية والإمارات. وعلى صعيد آخر فإن الجزائر واجهت خلال السنوات الأخيرة بشكل أكبر من المغرب حالة من عدم الاستقرار السياسي خاصة خلال السنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق الراحل عبدالعزيز بوتفليقة الذي حكم البلاد مدة عقدين إلى حين تمت إزاحته من السلطة سنة 2019 تحت ضغط الحراك الشعبي. وقد أدت تلك الفترة من حكم بوتفليقة، الذي توفي في أواخر الأسبوع الماضي، إلى إنهاك الجزائر داخليا وإضعاف موقفها إقليميا في نفس الوقت الذي حقق فيه المغرب أكثر من خرق دبلوماسي بعد أن التحق مجددا بصفوف الاتحاد الأفريقي سنة 2017 وكثف من تحركه تعزيزا لمصالحه على الساحة الأفريقية. وأصبح المغرب أكبر مستثمر في أفريقيا الغربية وثاني مستثمر في كامل القارة. وليس مفاجئا إن كان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون يدعو منذ ارتقائه إلى سدة السلطة إلى “عودة الجزائر” إلى الساحة. وكنتيجة للتوترات الجزائرية المغربية المستمرة فقد هوى حلم الاندماج المغاربي. ومنذ الإمضاء على اتفاقية مراكش التي أنشئ بمقتضاها اتحاد المغرب العربي ابتعدت آفاق الوحدة المغاربية أكثر من أي وقت مضى. ولا يزال المغرب العربي أقل مناطق العالم اندماجا من الناحية الاقتصادية، إذ لا تتجاوز نسبة التبادل التجاري بين بلدانه 3 في المئة. ولم يعقد الاتحاد ولو اجتماعا وزاريا واحدا منذ 2017. وقد زاد التصعيد في الخلاف الجزائري – المغربي في الانطباع السائد بعدم الاستقرار في منطقة المغرب العربي حيث تواجه تونس وليبيا أزمتين داخليتين عميقتين. الاتحاد لم يعقد ولو اجتماعا وزاريا واحدا منذ 2017 ويخشى البعض في أوروبا من أن يؤدي التصعيد في التوتر بين الجزائر والمغرب إلى تعطيل التعاون المتوسطي حول قضايا حيوية مثل الإرهاب والطاقة والهجرة غير الشرعية. وقد امتدت بعد تداعيات الخلاف بين البلدين إلى أوروبا بعد أن لمحت الجزائر إلى احتمال وقف صادرات الغاز عبر الأنبوب الرابط بين الجزائر وإسبانيا مرورا بالتراب المغربي. وهي تسعى للتعويض ولو جزئيا عن النقص المحتمل في صادرات الغاز الذي قد ينتج عن ذلك عبر أنبوب “مادغاز” الذي يربط الجزائر بإسبانيا. من ناحية أخرى يشعر الأوروبيون بالقلق بخصوص إمكانية زعزعة الاستقرار الإقليمي نتيجة الوضع الأمني المتدهور في منطقة الساحل والصحراء وتصاعد التهديد الإرهابي الذي يتزامن مع مؤشرات عن نية فرنسا التخفيض من وجودها العسكري هناك. إضافة إلى ذلك، تجد بلدان غرب أفريقيا نفسها في موقف غير مريح إذ تواجه صعوبة في الحفاظ على شكل من أشكال الحياد في الخلاف بين البلدين. وليس من الأكيد إن كانت أوروبا قادرة أو راغبة في المساعدة على التخفيض من حدة التوتر بين الجزائر والمغرب. وأصبحت محاولات الوساطة غير محتملة بعد تصريح وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة بأن قرار قطع العلاقات مع المغرب قرار سيادي لا رجعة فيه. وتشكل المصاريف العسكرية بالنسبة إلى البلدين عبئا كبيرا اعتبارا لتبعات نزاع الصحراء وحالة انعدام الثقة السائدة بشكل عام. في الأثناء، لن يستطيع المغرب العربي تحقيق انطلاقة حقيقية ما لم يتوصل أكبر بلدين في المنطقة إلى شكل من أشكال التوافق يجعلهما ينأيان بنفسيهما عن المعادلة الاستراتيجية التي تجعل أي إنجاز يحققه أحدهما بمثابة الخسارة للآخر.

مشاركة :