كان طبيعياً حجم الغضب والاستياء اللذين انتابا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد إعلان أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة عن إنشاء تحالف «أوكوس» العسكري، وإلغاء عقد فرنسي مع أستراليا لبناء 12 غواصة تعمل بالديزل والكهرباء، الأمر الذي وصفه مراقبون بأنه «صفعة» في وجه الحليف الفرنسي، وضربة للتماسك داخل حلف الناتو، لدرجة أن باريس استدعت سفيريها من واشنطن وكانبيرا- لأول مرة في تاريخ العلاقات الدبلوماسية مع البلدين- فضلاً عن التصريحات القاسية من باريس، والتي ذهبت ببعض الساسة الفرنسيين للحديث بصوت عالٍ عن العودة إلى سياسة ديغول، والخروج مجدداً من منظمة حلف شمال الأطلسي (عادت فرنسا إليها عام 2009 بعد غياب دام 43 عاماً)، بيد أن الأضرار التي وقعت على فرنسا جراء تشكيل الحلف الأنجلو سكسوني الجديد، وتمثلت بخسارتها لـ 66 مليار دولار، وفق ما يرى مراقبون، تبدو «جانبية»، وتتضاءل أهميتها مقارنة بالخسارة، التي ستلحق بأمن منطقة آسيا والمحيط الهادئ، بسبب إنشاء الحلف الجديد، الموجّه في المقام الأول ضد الصين. ويرى الخبير الروسي في العلاقات الدولية، سيرغي مانوكوف، أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يواصل نهج سلفه دونالد ترامب، في دفع العلاقات مع الصين نحو التصادم. تحدٍ جديد ويشير الخبير الروسي إلى أنه على الرغم من أن واشنطن، لم تعلن صراحة بأن اتجاه الاتفاقية الجديدة موجه ضد بكين، إلا أن دعوة السفارة الصينية في الولايات المتحدة للإدارة الأمريكية، والدول الغربية الأخرى إلى التخلي عن عقلية الحرب الباردة والإسقاطات الأيديولوجية، دليل واضح على أن التنين الصيني أصبح أمام تحد جديد، لا سيما مع دخول أستراليا على خط المواجهة مع الصين، المنزعجة أصلاً وبشدة، من دعوة رئيس الحكومة الأسترالية لإجراء تحقيق دولي في تفشي فيروس «كورونا» في ووهان الصينية، قبل أن ترد السلطات الصينية بفرض قائمة من العقوبات على الاستيراد والتعرفات الجمركية على السلع والمواد الخام الأسترالية. ويتابع: إنه بالتزامن مع التطلعات الجيوسياسية للولايات المتحدة، سيتفاعل الأسطول الأسترالي بشكل كامل مع الأسطول الأمريكي في المحيط الهادئ. ويقارن مانوكوف ظهور غواصات نووية يصعب اكتشافها بالقرب من سواحل الصين، بنشر الولايات المتحدة في ثمانينيات القرن الماضي صواريخ متوسطة المدى في أوروبا لمواجهة الاتحاد السوفييتي، والتي أدت على الفور لتدهور حاد في العلاقات مع موسكو- ما أدى بعد ذلك إلى مفاوضات وإبرام معاهدة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، التي انسحب منها ترامب، بشكل أحادي عام 2019. ووفق مانوكوف، سيحمل إنشاء تحالف «أوكوس» مفعولاً عكسياً على الوحدة داخل الناتو، إذ إن فرنسا، والاتحاد الأوروبي لن يسهما في تدهور علاقات باريس وبروكسل مع بكين، ولن يكونا مضطرين لاتخاذ خيار مؤلم بين التجارة مع الصين، أو المشاركة في مواجهة عسكرية سياسية معها. تحديات جيوسياسية وأردف: «ليس هناك شك في أن ظهور تحالف عسكري سياسي جديد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ سيؤدي حتماً إلى تكثيف سباق تسلح جديد هناك، مع الأخذ في الاعتبار بأن الشرق الأقصى الروسي البالغ الأهمية استراتيجياً، سيثير الحاجة إلى إعادة تقييم التحالفات الناشئة بالقرب من الحدود الشرقية لروسيا، كونه جزءاً أساسياً من التحدي الجيوسياسي الشامل لها، والذي- في المحصلة، قد يؤدي إلى مواجهة صينية- أطلسية، ستفرض تقارباً حيوياً أكبر بين بكين وموسكو». تابعوا أخبار العالم من البيان عبر غوغل نيوز طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :