أقر مسؤولون أمنيون في السودان، الأحد، بضرورة التوصل إلى حل نهائي يعالج جذور مشكلة شرق البلاد، وفق مقاربة شاملة تخاطب مخاوف ومشاغل جميع الأطراف. وتواجه زيارة الوفد الحكومي إلى شرق السودان، الأحد، ويرأسه الفريق أول شمس الدين الكباشي عضو المجلس السيادي ويضم وزراء الخارجية والداخلية والطاقة والنقل ورئيس مفوضية السلام، مفخخات عديدة تجعل هناك صعوبة بالغة في الوصول إلى حل يمنع تحويل الشرق إلى بؤرة توتر شبيهة لما حدث في الغرب والجنوب. وعلى مدار عامين لم تتوقف الأزمات في شرق السودان من دون أفق لحلها بشكل نهائي، واكتفت السلطة الانتقالية بالوعود والمسكنات وغابت قدرتها على الحسم وهو ما حوّل الإقليم الذي يشكل أهمية كبيرة لقنبلة موقوتة في وجه مرحلة تتعرض لصعوبات جمة بعد أن تراكمت المشكلات في مجالات مختلفة. حيدر إبراهيم علي: من أجل حل أزمات الهامش لا بد من إحلال الحكم المحلي وأفرزت الاحتجاجات التي نظمتها قوى متعارضة في الانتماءات القبلية والتوجهات السياسية الأيام الماضية على أن هناك بوادر لاندلاع حرب أهلية جديدة ما لم تكن هناك حلول مرضية لجميع الأطراف، وأن حالة التجاهل التي توليها السلطة المركزية للإقليم وتفرغ قوى مدنية وعسكرية للصراع الدائر بين المكونين العسكري والمدني من المسائل التي سوف تكون نتائجها وخيمة على الجميع. وعقد الكباشي اجتماعاً مع اللجنة الأمنية التابعة لولاية البحر الأحمر، ومن المقرر أن يعقد اجتماعاً آخر خلال زيارته التي تستمر ليومين مع المجلس الأعلى لنظارات البجا بقيادة محمد الأمين ترك لإنهاء إغلاق الشرق والوصول إلى حل لقضية الإقليم. وتعد هذه الزيارة الثانية التي يقوم بها وفد حكومي إلى شرق السودان منذ إغلاق المجلس الأعلى لنظارات البجا شرق السودان قبل عشرة أيام وقطع الطريق القومي الواصل بين ميناء السودان الرئيس في مدينة بورتسودان والخرطوم، كما شمل الإغلاق مرافق قومية أخرى مثل ميناء بورتسودان ومينائي النفط بشاير 1 و 2 إلى جانب ميناء سواكن، ومطار مدينة بورتسودان. ومن أبرز مطالب المحتجين إلغاء مسار شرق السودان المبرم في اتفاقية جوبا للسلام، وحل لجنة تفكيك الإخوان التي تحظى بسند شعبي ورسمي كبير، وحل الحكومة الحالية وتشكيل مجلس عسكري يدير البلاد لفترة انتقالية محدودة تعقبها انتخابات حرة. وأوضح المحلل السوداني حيدر إبراهيم علي، أن الحكومة إذا أرادت حل أزمات الهامش فإنها بحاجة لتصفية الإدارات الأهلية المتحكمة في تحريك المواطنين وإحلال نظام الحكم المحلي الحديثة وتتجه نحو علاج جذور الأزمة بدلاً من اكتفائها بالاهتمام بالمظاهر التي قادت إلى إشعال الأوضاع في الشرق. وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الأوضاع في شرق السودان قابلة للحل لأن هناك معارضين كثر لنظارات البجا التي تقود الاحتجاجات، ويستخدم الأمين ترك ناظر القبيلة فشله على مدار سنوات لتصدير الأزمات للحكومة بينما قبيلته لم تقدم نجاحات تذكر للمواطنين. ويؤدي عدم وجود رؤية وطنية متفق عليها بين جميع الأطراف للحل إلى إتاحة الفرصة لاستقطاب مكونات شرق السودان لأطراف السلطة المتناحرة، وبالتالي فالصراع السياسي ينعكس مباشرة على هدوء أو تصاعد الأوضاع في الشرق، وأن ذلك يشكل محوراً لكافة الأزمات الاقتصادية والسياسية التي مرت بها الفترة الانتقالية، لأن عدم قناعة الأطراف المشاركة في السلطة على قسمتها بشكل متوازي لحين إجراء الانتخابات يدعم توظيف الأزمات لصالح الأهداف السياسية لكل طرف. ويتهم المكون العسكري المدنيين بالتسبب في تردي الأوضاع الاقتصادية وجمود الاستحقاقات السياسية وعرقلة مسارات المرحلة الانتقالية. الأزمات لم تتوقف في شرق السودان الأزمات لم تتوقف في شرق السودان وفي المقابل وجه المدنيون داخل الحكومة اتهامات للعسكريين بالتراخي في مواجهة الفوضى الأمنية وعدم حسم الأوضاع المنفلتة في الهامش وتعطيل الترتيبات الأمنية. وقال القيادي بحزب الأمة، حسن الإمام حسن، إن قدرة الوفد الحكومي على إحداث تقدم في قضية الشرق يتوقف على حيثيات المفاوضات، فإذا تبنى الرؤية الخاصة بالمحتجين التي تطالب بضمان تسليم السلطة إلى العسكريين فذلك يسهم في تهدئة الأوضاع بالشرق، لكنه قد يؤدي لإشعال الخلاف بين المدنيين والعسكريين، وفي حال تعهد باستكمال المرحلة الانتقالية والوصول إلى الانتخابات فالحل سيكون صعبًا بالنسبة للإقليم. وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الرؤى التي تشير إلى وجود حبل سري يربط بين تصاعد الأحداث في شرق السودان والغرب والوسط والخرطوم خلال الأسابيع الماضية وبين الانقلاب العسكري الذي جرى إحباطه، إن صحت، فالحل سيكون ممكنًا لأن المخطط جرى تفشيله، أما إذا كان التصعيد منفصلا فالطريق لن يكون مفروشًا بالورود. ويعاني شرق السودان من إشكاليات عديدة في بنيته السياسية والقبلية، ويغلب الانقسام على جميع المكونات الفاعلة داخله، بدءا من انقسام فصائل مؤتمر البجا المعارض ومرورا بالنزاع على قيادة الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة، بين رئيسها الأمين داود ونائبه خالد محمد إدريس الذي وقّع على اتفاق السلام بمسار الشرق، إلى جانب انقسام أحزاب التواصل التي لديها نفوذا مشهودا داخل الإقليم. انغماس الحكومة الانتقالية في مشاكل المركز على حساب الأوضاع في الهامش فوت عليها فرصة تطويع المكونات القبلية المؤيدة للثورة في الكثير من الأقاليم وأشار حسن الإمام إلى أن لعب أي من أطراف المرحلة الانتقالية على التناقضات القبلية والسياسية التي عمد على تغذيتها نظام عمر البشير السابق بإمكانه أن يفجر السودان ويقود إلى التشرذم. ولذلك فرؤى القوى السياسية لحل أزمات السودان قد تكون مجرد أمنيات غير قابلة للتنفيذ على الأرض، وأن الأوضاع بحاجة إلى تفكيك النظام البائد المتجذر في الكثير من مؤسسات الحكم. وتشكل قضية تفكيك أركان نظام البشير أحد أوجه التباطؤ الذي يسيطر على السلطة الانتقالية، لأن القوى المدنية فرطت في الشرعية الثورية التي حصلت عليها وكان بإمكانها أن تُفرغ الفلول من مؤسسات الدولة، وأن اختيارها الطرق القانونية أسهم في التخفيف من آثار قراراتها التي أضحت تصدرها بشكل يومي. ويرى مراقبون أن الحكومة المدنية تتحمل قدراً من مسؤولية الفوضى التي تعم أرجاء مختلفة من البلاد، لأنها بنت تحالفاتها مع قوى مهيمنة على السلطة وأطراف دولية وعدتها بتقديم الدعم الاقتصادي أملاً في تجاوز مطبات المرحلة الانتقالية واتخذت خطوات متباعدة عن الشارع الذي فقد الثقة في أي مبادرات أو تحركات قادتها تستهدف تطويق الأزمات قبل انفجارها. ويؤكد المراقبون أن انغماس الحكومة الانتقالية في مشاكل المركز على حساب الأوضاع في الهامش وانشغالها بحصد المكاسب السياسية على حساب اتخاذ خطوات مباشرة تدعم ثقتها بالمواطنين فوت عليها فرصة تطويع المكونات القبلية المؤيدة للثورة في الكثير من الأقاليم، بعد أن أدرك هؤلاء أن الذهاب نحو السلام كان شكليًا من دون معالجة الأزمات التي يعانون منها على مدار سنوات طويلة.
مشاركة :