شكلت البحرية الأميركية مؤخراً قوة مهام بحرية تأمل في ألا تبحر إلى الخليج العربي فحسب، وإنما إلى المستقبل أيضاً. والسؤال الآن هو ما إذا كان هذا السلاح، ووزارة الدفاع بأسرها، قادرة، أم لا، على تحويل تركيزها وأموالها إلى أسلحة الغد وليس أسلحة الماضي. بدلاً من المجموعة التقليدية من المدمرات والطرادات، يتم تزويد «فرقة العمل 59» بمركبات غير مأهولة مدعومة بالذكاء الصناعي. ويقودها الكابتن مايكل «براسو» براسور، الذي التقيت به في الأيام التي أعقبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) في البنتاغون، وكان لا يزال ذاخراً برائحة الدخان ووقود الطائرات. كنت أميرالاً بحرياً حديث الترقية، ومسؤولاً عن مجموعة صغيرة من الضباط المختارين لابتكار طرق جديدة للتفكير حول كيفية استخدام القوات البحرية فيما قد نطلق عليه «الحرب العالمية ضد الإرهاب». وقد عمل فريقنا المعروف باسم «ديب بلو» على بناء تشكيلات جديدة من القوات الهجومية البرية التي شُكلت حول السفن البرمائية، وترتيبات الطاقم المتناوبة التي سمحت للبحرية بإبقاء السفن متقدمة في القتال لفترة أطول، وإدماج القوات الخاصة البحرية مع قدراتنا التقليدية على القتال في دولة غير ساحلية مثل أفغانستان. وكان الملازم الشاب براسور واحداً من أكثر أعضاء هذا الفريق حيوية وإبداعاً. وبعد عشرين عاماً، أصبح قائداً لقوة متطورة أكثر قدرة من أي شيء تخيلناه بعد الحادي عشر من سبتمبر. لقد تحدثنا مؤخراً، وأكد أهمية نقل هذه الأسلحة إلى الميدان. «نريد أن نعجل بوضع هذه القدرات الجديدة بين أيدي المشغلين. إنهم المبدعون الأكثر قوة لأنهم أقرب إلى المشاكل». ويؤكد رئيسه، الأدميرال براد كوبر، قائد الأسطول الأميركي الخامس الكائن في البحرين، على وجود بُعد دولي لهذه المهمة. وقال لي: «في المرحلة المقبلة سوف نعمل بشكل وثيق مع كثير من حلفائنا وشركائنا في المنطقة. وهم يدركون مثلنا تماماً القيمة التي يمكن أن تحققها النظم غير المأهولة للأمن البحري والردع في المنطقة». إن العمل مع القوات البحرية الأخرى مهم بصفة خاصة، نظراً للتعقيدات المتأصلة في منطقة الخليج. بالإضافة إلى الشركاء المحليين للولايات المتحدة؛ المملكة العربية السعودية، والبحرين، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، يعمل حلفاء الولايات المتحدة من خارج المنطقة على نطاق واسع هناك: ضابط البحرية البريطاني هو في العادة نائب قائد الأسطول الأميركي فيما يسمى القوات العسكرية المشتركة. هي واحدة من أكثر ممرات الشحن ازدحاماً في العالم، حيث يمر نحو 35 في المائة من نفط العالم بحراً عبر مضيق هرمز الضيق. وبطبيعة الحال، تسيطر إيران على شواطئها الشرقية. وسوف يتوفر «لفرقة العمل 59» كثير من المعدات غير المأهولة: الطائرات المسيّرة، وسفن سطح البحر، والمركبات تحت الماء. وفي حين أن جميع «أساطيل البحرية المرقمة» تدير بعض المركبات غير المأهولة في المحيط الأطلسي، والمحيط الهادي، والبحر الكاريبي، وأماكن أخرى، فإن الأسطول الخامس سوف تكون له القدرة الكبرى. ومن الأمثلة التي استشهد بها براسور «الكشافة النارية طراز MQ-8B»، وهي مروحية مستقلة، و«سي غارديان MQ-9B»، النسخة البحرية من الطائرة المسيّرة «إم كيو - 9 ريبر» الشهيرة، والمركبات السطحية غير المأهولة «سي هنتر» و«سي هوك». إن المهمة متنوعة: تطوير الوعي التفصيلي بالأوضاع عبر الخليج ومياه شمال بحر العرب، وتعقب المنصات الجوية والسطحية ودون السطحية الإيرانية، والاحتراز من الأعمال العدائية التي تقوم بها الزوارق السريعة الإيرانية، ومرافقة السفن الأميركية والحليفة المأهولة، خصوصاً الناقلات التجارية، ومسح المناطق الساحلية في إيران والجزر البحرية التي تدعي أنها تعمل انطلاقاً من المياه الدولية، وإجراء البحوث الأوقيانوغرافية. تتجاوز المزايا التي تتمتع بها هذه التقانات الجديدة مجرد القدرة على القتال. أولاً، لأنها فعالة من حيث التكلفة، ما يقضي على أغلى جزء من أي منصة، أي الطاقم. كما أنها صديقة للبيئة في أكثر الحالات، باستخدام بصمة كربونية أصغر من السفن والطائرات البحرية ذات الحجم الكامل والمأهولة. ولكن من المؤسف أن وزارة الدفاع تظل متشبثة ببرامج التراث الكبير: حاملات الطائرات النووية الضخمة، والغواصات، والقاذفات الاستراتيجية بعيدة المدى، ودبابات القتال الرئيسية مع دعم القوات المروحية للإسناد الجوي القريب. فالطائرات المسيرة، والفضاء السيبراني، والذكاء الصناعي، كلها لا تزال محدودة للغاية من حيث الميزانية، ويتعين على الوزارة الاستمرار في تحويل جُل الطاقة بعيداً عن العقود الكبيرة ونحو الأنظمة الأكثر مرونة. إذ إن الميزانية الحالية لا تزال أقل من 20 مليار دولار بالنسبة للنظم السيبرانية، والذكاء الصناعي، والنظم المسيرة، وهي نسبة ضئيلة من إجمالي 700 مليار دولار أو نحوها. عندما كنت عميداً بحرياً في الخليج، كانت لدي قيادة ثماني مدمرات من عدة بلدان مختلفة. كانت تلك قوة عسكرية قوية في عصرها. ولكن الطريقة الجديدة للحرب ستكون غير مأهولة بشكل مزداد ومدعومة من نظم الذكاء الصناعي، كما أن «فرقة العمل 59» تحتل موقعاً جيداً على الجبهة الأمامية لحروب القرن الحادي والعشرين. * بالاتفاق مع «بلومبرغ»
مشاركة :