بكل سهولة يستحق الشيخ حمد الجابر، نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع، أن نصفه بالإنسان المهضوم والحبوب، والرحب مع الجميع، أصدقاء وضباطاً ورجال جيش، ومكانه مناسب في تحقيق الإجماع على سماحة التفاهم معه، ومرونته وسعة صدره في الاستماع إلى هيئة الضباط التي تتولى أخطر مسؤولية في تأمين سلامة الكويت وصون سيادتها، وفوق ذلك يتواجد الإجماع الشعبي على تأمين استمراره، لكي تترسخ عقيدة استراتيجية الدفاع عن الكويت، بعد تجربة الغزو التي خرجت منها الكويت بمعجزة تلاقت فيها إرادة الأسرة العالية مع وثبة الغضب الشعبية في وجه الغدارين وخططهم. خرجت الكويت مجروحة، لكنها مختلفة، حرة لكنها غاضبة، تلطخت صفحات مسارها، لكنها استوعبت الدروس، وأهمها أن الكويت لا تملك مقومات الردع بمفردها، ولا مفر من الائتلاف خليجياً وعالمياً، وأن يرافق هذا الاعتراف الإدراك لواقع الإقليم، وأخذ اليقين بأن دول الجوار الشمالي تحمل في تكوينها عناصر الاضطراب، فالعراق يتشكل من أعراق وأطياف رسمت عام 1920 وحدتها في العراق الحديث، وتسلحت الملكية باستحواذ السنة بكل السلطات، واستمر الوضع حتى سقوط نظام صدام حسين، حيث كان عدد لواءات الجيش العراقي خلال الحرب مع إيران 64 لواءً، منها أربعة فقط من الطائفة الشيعية، ومن هذا الواقع المعقّد، تولّد إجماع بأن العراق يهدأ فقط عبر نظام فدرالي ديموقراطي، لا يحتكر طرف فيه كل الصلاحيات. وشرق الكويت، تتربع إيران دولة بمهمة تاريخية، رسخها آية الله بوحي من المهدي المنتظر، لنصرة المستضعفين، أينما كانوا، خاصة الشيعة في الدول المجاورة، مع طموحات بتوسيع قواعد النفوذ. ويضاف إلى ذلك نزعة التوسع التي قد تكون صامتة، لكنها تواصل بحثاً عن فرص التاريخ. هذا واقع مؤلم، لكنه ليس من حصاد الخيال، وإنما تذوقنا جروحه وجربنا مهانة التشريد، وكما يقال: «من عضته الحية يخاف من الحبل» حكمة كويتية متوارثة. هذه هي اللوحة السياسية والجغرافية التي نعيشها الآن، وعلى وزير الدفاع أن يتعايش معها، ويرسم مع هيئة الجيش استراتيجية دفاع تتشكل من طلائع الجيش الكويتي، الذي بالتكنولوجيا يعوض قلة الأعداد وبالتسليح الحديث والتدريب المتقن والمعنويات العالية والحس الوطني الراسخ، يستطيع أن يجهض خطط العدوان لوقت يسمح للشركاء التواجد والانخراط في عملية الإجهاض وإفشالها، فالطموح تواجد قوات محاصرة الحريق قبل اتساعه. وهؤلاء الشركاء هم الأشقاء في مجلس التعاون ونعرف ترابطهم في وحدة الدفاع الخليجي، وقد تأخرت دول الخليج في بناء الاستراتيجية الخليجية الواحدة بسبب تداخل العقبات قبل تعرض الكويت للغزو، الذي بدّل كل المفاهيم إقليمياً وعربياً، وهنا أود أن أشير إلى معلومات للشيخ حمد، كوزير للدفاع، لاستذكارها، حيث نقدّم له دليلاً على المدى الذي تبدلت فيه دول الخليج عن مفاهيم الأمس. تشكلت في مجلس التعاون اللجنة العسكرية من جميع الدول الأعضاء، لوضع استراتيجية موحدة لأمن الدول الأعضاء، وكانت هناك أسئلة موجهة لكل جيوش مجلس التعاون، كان ذلك في عام 1986 في أعقاب احتلال إيران لمدينة الفاو، عندما اتصل بي المرحوم عبدالله فراج الغانم، رئيس أركان الجيش الكويتي، يشكو من نوعية الأسئلة الموجهة من اللجنة العسكرية، منها عن مواقع التهديد وعدد القوات، وجنسيات الجنود، وكان واضحاً أن هذه الأسئلة غير مسبوقة، فالرد من جميع الدول على مواقع التهديد، كانت إسرائيل فقط، والسكوت عن الأعداد والجنسيات، وفشلت الخطة لأن الدول لم تستنسب هذه الملاحظات، ولم تكن جاهزة للذهاب إلى القول بأن نظام صدام حسين مخرب ومهدد، وأن إيران تبحث عن توسيع النفوذ والتواجد. نحن الآن في عهد آخر، يفرض الوضوح، وينطق بما في الضمير، ويعطي أمن الوطن كل الاعتبار. هناك ضرورات التثقيف السياسي، وأهم شروطه استخلاص العبر من التجارب، ففي قناة اليوتيوب Youtube، كل المقابلات التي تمت مع ضباط الجيش العراقي، الذين أسهموا في الغزو، الفريق رعد حمادي، الذي دخل الكويت مع دباباته، وآخرون تحدثوا بصراحة عن الغزو، وسهولة الدخول، وكشفوا أنهم كانوا في الكويت في زيارات للجيش الكويتي لتفقد الدبابات التي قدمتها الكويت للعراق في حربه ضد إيران، وأنهم على علم بما تملك الكويت، وأنهم كسبوا المعرفة ليترجموها ضد البلد الذي أكرمهم، وهناك اعترافات من وزير الدفاع العراقي السابق، الفريق عبدالقادر العبيدي، يقول فيها دبابات العراق دخلت الكويت ومفاتيح النار فيها مغلقة، ويضيف «وكان الكويتيون قادرين على إيقاف الدبابات لو استعدوا عند المطلاع». المهم أن للوزير الشيخ حمد دوراً في ترجمة الوحدة الأمنية الخليجية إلى واقع، باستعادة الحيوية الجماعية لأمن الخليج، التي أقرها القادة، خاصة بعد قمة الخليج الأخيرة، وفوق ذلك لابد أن يتواصل باستمرار مع وزراء الدفاع في بريطانيا والولايات المتحدة، لتأمين الزيارات المتبادلة وترسيخ الترابط بين القوات المسلحة الكويتية والشركاء، لتحديث مفاهيم الشراكة لضمان فاعلية الردع. يتحمل وزير الدفاع الكويتي في هذه المرحلة مسؤولية ضخمة في إتمام الوصول إلى فاعلية القوة الكويتية، التي كما أشرت تتصدى للحريق لتمكين التحالف من مشاركتها في المساندة. وهنا أدعو إلى ممارسة التثقيف وتحمّل تبعاته، التي يجب أن يتعرّف عليها قادة الجيش، وتتمثل في المعلومات التي صدرت من مراكز الدراسات، والمذكرات والمقابلات التي تمت مع الضباط العراقيين، وهي متواجدة، وربما أقترح على الشيخ حمد أن يقرأ كتاب «أسرار وكواليس» الخارجية الروسية في غزو الكويت، وتمت ترجمته من الروسية إلى العربية من قبل الدكتور جمال حسين، المشرف على صفحات الرأي والقسم الثقافي في القبس الكويتية، وفيه مواقف روسيا والحلفاء، وأهم شيء فيها شرح المواقف العربية المختلفة، وسيخرج بقناعة بحتمية الارتباط الأمني الخليجي بمصالح الأسرة العالمية، وأبرز أطرافها الولايات المتحدة وبريطانيا والدول الكبرى، وما يتوافر من الجامعة العربية. ودعواتنا أن يتناغم الشيخ حمد مع هذه الأعباء ويعتبرها مأمورية وطنية لا مناص منها.. كانت جولة وزير الدفاع يوم الثلاثاء الماضي للاطلاع على الوضع على الحدود الشمالية، وتفقده معسكر «أم الروس»، وتواصله مع الرجال الساهرين، ترجمة لحجم الأعباء التي يقودها الوزير، وتواصله في الحوارات المباشرة مع ضباطه وجنوده، تنفتح فيها قنوات التعرف والاطمئنان، ولا شك أن الشيخ حمد، المعروف بمحبوبيته التلقائية، وفّر لهؤلاء الرجال الكثير من السكينة بأن المسؤول عن الدفاع رجل منفتح يتجاوب مع الاحتياجات، وعلى وعي تام بإطار المسؤولية التي أوجزها بعقيدة المدافع. ويمكن أن أتطرق إلى ملاحظاتي مستخلصة مما قرأته عن أسلوب المراوغة والتعطيل وتزوير الحقائق وقلب الوقائع، التي اتبعها نظام صدام حسين ومساعدوه وتعاملهم مع الدول الأعضاء في مجلس الأمن ومع حلفائه السوفيت، عند بدء عمليات تحرير الكويت لا يمكن تصديق انحدار السلوك ووضاعة الكلمات بلا حياء وبلا ضمير.. كانت آخر كلمات صدام حسين يوم 26 فبراير عام 1991، عندما أعلن من إذاعة بغداد قبوله قرارات مجلس الأمن، لاسيما 660، حيث أراد التوضيح بقوله «إن الكويت جزء من بلدكم سلخ منه في الماضي، وأمرت الظروف اليوم أن الكويت ستبقى في تلك الحالة، ستبقى فيها بعد سحب قواتنا المقاتلة منها، وسيتذكر العراقيون ولن ينسوا أن الكويت أصبحت في 8 أغسطس 1990، جزءاً شرعياً ودستورياً وفعلياً من العراق، ويجب أن يتذكر كل إنسان أن بوابة القسطنطينية لم تفتح أمام المقتحمين المسلمين من المحاولة الأولى». هذه الكلمات توجز ضرورة دوام اليقظة واستدامة الحيوية في منظومة الأمن والدفاع.
مشاركة :