قالت منظمة العفو الدولية اليوم إن تقاعس السلطات اللبنانية عن حل أزمة الوقود الكارثية أدى إلى شلّ حياة الناس اليومية وترك المستشفيات على شفير الانهيار. وتدعو منظمة العفو الدولية السلطات إلى تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في استجابتها وإعطاء الأولوية لإعادة توزيع الوقود على المستشفيات ومرافق الرعاية الصحية الأخرى، علمًا أنها على وشك الانهيار. يواجه مئات المرضى، بينهم أطفال حديثو الولادة يستخدمون أجهزة التنفس الصناعي وغيرها من الأجهزة الطبية المنقذة للحياة، خطر الموت إذا نفد الوقود من المستشفيات. ومع رواج السوق السوداء والتهريب وتخزين الوقود الذي يحوّل الإمدادات عن الخدمات الحيوية، من الضروري أيضاً أن تتخذ السلطات خطوات فورية لمحاسبة الجناة. وقالت هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “لا يمكن للسلطات اللبنانية أن تستمر في الوقوف مكتوفة الأيدي بينما تنهار حياة الناس بسبب أزمة الوقود، وأن تترك الأمر للمبادرات الخاصة أو المنظمات غير الحكومية لتلبية الاحتياجات الإنسانية الضرورية. باتت صحة الناس وحياتهم على المحكّ مع تخفيض المستشفيات لعملياتها بشكل كبير”. “ينبغي أن تمنح السلطات الأولوية العاجلة للمرافق الصحية، وغيرها من الخدمات الحيوية، من خلال إعادة توزيع مخزونات الوقود المصادرة، وتنفيذ أوامر المحكمة التي تفرض ذلك. كما يتوجب عليها معالجة مشكلة السوق السوداء الرائجة من خلال إغلاق قنوات التهريب، ومصادرة الوقود المخزّن بصورة غير قانونية، ومحاسبة الجناة”. ينبغي أن تمنح السلطات الأولوية العاجلة للمرافق الصحية، وغيرها من الخدمات الحيوية، من خلال إعادة توزيع مخزونات الوقود المصادرة، وتنفيذ أوامر المحكمة التي تفرض ذلك. هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية في 11 أغسطس/آب، أعلن مصرف لبنان المركزي أنه عاجز عن الاستمرار في دعم واردات الوقود، ما تسبب في ارتفاع أسعار البنزين والمازوت بشكل جنوني، وأحدث نقصًا حادًا وفوريًا في كليهما في السوق. وفي 22 أغسطس/آب، أعلنت الحكومة عن زيادة بنسبة 66 في المئة في أسعار البنزين – وهو تخفيض جزئي في دعم الوقود – في محاولة لتخفيف النقص الشديد الذي أوقع البلاد في أزمة. ولقد تفاقم النقص في توافر الوقود في السوق بسبب تهريب الوقود عبر الحدود إلى سوريا، وتخزينه لبيعه بأسعار السوق السوداء. وهذا ما أكده بيان مصرف لبنان الصادر في 14 أغسطس/آب، والذي ذكر أن مصرف لبنان أنفق أكثر من 828 مليون دولار على واردات الوقود في يوليو/تموز – وهو ما يكفي لتغطية إمدادات الكهرباء في لبنان لمدة ثلاثة أشهر. وتم تخصيص 708 مليون دولار لاستيراد البنزين والمازوت، و120 مليون دولار لاستهلاك الوقود الخاص بشركة الكهرباء المملوكة من الدولة – شركة كهرباء لبنان. وذُكر في البيان ذاته أنّ المصرف قد أقرّ بتخزين الوقود وتهريبه وعدم وصوله إلى “المنازل والمستشفيات ومصانع الأغذية”. المستشفيات تصارع للبقاء وسط نقص الوقود خلال شهر أغسطس/آب، أعلنت القوى العسكرية والأمنية أنها صادرت ملايين لترات البنزين والمازوت التي تمّ تخزينها أو تجهيزها للتهريب. ومع ذلك، أكد مديرو المستشفيات، في ثلاثة من أكبر مستشفيات لبنان، لمنظمة العفو الدولية أنّ القطاع الصحي يعيش كلّ يوم بيومه، في ظلّ عجزه عن تأمين ما يكفي من الوقود لمتابعة عملياته حتى لشهر واحد. وفي أغسطس/آب، أطلق المركز الطبي للجامعة الأمريكية في بيروت، ومستشفى رفيق الحريري الجامعي، ومستشفى المقاصد، نداءات استغاثة عامة تناشد الحكومة والوكالات الدولية بتوفير الوقود. وقالت المستشفيات المذكورة إن أزمة الوقود ألحقت أضرارًا جسيمة بعملياتها، وعرّضت حياة مرضاها للخطر. وعلى الرغم من ذلك، تقاعست السلطات عن تأمين وصولها إلى الإمدادات الكافية. وأوضح الدكتور فراس أبيض، المدير العام لمستشفى رفيق الحريري الجامعي، أكبر مستشفى حكومي في لبنان، لمنظمة العفو الدولية أن المستشفى كان يتلقى 20 ساعة تغذية من كهرباء الدولة يوميًا، ويعتمد على سبعة مولدات خلال الساعات الأربع المتبقية. خلال الشهر الماضي، انخفضت التغذية الكهربائية إلى أربع ساعات فقط يوميًا – وفي إحدى المراحل انقطعت تمامًا – ما أدّى إلى اعتماد متواصل من المستشفى على المولدات غير المصممة للعمل بدون توقف. وعلى الرغم من أنهم تلقوا بعض شحنات الوقود بشكل متقطع من قبل الجيش، إلا أنه لا يكفي لمواصلة عملياتهم، فيُضطرّون إلى الاعتماد على تبرعات من منظمات الأمم المتحدة. وأخبر الدكتور جوزيف عتيّق، مدير المركز الطبي في الجامعة الأمريكية في بيروت، منظمة العفو الدولية أنه على الرغم من أن أحد القضاة أمر بتسليم 5000 لتر من الوقود المصادر إلى المستشفى، إلا أنهم لم يتلقوا أي إمدادات وقود من الجيش أو الأمن الداخلي. وقال إن المستشفى يحتاج إلى 50 ألف لتر لإجراء عملياته اليومية. وكانت القاضية عبير صفا قد أمرت مركز شرطة النهر، في 17 أغسطس/آب، بتسليم 10 آلاف لتر من الوقود الذي صادرته السلطات إلى مستشفى رفيق الحريري الجامعي والمركز الطبي للجامعة الأمريكية في بيروت (بواقع 5000 لتر لكلّ منهما)، بالسعر المدعوم. وقالت هبة مرايف: “يدعو للصدمة عدم امتثال السلطات اللبنانية لقرار محكمة بتسليم الوقود المصادر إلى جميع المستشفيات. وعلى السلطات أن تفعل كل ما في وسعها لضمان توزيع إمدادات الوقود، التي صادرتها قوى الأمن، على المستشفيات وغيرها من الخدمات الحيوية للسماح لها بالعمل بطريقة مستدامة”. وأخبر طبيبان من مدراء الأقسام في مستشفى رفيق الحريري الجامعي، منظمة العفو الدولية، في 23 أغسطس/آب، أنّ 10 مرضى في وحدة العناية المركزة، وما لا يقل عن 21 طفلًا حديثي الولادة يعيشون على أجهزة التنفس الصناعي والحاضنات، معرّضون لخطر الموت إذا توقفت عمليات المستشفى بسبب نقص الوقود. وقال الدكتور فراس أبيض إن الموظفين “يعملون في ظروف تكاد تكون ظروف حرب”، والعديد منهم لم يتمكنوا من العمل بسبب نقص الغاز: “سرعان ما سأجد نفسي أمام قرار صعب: هل يجب أن أغلق غرف الطوارئ لدينا؟”. وحذّر المركز الطبي في الجامعة الأمريكية في بيروت في بيان أصدره في 14 أغسطس/آب، من أنه في حالة الإغلاق القسري الناجم عن نقص الوقود، سيموت على الفور 40 مريضًا بالغًا، و15 طفلًا يعيشون على أجهزة التنفس، وسيموت 180 شخصًا يحتاجون إلى غسيل الكلى بعد بضعة أيام، ومئات آخرين في الأسابيع اللاحقة. وقال مدير المستشفى إنهم “يعيشون على أمل تلقي الإمدادات اليومية من المتبرعين والشركات الخاصة والأمم المتحدة”. وقال الدكتور محمد بدر، مدير مستشفى المقاصد في بيروت، لمنظمة العفو الدولية إن المستشفى أوقف الجراحة الاختيارية منذ ثلاثة أشهر، واضطر إلى إغلاق طابقين من ثلاثة طوابق، بما في ذلك القسم الخاص بفيروس “كوفيد – 19″، ووحدات رعاية الأطفال، كما توقف عن تقديم العلاج المجاني للمرضى الأشد فقرًا. وأضاف قائلاً: “إن ربع العاملين بالمستشفى لم يتمكنوا من الوصول إلى مركز عملهم بسبب نقص البنزين. لقد وصلنا إلى الحضيض، وتُركنا وحدنا لمواجهة هذا الوضع غير الإنساني”. معالجة مشكلة تهريب الوقود وتخزينه كانت العواقب مأساوية من جراء تقاعس السلطات اللبنانية عن محاسبة أي شخص على التهريب ورواج تجارة السوق السوداء التي تنطوي على تخزين كمية كبيرة من الوقود في ظروف غير آمنة. فحتى الآن، قُتل أو جُرح عشرات الأشخاص بسبب انفجارات خطيرة في مخزون الوقود في مناطق سكنية. وفي 15 أغسطس/آب، أدى انفجار خزان وقود في بلدة التليل، في منطقة عكار الواقعة في شمال لبنان، إلى مقتل ما لا يقل عن 31 شخصًا وإصابة العشرات، مع استمرار ارتفاع حصيلة القتلى غير الرسمية. وقد وقع الانفجار بعدما شرع الجيش اللبناني في توزيع المحروقات التي ضبطها في خزان وقود غير شرعي، على السكان المحليين. واعتقل الجيش مالكي الخزان والأرض، وأعلن إجراء تحقيق عسكري. في 26 أغسطس/آب، وجه المدعي العسكري تهماً لثلاثة أشخاص بتهمة تخزين مواد خطرة، وتعريض الأرواح للخطر. وتدعو منظمة العفو الدولية السلطات اللبنانية إلى إحالة التحقيق إلى النظام القضائي المدني لضمان إجراء تحقيق مستقل ومحايد في الحادثة. واختتمت هبة مرايف قائلة: “يجب ألّا تنتظر السلطات اللبنانية وقوع مأساة مميتة مثل انفجار عكار كي تتحرك في مسألة تخزين الوقود. يجب على السلطات التحقيق في سلسلة السوق الكاملة، ومحاسبة جميع المتورطين في التهريب أو عمليات التخزين، بغض النظر عن الرتب، المكانة أو الوظيفة، لبعث رسالة واضحة مفادها أنّ التسامح مع عمليات تخزين الوقود لن يحصل”.
مشاركة :