رائد الحامد / الأناضول ضجة كبيرة أثارها مؤتمر انعقد في مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان شمالي العراق، قبل أيام، وحمل اسم "السلام". ففي خطوة بدت صادمة ولاقت رفضا واسعا، دعا المؤتمر، الذي شاركت فيه 312 شخصية من مكونات عراقية مختلفة، إلى إنهاء حالة القطيعة مع إسرائيل، وانضمام العراق لاتفاقيات التطبيع العربي المعروفة باسم "أبراهام". إذ سارعت رئاسة الجمهورية ومجلس النواب، عبر بيانين رسميين، على تأكيد رفضها دعوات التطبيع، وأعلنت الموقف ذاته قوى عشائرية وأحزاب سياسية سُنيّة وشيعية وتيار واسع من الناشطين في الإعلام وعبر وسائل التواصل الاجتماعي. فيما لم يصدر عن المرجعية الشيعية في النجف أي موقف معلن بالخصوص حتى الساعة، لكن مراقبون يتوقعون أن تتضمن خطبة الجمعة المقبل موقفا من المرجعية معارضا للتطبيع مع إسرائيل. وجاءت ردود الفعل الأكثر قوة ووضوحا من مجموعات شيعية مسلحة حليفة لإيران، هددت عبر بيانات رسمية، أو على لسان قادتها، باتخاذ "إجراءات رادعة" ضد ما وصفتها بـ"الأوكار الصهيونية والأمريكية" في إقليم كردستان الشمال، والمشاركين في المؤتمر الذين "يستحقون الموت". ولإقليم كردستان، معقل "الحزب الديمقراطي الكردستاني" برئاسة مسعود بارزاني، علاقات متوترة مع المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران التي اتهمت أربيل بأنها "باتت مسرحا لعمليات التنظيمات وأجهزة المخابرات الصهيونية الأمريكية المعادية"، حسب بيان "كتائب حزب الله"، وهو قريب من موقف حركة "النجباء"، التي حمّلت حكومة الإقليم مسؤولية استضافة المؤتمر، و"وجود عناصر مخابراتية من الكيان الصهيوني فيه". في المقابل، أعلنت حكومة الإقليم أنها لم تكن على علم مسبق بالمؤتمر الذي عُقد دون موافقتها؛ وهو بالتالي لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن موقفها. وليس للعراق علاقات رسمية مع إسرائيل التي لها علاقات طبيعية معلنة مع 6 دول من بين 22 دولة عربية. ورفضت الحكومة الاتحادية في بغداد بشكل "قاطع" المؤتمر الذي نظمه "مركز اتصالات السلام" الأمريكي، وعقد "الاجتماعات غير القانونية"، التي "لا تمثل أهالي وسكان المدن العراقية التي تحاول هذه الشخصيات بيأس الحديث باسم سكانها". و"مركز اتصالات السلام"، هو مركز بحثي أمريكي مقره نيويورك يسعى إلى "بناء دعم شعبي للمصالحة بين العرب والإسرائيليين"؛ وأسسه الأمريكي من أصل يهودي عراقي "جوزيف برود". وطالب المؤتمر في البيان الختامي، الذي قرأته سحر الطائي، مديرة الأبحاث بوزارة الثقافة العراقية، بانضمام بلادها لاتفاقيات "أبراهام"، قائلة: "نحن أيضا نطالب بعلاقات طبيعية مع إسرائيل وبسياسة جديدة تقوم على العلاقات المدنية مع شعبها بغية التطور والازدهار". ووزارة الثقافة العراقية، هي من حصة كتلة "صادقون" بمجلس النواب، التي تمثل الجناح السياسي لعدد من الجماعات المسلحة، منها حركة "عصائب أهل الحق" بقيادة قيس الخزعلي. ونشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية افتتاحية باسم قائد صحوة أبناء العراق، وسام الحردان، طالب فيه بأن ينضم العراق لاتفاقيات "أبراهام" وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل، وإلغاء قانون سحب الجنسية من اليهود العراقيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية. وكان الحردان ألقى كلمة قصيرة في المؤتمر أكد فيها على مضامين مقاله في الصحيفة الأمريكية، لكنه عاد وأصدر تسجيلا مصورا بعد صدور مذكرة القبض عليه تراجع فيه عن دعوته للتطبيع، معتذرا بعدم علمه المسبق بغايات وأهداف المؤتمر، واصفا إسرائيل بـ"الكيان الصهيوني". وتحدث مشاركون في المؤتمر، لوسائل إعلام غربية، عن أن خطوتهم التالية ستكون إجراء محادثات مباشرة وجها لوجه مع الإسرائيليين. وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن اتفاق لتشكيل 7 مجموعات منبثقة عن المؤتمر لمعالجة ملفات تتعلق بالعلاقات بين العراقيين واليهود من أصل عراقي بدول العالم، بما فيهم الذين يعيشون في إسرائيل، وملفات التجارة والاستثمار والتعليم والصحة، والعمل على إلغاء القوانين المناهضة للتطبيع. وعلّق وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد، لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، واصفا المؤتمر بأنه "مصدر أمل وتفاؤل، وأن إسرائيل تبحث دائما عن توسيع دائرة السلام بالعمل مع الأصدقاء حول العالم لتحقيق ذلك". في مقابل ذلك، رحبت حركة "حماس" بموقف الحكومة العراقية والقوى السياسية والمجتمعية الرافضة للتطبيع مع إسرائيل والداعمة لنضال الشعب الفلسطيني وقضاياه العادل. وأصدر القضاء العراقي مذكرات قبض شملت عددا من أبرز المشاركين بالمؤتمر. وتستند مذكرات القبض على المادة 201 من قانون العقوبات العراقي التي تنص على "يعاقب بالإعدام كل من حبّذ أو روّج مبادئ الصهيونية بما في ذلك الماسونية، أو انتسب إلى أي من مؤسساتها أو ساعدها ماديا أو أدبيا أو عمل بأي كيفية كانت لتحقيق أغراضها". لكنّ خبراء في القانون يرون أن المادة لا تشمل المشاركين في مؤتمر أربيل طالما أن الدستور العراقي لم ينص على اعتبار إسرائيل دولة "عدو"، أو على إن إسرائيل دولة "صهيونية أو ماسونية". ولم يصدر عن العراق بيانات إدانة لتطبيع عدد من الدول العربية مع إسرائيل، عادا ذلك "شأنا داخليا"؛ ما يعطي بعض المؤيدين للتطبيع انطباعا بعدم وجود اهتمام عراقي رسمي بقضية فلسطين. وكانت الحكومة العراقية بعد عام 2003 أوقفت عددا من القوانين والتعليمات المعمول بها قبل غزو العراق، ومنها تضمين جواز السفر العراقي عبارة السماح لحامله بزيارة جميع دول العالم باستثناء إسرائيل. ومن القوانين الأخرى التي ألغتها الحكومة العراقية، حرمان الفلسطينيين من حق الاستفادة من البطاقة الغذائية، ومن قانون معاملة الفلسطيني أسوة بالعراقيين في الحقوق إلى حين تحرير أراضيهم وإقامة دولتهم، يضاف إلى ذلك إغلاق مراكز أبحاث ودراسات فلسطينية. لذلك يميل المراقبون إلى توصيف الضجة المثارة حول مؤتمر أربيل بأنها لم تكن نابعة من موقف أصيل تجاه فلسطين وقضية الشعب الفلسطيني بالقدر الذي تعبر فيه عن انسجام مع الموقف الإيراني من التطبيع، والدعاية الانتخابية؛ حيث جاء انعقاد المؤتمر في توقيت يسبق الانتخابات المبكرة بنحو أسبوعين. ويتحدث متابعون لتداعيات عقد المؤتمر عن ازدواجية الحكومة الاتحادية والقوى والأحزاب السياسية والجماعات المسلحة في الموقف من المشاركين في المؤتمر وإصدار مذكرات قبض بحق أعداد منهم، في الوقت الذي لم تصدر مثل هذه المذكرات بحق نواب زاروا إسرائيل، أو دعوات مماثلة للتطبيع من شخصيات أخرى. ويتكفّل الدستور العراقي بحرية الرأي والتعبير والمعتقد، مع خلوه من أي مادة تجرِّم العلاقات مع إسرائيل أو التطبيع معها، وهي ليست مصنفة على أنها "عدو"؛ حيث حصر الدستور تصنيف العدو فقط بـ"الإرهاب". وخلال الأشهر الأخيرة من العام الماضي تحدثت الكثير من وسائل الإعلام العربية والأجنبية عن زيارة عدد من أعضاء مجلس النواب العراقي لإسرائيل ووفود إعلامية وصحفية وقيادات سياسية واجتماعية أبدت استعدادا للتعاون وعقد اتفاقية سلام مع إسرائيل على أمل المساهمة في إنقاذ البلاد من أزماته المتراكمة والتخلص من النفوذ الإيراني. وفي تصريحات صحفية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قال مستشار بوزارة الخارجية العراقية (لم يتم كشف اسمه) إن "الكتل السياسية الكبرى، من ضمنها الشيعية والكردية والسُنيّة، لا ترى مشكلة في التطبيع مع إسرائيل، ويرون أنّ فساد المنظومة الحاكمة هو الخطر الحقيقي". كما كشفت وزارة الخارجية الإسرائيلية، في الشهر ذاته، النقاب عن زيارات سرية لثلاثة وفود عراقية إلى تل أبيب، فيما أعلن وزير المالية الإسرائيلي السابق موشيه كحلون عن شطب العراق من قائمة "دول العدو"، التي تشمل لبنان وسوريا والسعودية واليمن وإيران، ووقع مرسوما يجيز التبادل التجاري مع العراق. --------------- الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن سياسة الأناضول التحريرية الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
مشاركة :