حلت الإثنين الماضي، 27 أيلول (سبتمبر)، الذكرى 23 لميلاد محرك البحث جوجل، العملاق الأمريكي في مجال محركات البحث الذي غير العالم، حتى قيل إن العالم بعد جوجل ليس كما قبل. وكذلك هو واقع الحال، فعمل محرك البحث جوجل أقرب ما يكون إلى قصص مصباح علاء الدين الخيالية، فكل ما تشاء، وقتما شئت بين يديك بنقرة إصبع واحدة. يكفي أن يمتلك المرء حاسوبا أو هاتفا ذكيا، متصلا بشبكة الإنترنت، ويكون بمقدوره القراءة والكتابة، حتى يستطلع كل صغيرة وكبيرة عن أخبار العالم، فيعرف موقع جمهورية سان مورينو في الخريطة، أو طبيعة النظام الدستوري في دولة ليسوتو، أو درجة الحرارة في عاصمة إسواتني أو تاريخ اغتيال جون كيندي أو قائمة بأسماء وعناوين الفائزين بجائزة نوبل للأدب منذ انطلاقتها.. بسهولة وببساطة يضع جوجل العالم بين يديك، بعدما نجح في تحويل العالم من "قرية صغيرة" إلى "غرفة صغيرة". ندرك حجم الثورة التي قامت بها جوجل، حين نعلم أن مليارات من علميات البحث تجرى يوميا في محرك جوجل، بأزيد من 150 لغة في العالم. وتمثل عمليات البحث الجديدة على الموقع - أي لم يتم بحثها من قبل - 16 في المائة من إجمالي العمليات. واستطاع المحرك مضاعفة عدد المستخدمين إلى الضعف، بعد استخدامه "هل تقصد.." التي تظهر في بداية الصفحة الأولى عند كتابتك لما يعتقد المحرك أنه خاطئ. تعود تسمية جوجل google إلى أواخر التسعينيات، وجاءت نتيجة خطأ إملائي، عند كتابة الاسم المقصود googol، في إحدى المعاملات التجارية للشركة، ذي الدلالة الرياضية 1 مضاف إليها 100 صفر، في إشارة إلى العدد اللانهائي من البيانات، وذلك قصد التعبير عن ضخامة الموقع، وقدرته على تنظيم المعلومات حول العالم، وجعلها في متناول الجميع بكل يسر. يذكر أن أول اسم لمحرك البحث، وعلى مدار عامين، كان هو Backrub، ويعني تدليك الظهر. وكان الهدف من ورائه هو أرشفة الملفات الموجودة في جامعة ستانفورد، حيث كان لاري وبرين مبتكرا المحرك، يتابعان دراستهما. تقدر أرباح شركة جوجل بنحو 20 مليار دولار سنويا، تأتي 89 في المائة من هذه الأرباح من عائدات الإعلانات، متجاوزة بذلك، وبفارق كبير، عائدات أربع أشهر قنوات أمريكية CBS، NBC، ABC، FOX مجتمعة. كانت شركة جوجل 1997، قد عرضت بيع نفسها لشركة ياهو بقيمة مليون دولار، لكن الأخيرة رفضت حينها، ثم ما لبثت أن قبلت بالعرض، بعد مرور ثلاثة أعوام، مقترحة قيمة ثلاثة ملايين دولار للعملية، بيد أن جوجل رفضت هذه المرة. بعد أعوام قليلة فقط، دشنت رحلة الاستحواذ على الشركات، التي بلغت ذروتها، منذ 2010، حيث بدأت جوجل تستحوذ في المتوسط على شركة واحدة أسبوعيا. وهكذا حتى صارت تتحكم في جميع مناحي حياتنا الإلكترونية، من بريد إلكتروني وتصفح للإنترنت وتخزين للمستندات وألعاب إلكترونية وتواصل اجتماعي.. فكل فئات المجتمع، بدون استثناء، تستفيد من الخدمات المتنوعة لهذا العملاق، الذي تعطل عن العمل لمدة خمس دقائق فقط 2013 فأدى إلى تراجع حركة الإنترنت العالمية 40 في المائة. من الدلائل على مركزية محرك البحث بالنسبة إلى كثيرين، أنه تحول إلى أداة لمعرفة وجود شبكة الإنترنت من عدمها، فالعالم بأسره صار يستخدم جوجل للتأكد من توافر التغطية، نظرا إلى حجم صفحة محرك البحث وسرعة تحميلها. ويبقى جوجل الموقع الوحيد في العالم الذي يسعى إلى طردك منه بسرعة، لأنه يزودك بأسرع النتائج، عكس باقي المواقع التي تحاول ضمان بقائك لأطول وقت فيها. وبلغ الأمر حد استعداد شركات مثل مايكروسوفت، صاحبة محرك بينج Bing، لدفع المال نظير استخدام هذا المحرك، بدلا من محرك جوجل. من غرائب المعلومات عن شركة جوجل تحفظها على استخدام ماكينة لقص الحشائش في مقرها، واستبدلت ذلك بقطيع من 200 رأس ماعز، في عملية طبيعية، للتقليل من ثاني أكسيد الكربون في الجو.علاوة على إعجاب الموظفين في الشركة بمشهد الماعز بجوارهم في مقر العمل. حرصا على تميز هذا الأخير دائما، تقدم الشركة للعاملين كل أنواع المشروبات والمأكولات مجانا، وذلك تقيدا بسياسة مفادها ألا يحرم أي موظف لديها، مما يشتهيه من الطعام أثناء أدائه عمله. يذكر أن علامات الامتحان بشكل عام غير مهمة أبدا في التوظيف لدى جوجل، فأزيد من 14 في المائة من موظفيها لم يدخلوا الجامعة إطلاقا. لقد بات محرك جوجل الأكثر شهرة مقارنة بمحركات أخرى Bing، Yahoo، Ask Jeeves...، لكن اتباعه نظام تهيئة خاصة، يسمح بسيطرة مواقع كبرى على نتائج البحث دائما، لدرجة يصعب معها أحيانا إيجاد معلومات بسبب احتلال هذه المواقع الصفحات الأولى من البحث. حتى شاع في الأوساط الأمريكية، أن أفضل مكان لإخفاء جثة بعد جريمة قتل، هو الصفحة الثانية من محرك جوجل. فقد تدفع شركة كبرى ترغب في التغطية على فضيحتها لبعض المواقع الكبرى قصد تهيئة محركات البحث، حتى لا تظهر الفضيحة على أول صفحة. إنها هوامش من متن قصة محرك البحث جوجل في ذكرى ميلاده، التي لا نعرف سوى أنه شركة ناجحة، بينما يعرف أشياء كثيرة عن حياتنا. وذلك هو ثمن الخدمات التي يقدمها باستمرار لجعل حياتنا أسهل، فلم يسبق لأحد أن دفع المال عند كل طلب بحث يقوم به على صفحة المحرك، ولم يحدث أن تم تغريم شخص لتجاوزه حدا معينا عند تصفح محرك البحث حدا مطلوبا، فالبيانات الشخصية تبقى أفضل عملة للدفع بالنسبة إلى محرك البحث جوجل.
مشاركة :