الخرائط التي توجهنا بشكل خاطئ

  • 9/30/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

كثير من خرائطنا الرقمية ليست سوى ترهات لأغراض نفعية محضة. على غرار خرائط الإسقاط التي نعرفها جميعاً والتي تصور بغير دقة غرينلاند وهي تُقزم قارة أميركا الجنوبية، فإن الخرائط الرقمية التي توجه حياتنا على الهواتف الذكية وأجهزة الكومبيوتر المحمولة هي نتيجة سلسلة من التنازلات أو أنصاف الحقائق، ولا تمثل العالم بدقة على حاله الصحيحة. ونتيجة لهذا، فإننا كثيراً ما نسيء فهم الخطوط العريضة الحقيقية للعالم، ثم نتخذ قرارات سيئة استناداً إلى معلومات مضللة. ومع ازدياد الاعتماد على الخرائط الرقمية - على سبيل المثال، مع انتشار السيارات الذاتية القيادة - فإن الفجوة بين العالم على حاله والعالم كما تمثله خرائطنا تنطوي على مخاطر متزايدة. كانت الخرائط دوماً مدفوعة بقوى أخرى، مثل المصالح الاقتصادية أو السياسية، وهي تمثل العالم كما يود صناع الخرائط أن يراها الناس. ولكن من الممكن أيضاً إساءة استخدامها لفرض أجندات معينة. الأمثلة كثيرة. وكثيراً ما تخلط الخرائط الانتخابية في الولايات المتحدة بين مساحة الأرض وعدد الناخبين، الأمر الذي يؤدي إلى تضخيم شعبية المرشحين الجمهوريين. في العام الماضي، انتشرت على نطاق واسع خريطة مخيفة تعكس حجم السفر الجوي العالمي، حينما اتخذت خطأً لرسم خريطة انتشار عدوى فيروس كورونا. والخرائط التي تدعي أنها تصور مدى حرائق الغابات في أستراليا هي خرائط مبهمة وغامضة على نحو مماثل. وتقديرات أسعار المنازل في مواقع «زيلو» و«ريدفين»، مع مراعاة الخصائص الجغرافية مثل الدوائر المدرسية وعلامات القدرة على المشي، تُربك بائعي المنازل والمشترين على حد سواء، لكونها منخفضة للغاية ومرتفعة للغاية. هذه مجرد أمثلة حديثة. وفي عام 1988، اعترف رسام خرائط سوفياتي بأن جميع الخرائط المتاحة للجمهور في البلاد قد خضعت للتزوير على مدى خمسة عقود - مع أخطاء فادحة في تسمية الأنهار والبلدات أو إزالتها بالكامل - بناء على أوامر من أجهزة الأمن السرية. واليوم، تزدهر تجارة رسم الخرائط الرقمية، وذلك بفضل انتشار الإعلانات ضمن الخرائط. بحلول عام 2023، سوف يكون بوسع «غوغل»، صانع الخريطة الرقمية الأكثر شعبية، تأمين 11 مليار دولار سنوياً من مبيعات الإعلانات على الخرائط في المقام الأول، وغالباً ما تشتمل الاتجاهات من المنزل إلى العمل على إشارات إلى محلات الوجبات في مترو الأنفاق أو مواقع بعض البنوك. وبدلاً من رسم الخرائط بواسطة مجموعة من رسامي الخرائط المحترفين، فإن خرائط اليوم يتم إنتاجها بواسطة الدبلوماسيين، وصناع السياسات، والمسوقين، والمسؤولين التنفيذيين في التكنولوجيا، الذين يحددون البيانات التي تدخل في الخرائط والتي تغطي كل شيء من النزاعات الحدودية إلى توافر الخدمات اللاسلكية والنطاق العريض. والتسويق هو السبب في أن تلك الخرائط الجميلة التي تظهر توافر خدمة الجيل الخامس من شركة «تي موبايل» في جميع أنحاء البلاد هي محض خيالات إلى درجة كبيرة. الخرائط أكثر حيوية بالنسبة للأشياء التي لا يمكننا رؤيتها - من موقع الشعاب المرجانية تحت سطح البحر إلى قوة الإشارات الخلوية وحتى الاختناقات المرورية عبر المدينة. إن الصورة الدائمة للوباء هي صورة أطفال المدارس المحتشدين خارج المكتبات ومحلات «ماكدونالدز» ومقاهي «ستاربكس»، وهم في أمس الحاجة للعثور على إشارة للإنترنت. إن الافتقار لخدمات الإنترنت السريعة والجديرة بالثقة في مناطق واسعة من البلاد، والتي أسفرت عنها المدارس والعمل عن بُعد، جاء نتيجة لعقود من نقص الاستثمار في البنية الأساسية للاتصالات السريعة. غير أن الخرائط هي متهم آخر. فالخرائط التي تخبر الحكومة الفيدرالية بمن يملك إمكانية الوصول إلى خدمة النطاق العريض الخاص بالإنترنت وبأي سرعات، لا يمكن الاعتماد عليها تماماً. وتعتمد الخريطة الرسمية للنطاق العريض الخاصة بلجنة الاتصالات الفيدرالية اعتماداً شبه كامل على ما تكشف عنه شركات خدمات النطاق العريض التي لديها حافز لجعل مناطق تغطيتها تبدو أكثر انتشاراً. وهم يعلنون عن التغطية الشاملة بخدمات النطاق العريض لكتلة سكنية كاملة لمجرد الوصول إلى مسكن واحد فقط داخل تلك المنطقة، والذي يمكن أن يغطي مئات المنازل، أو في بعض الحالات، آلاف الأميال المربعة. تقول جيسيكا روزينورسيل، رئيسة لجنة الاتصالات الفيدرالية بالنيابة: «إن خرائط النطاق العريض لدينا مروعة». وكان المشرعون قد خصصوا نحو 65 مليار دولار لمعالجة قضايا الاتصال بالإنترنت في مشروع قانون البنية التحتية الذي يتخذ طريقه صوب البيت الأبيض. ولدى لجنة الاتصالات الفيدرالية صندوق بقيمة 20 مليار دولار لإنفاقها عبر السنوات العشر المقبلة لمساعدة الشركات في الوصول إلى المناطق الريفية. لكن الحكومة الفيدرالية لا تزال لا تعرف بالضبط أين هي مناطق المشاكل، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الخرائط المعيبة لدى لجنة الاتصالات الفيدرالية. لقد أصابت الخرائط الخاطئة داستن أوغيلفي، خبير الأمن السيبراني، بالذهول، قائلاً إنه أمضى ما يقرب من عامين في البحث عن منزل يشتريه في ضواحي شيكاغو يمكن أن يوفر النطاق الترددي العريض والسرعات العالية، كما وعدت بذلك لجنة الاتصالات الفيدرالية على الإنترنت. وأضاف: «يبدو أن هناك توافراً للخدمات، وعندما تسأل الشركات، يقولون إن هذا غير متوفر. هذا النظام ليس مصمماً للناس العاديين. ولا أرى كيف يمكن توقع استخدام أي شخص له». قد يكون فك رموز خرائط التغطية اللاسلكية أكثر صعوبة من تلك الخاصة بالنطاق العريض. تستخدم شركتا «تي موبايل» و«إيه تي Hند تي» ظلالاً مختلفة من اللون القرنفلي أو الأزرق لتميز خدمة الجيل الخامس لديهما عن عروض الخدمات اللاسلكية الأبطأ. فالخرائط الأميركية المرمزة باللون الأحمر من شركة «فيريزون» تجمع بين خدمة الجيل الخامس المفترضة التي تقدمها على مستوى الدولة مع خدمة «LTE» الأكثر بطأ. اكتشفت لجنة الاتصالات الفيدرالية أن الخريطة اللاسلكية لعام 2020 التي كانت تساعد في توجيه إعانات بقيمة 9 مليارات دولار للدعم هي مليئة بالأخطاء الناتجة عن المبالغة من قبل الشركات لدرجة اضطرار اللجنة لتأخير المشروع - وهذا يشير للعام الثاني على التوالي إلى تأخير الدعم لإصلاح الخريطة. وحتى الآن، فإن الخرائط الأكثر استخداماً هي تلك الموجودة على الهواتف الذكية، حيث تشكل تطبيقات مثل خرائط «غوغل» و«آبل» الآن ضرورة أساسية للانتقالات اليومية. وهي مرخصة لشركات أخرى، مثل «يلب» و«أوبر»، وهذا يعني أن نظرتهم الخاصة للعالم أصبحت أوسع انتشاراً. قال مارك مونمونيه، أستاذ الجغرافيا السابق لدى جامعة سيراكيوز، ومؤلف 20 كتاباً في رسم الخرائط: «من السهل جداً تغيير الخرائط الرقمية والقيام بذلك من دون ملاحظة أحد. هذا يعني، بطرق قليلة أو حتى أكبر، أن نظرتنا للعالم يمكن أن تتغير بين عشية وضحاها». ومع أكثر من مليار مستخدم للخرائط، أصبحت «غوغل» الحكم الرئيسي على أسماء الأماكن في مختلف أنحاء العالم. وهذا يعطيها قوة فريدة لإعادة تصنيف الأحياء وأسماء الشوارع والمعالم من دون رقابة خارجية تُذكر. فقد ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن «غوغل» أطلقت على قسم من وسط مدينة سان فرانسيسكو وصف «المنطقة الشرقية»، الأمر الذي أثار غضب بعض السكان، ولكن بعد ثلاثة أعوام ظل الاسم عالقاً. وظهرت بلدة «أرغلتون» - غير الموجودة - على خريطة «غوغل» الخاصة ببريطانيا قبل أن تقوم الشركة بإلغائها في النهاية. - خدمة «نيويورك تايمز»

مشاركة :