التنمر المباح بذريعة المزاح (1)

  • 10/1/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

كنت أقود سيارتي في أحد الأحياء المتاخمة لمدرسة حكومية، وأشاهد بسعادة مجموعة من الطلاب يترافقون في المسير، يعتلون حقائبهم الثقيلة على ظهورهم الطرية الضعيفة، ويتفرقون تارة على الطريق وتارة يحتشدون. ولا أنسى أن أصرح بأن قلبي رفرف لشدة السعادة بعودتهم للتعليم الوجاهي، وكدت أمضي في سبيلي وابتسامة تغمرني ودعاء. قلت في نفسي قبل أن أكتشف حركاتهم وأنا أتوقف وراء سرب من المركبات، حركاتهم المخيفة وركلاتهم لطالب أمامهم يمشي ويحاول تجنب ضربات أقدامهم. ما شاء الله، إنهم يترافقون كعائلة واحدة، ما أجمل الرفقة في طريق المدرسة. كدت أمضي في سبيلي، لولا استدارة رأسي نحو رفقة الطلاب الذين تبدو لي اعمارهم بين الثالثة عشرة والخامسة عشرة، أصابتني لطشة كهربائية وأنا أركز ناظري جيدا فيما يجري بين الأصحاب. كانت اقدامهم تتناوب على ركل طالب أطول منهم وأكثر نحافة، فاعتقدت في بادىء الأمر أنهم يتمازحون أو (يتلاكشون). لكنني تيقنت أن عمليات الركل والضرب والإزاحة شمالا يمينا، تطورت إلى خبط الحقائب على رأسه، وكلما حاول حماية قفاه لا يتمكن من حماية رأسه. بالطبع لم أصدق عيني أبدا، فهل أنا في مسرح حقيقي اسمه، (التنمر الطلابي) وهل أنا في مسرح مرئي ومسموع ومفتوح على الملأ اسمه (التنمر والاستضعاف) ام في مسرح التنمر (الاستقوائي)؟. أدركت أن الطالب وحيد بينهم، لا معين ولا زميل ولا صديق ولا رفيق (يفزع) له بينهم، وتأكدت عن بعد وأنا أقف أحاول قطع الشارع لأصل إلى (مسرح الرعب والعنف الخطر) من خلال تناهشهم لجسده، بأنه لا يتمكن من الفرار، فكلما أسرع (ليمزط) دون صراخ بروحه وجسده منهم، أعادوه بالحقائب المخبوطة على كتفيه ورأسه (والشلاليت). أوقفت سيارتي في زاوية مناسبة ونزلت. ارتفعت درجة خطواتي باتجاههم وأنا أصيح: أخوكم يا شباب.. أخوكم يا حبايب.. أخوكم!. كان المشاة ينظرون إلي في شارع المدرسة الواقعة في أحد أحياء عمان، وهم في حالة استغراب واندهاش من تدخلي، وكأن خشبة مسرح الجريمة معتاد عليه الحضور والجمهور. المهم.. التحمت بمجموعة الطلاب واقتربت من الفتى ففوجئت بعرقه يمتزج مع دموعه الصامتة. وعرفت اسمه، وفهمت بعبقريتي الخاصة من خلال متابعتي للمسرح العنيف، أنهم يختارون ضحية من بينهم أو من طلاب منفردين في المدرسة، يتمحكون بالضحية أولا ويستفزونها، ثم يتنمرون بعنف لا يدرون مآلاته. والدليل أن الطالب كان مستهدفا من المجموعة دون رأفة أو أخلاق تربوية أو مشاعر، فكل ما يفكرون به التمرد والتنمر والاستقواء وإثبات الفتوات. رفعت صوتي والفتى يلهث متعبا والأذى والعنف والاستقواء قد هد حيله. لم أجرؤ حرصا على الفتى وعلى نفسي من البهدلة، على توجيه أية عبارة قاسية سوى: أخوكم، هيك بتعملوا بأخوكم وزميلكم؟ يا شباب، إنتو في نفس الصف؟. قالوا بصوت واحد وأنا أبعدهم عن حازم بهدوء، ووجع: لا تخافي خالتو احنا خالتو بنمزح. سألتهم وأنا أقف مثل الأم الصابرة الجبارة الكاظمة للغضب: بأي صف أنتم يا شباب يا حلوين؟. قالوا بصوت موحد جميل: في السابع. اقتربت من أحدهم وأنا أضع كفي على كتف الطالب المستهدف: والأخرى على كتفه، والطلاب يهدأون هدوء ما بعد العاصفة: هل أنتم زملاء في نفس الصف يا شباب؟. قالوا: نعم كلنا في الصف السابع. قالوا : نعم كلنا في الصف السابع. الدستور

مشاركة :