حين تلتقي الحضارة بالحضارة، والتراث بالتراث، والأدب بالأدب، والعلم بالعلم. حين يلتقي دجلة والفرات بالخليج العربي والبحر الأحمر، وتلتقي عشتار ملوك كندة، وبابل مدائن صالح، تلتقي المملكة العربية السعودية بالعراق تحت ظل بانوراما الكتاب في احتفال ثقافي يستحضر كل رموز التاريخ والعلم والأدب، ويختصر السنوات العظيمة التي حملتها كتب التاريخ في بطونها ليطرحها عبر معرض الرياض الدولي للكتاب الذي يستضيف هذا العام الجمهوربة العراقية بكل ثقلها التاريخي والثقافي والمعرفي والعلمي. رحب المثقفون السعوديون بهذه الاستضافة واعتبروها خطوة مهمة نحو تعزيز التعاون الثقافي بين البلدين وأكدوا على أن مثل هذه الخطوة تعزز التواصل بين ثقافات الشعوب العربية وتحقق التقارب وتعمق التواصل فالثقافة هي البوابة التي يعبر منها النور ليضيء المساحات في العوالم المشتركة لين البلدان العربية. كما رحب المثقفون العراقيون بالمقابل في تصريحاتهم لليمامة بهذه الخطوة المهمة على مسار عودة العراق لملء المكانة التي تليق بإرثه الحضاري والثقافي، وعودة العراق إلى لحضن العربي من جديد. الناقد والأكاديمي د. أحمد مهدي الزبيدي رئيس تحرير مجلة الأديب العراقية يرى أن في مشاركة العراق كضيف شرف على معرض الرياض للكتاب إحياء لميراث الأجداد واستعرض الصلات المتناغمة والتاريخ المشترك قائلا: أن يكون العراق ضيف شرف لمعرض الرياض للكتاب هو ( إحياء) لميراث الأخوة الأجداد!! فـ(نَجْد) التي أسست أوّل معرض للكتاب ( عكاظ) في الجاهلية قد تناغمت معها البصرة في تأسيس أول معرض للكتاب ( المربد ) في الإسلام .. في هذين المعرضين بدأ التأسيس لعمود الشعر العربي وللأحكام النقدية حتى أصبحت حاكمة ومتحكمة في النقدية العربية قرونًا تلو القرون، بل حتى حينما أعلن الشعر تمرده على تلك القوانين والأحكام لم يخرج عن انتاج بضاعته خارج منطقة أحد ( السوقيْن) فاختار ( السياب ) عن ( البصرة ) عن ( المربد ) .. لا شيء يخصّ الشعر في قوانينه وتحولاته خارج هذين المعرضين.. ولعلك تظن أن الأجداد الأحفاد كانوا أكثر صلة رحم وتراحم بينهما _ ثقافيًّا _ من أحفادهما .. لعلك تظن!.. حدثني الشاعر عارف الساعدي أن في مهرجان أثير للشعر العربي في مسقط وفي إحدى جلساته النقدية عام ( 2015م) سئل الناقد السعودي سعيد السريحي عن سبب ضعف الوهج النقدي العربي في الحديث عن ( الحداثة ) فأجاب : ( منذ أن توقفت مجلة الأقلام توقفنا عن متابعة أهم ما يكتب عن الحداثة .. الأقلام هي من تعلمنا الحداثة !!) وهي مجلة تصدر عن دار الشؤون الثقافية في بغداد منذ مطلع ستينيات القران الماضي؛ ولا أظنك ستندهش لو أخبرتك بأن النقاد العراقيين المعاصرين إن كانوا فرادًا أو جماعة لا يملّون عن ذكر الناقد عبد الله الغذامي وربما مازالوا يحاولون إصدار الفتاوى النقدية حول ( الخطيئة والتكفير )؛ وإذا كان السياب البصري رائد الشعر الحر فإن الغذامي النجدي رائد النقد الثقافي الذي غيّر وجهة النقد العربي كما غير السياب شعريته .. ألم أخبركم بأن الأحفاد ما زالوا ورثة للأجداد ؟ إن ( فصائل الدم ) المتشابهة والمتوارثة: اجتماعيًّا وعرقيًّا ودينيًّا وثقافيًّا وإبداعيًّا من أهم الروابط المحفّزة لإعادة لقاء الأخوة على مائدة ( خير جليس ) حيث خير الزاد الذي يقدّم لضيوف المعرض وروّاده.. وحول أهمية حضور العراق عربيا في مثل هذه الفعاليات وتوقعات عودته لملء المكانة التي تليق بإرثه الثقافي والحضاري يواصل د. أحمد الزبيدي تصريحه لليمامة قائلا: لاشك في أن من أكثر الآفات فتكًا بالمعرفة والإبداع الجمالي هي آفة الإيديولوجيا بمختلف مستوياتها وتنوعاتها.. وهي نفسها الآفة التي أكلت الكثير من جرف الثقافة العراقية قبل أن تأكل من جسد غيرها .. فمع المتغيرات الإيديولوجية نجد متغيرات ثقافية تتناسق مع السلطة ولكن مهما كانت المهيمنات السلطوية غارقة في القوّة فإنها لا يمكن أن تكون سيّدة كبرى للعقل الذي لا يهدأ عن التفكير والتمرد والبحث عن الحقيقة .. أعني العقل الفاعل القادر على مشاكسة الركود والسبات ومن هنا فإن التحولات الثقافية إنما تبدأ بجرأة عقلية على الموروث ! وعليه فعلاقة المثقف العراقي بشقيقه المثقف العربي لا يمكن أن تتسيّدها الضواغط السياسية والإيديولوجية ولربما كانت ثنائية العلاقة بين المثقفين: العراقي والعربي على المستوى الإيديولوجي هي علاقة ( ذات _آخر ) إلا أنها في ظل الفضاء المعرفي والثقافي والإبداعي هي علاقة مشابهة ومماثلة ! فآصالتهم اللغوية لا تتخلى عن الأصمعي والفراهيدي وابن جنّي ... وتسامرهم الشعري لا يستغني عن ذكر امرئ القيس وعمر بن أبي ربيعة وأبي نواس والمتنبي .. وجدلهم المعرفي لا يغفل عن ذكر الجاحظ وابن حيان والمبرد.. وكل هؤلاء قد وطأت أقدامهم أرض أحد المعرضين؛ واليوم تمشي على إيقاعها أقدام الأحفاد . ولا أشك في عودة العراق _ ولكن أشك في قربها _ إلى رفعة مكانته العربية غير أنه شبه اليقين يندفع من تفاؤل ودعوة للمثقف نفسه أن يكون أول المبادرين في صناعة العودة إلى المثاقفة الموعودة! حول الاستضافة قال رئيس مجلس إدارة الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، والرئيس التنفيذي للمسرح الوطني في المملكة عبد العزيز السماعيل ، معرباً عن ابتهاجه: (لنبتهج بعودة العراق إلينا.. إلى حضنه العربي ثقافيا واجتماعيا وفنيا، وهو الذي لم يغب وجدانيا عنا طوال فراقه القسري خلال السنوات الطويلة التي مضت وهو غارق للأسف في الحروب والويلات التي حلت عليه، لنحتفل بحضور العراق في معرضنا المتجدد للكتاب أيضا كأول الضيوف في دورته المتجددة الأولى في حضن وزارة الثقافة، وفي مرحلة التطور والتقدم التي تعيشها المملكة في ضل رؤيتها 2030، وليكن أساس البهجة والاحتفال بان الثقافة جسر لا يمكن هدمه والتعالي عليه مهما طال الزمن، نقول ذلك ونحن نعلم بأن في العراق سياسات لا تتمنى العودة العربية للعراق، فهم لم يفهموا بأن العراق ليس مجرد دولة مجاورة أو دولة عربية شقيقة، فبغداد حاضرة الخلافة الإسلامية وعاصمة الدولة العربية الإسلامية في اوج قوتها وازدهارها، بغداد هي حاضنة الكندي وابن حيان والرازي والخليل بن احمد وأبو نواس وأبو حنيفة..... الخ ولم تكن يوما إلا بلاد حضارة عريقة رائدة منذ أن علم العالم السومريين الكتابة والآشوريين والبابليين وحتى ناظم الغزالي وزهور حسين وبدر شاكر السياب.. إلخ. لذلك كله عندما نكون في المملكة العربية السعودية مع العراق والعراقيين في مكان واحد نكون في حضرة اللغة والتاريخ والدين والجغرافيا، نكون في المكان الصحيح والزمن الصحيح حتى وإن عز اللقاء في زمن أغبر قد مر وكوى الجميع بناره وحروبه. فشكرا لوزارة الثقافة باختيارها العراق ضيف هذه الدورة وعلمها، فأهلا بالعراق وكتابه وكتبه ومكتباته وبالمثقفين منه وكل العراقيين في بلدهم الثاني بين إخوتهم واشقائهم في معرض الكتاب الدولي بالرياض وفيما بعده بإذن الله). أ.ناجح المعموري رئيس اتحاد الأدباء والكتاب بالعراق عبر عن سعادته قائلا: فرصة سعيدة أن نلتقي ونتحدث عن مشاركة بغداد من المؤكد حضور بغداد في هذا المعرض واعتبار العراق ضيف الشرف الأساسي أو الجوهري يثير اهتمام الأوساط الثقافية ودور النشر بشكل عام وواسع، لأن بغداد تأخذ شيئا مهما وأساسيا من ماضيها الذي ما زال حتى الآن فاعلا في حاضرها وممتدا لمستقبلها. نحن نشعر بأن ما تم منحه لبغداد وللحركة الثقافية العراقية يمثل تجربة رائدة ومهمة ونحن نتفاعل معها بشكل إيجابي واضح وكبير، وأنا لدي معلومة ممتازة لأني ساهمت في السنوات الماضية بمهرجان الجنادرية وكان لنا حضور كاتحاد أدباء مثير ومهم ومتميز وتشكلت لدينا صورة عن تنوعات الحركة الثقافية والعقليات المتباينة ثقافيا ومعرفيا والتميز خصوصا في المنطقة الشرقية. نحن نعتقد بأنه ليس الحضور الثقافي هو الذي يتمتع بالدور الضاغط من أجل إعادة بغداد للفضاء العربي وإنما الدور الأساسي للحكومات والممالك، أما دور اتحاد الأدباء فأنا واثق مثلما تعرفون بأن اتحاد الأدباء واحد من أهم المنظمات الثقافية التي تشكلت وانبثقت بوقت مبكر منذ عام ١٩٥٩ وما زال فاعلا ومؤثرا لكنني الآن بوصفي رئيسا لاتحاد الأدباء أتحدث عن الدورة الآن، والدورة السابقة، التي شهدت شكلا من أشكال البرامج الثقافية والمعرفية المتنوعة والمتعددة كما دخل الاتحاد في مشروع النشر والتعضيد والطباعة وأيضا دعم مشاريع الأدباء العراقيين الموجودين في الخارج والمنافي. ونحن على ثقة تامة بأن وجود المثقفين العراقيين والمشاركة الأساسية والجوهرية في الفعاليات الثقافية التي دخل الاتحاد طرفا مهما وجوهريا فيها سيحرك الحوارات ولن يكتفي بتقديم القراءات الشعرية فنحن أكثر ميلا للحوار الثقافي وللتباين والاختلاف لأن هذه الحوارات الثقافية التي تفضي بنا إلى أن نعمق الحوارات ونكرس التباينات لأنها تفضي بنا لاحقا إلى ما هو مطلوب وما هو إيجابي. وبودي أيضا الإشارة إلى أن حضور المثقفين العراقيين أرجو أن لا يتكرس على العاصمة الرياض، فهناك محافظات أساسية ومهمة وأعني بها الشرقية، نتمنى أن يكون لممثلي الثقافة العراقية تناوبات لإقامة فعاليات في القراءت الشعرية أو الحوارية مع أدباء موجودين في المنطقة الشرقية. وأضاف المعموري مشيدا بتحولات الاجتماعية في المملكة العربية السعودية في مجال الثقافة والفنون قائلا: نحن سعداء بهذه المبادرة التي جاءت من قبل المملكة ونحن أكثر سعادة لأن المملكة الآن دخلت في تجربة مدينية جديدة وأعني بها تجربة التحديث الذي شمل الحياة الاجتماعية بتنوعاتها، الثقافة، والفن والسينما. وعندي هذه ظاهرة مهمة كبيرة ونحن نغذيها وندعم مثل هذه التحولات لأنها ستكرس أنماط جديدة في الحياة الاجتماعية والسياسية والفنية والثقافية. وصرح الدكتور عبدالله الغذامي الذي خول دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد بطباعة ماتشاء من مؤلفاته دون مقابل مادي إعرابا عن ترحيبه الكبير للفكرة التي طرحها الدكتور عارف الساعدي مدير دائرة الشؤون الثقافية حول مسألة النشر العربي المشترك : العراق هو ذاكرة التدوين التي دونت الثقافة العربية وحولتها من رؤوس الرواة إلى بطون الكتب ، ونتدكر هنا كلمة أبي عبيدة : ( لم يأتكم من شعر العرب إلا أقله ولو جاءكم كاملاً لجاءكم علمٌ وشعرٌ كثير) ، ولنفترض أن العراق لم يتخذ قرار التدوين في فترة سبقت فوات الأوان بقليل ، فهل سيبقى لنا ذاكرةٌ إذن ، وهل سيظل صبا نجد يهب على الشاعر الأندلسي في أندلسه وهل ستظل زرقاء اليمامة وليلى العامرية ومجنونها معنا حتى اليوم ....!؟ هذا هو العراق الذي يحل علينا ضيفاً في معرض الكتب ، وهنا ستشعر الكتب أن خدنها الأول جاء يسلم عليها ، وستكون حفلةٌ من الوصل والبر وتمتيع البصر بكحل المعرفة وجميل المعاني وحبر عرق الجبين البصري والكوفي والبغدادي ، حيث يتبغدد بين أهله ومحبيه إذ يقف في اليمامة تحييه زرقاؤها وتمطر عليه العامرية ورد التوباد وعطر قيس الذي ادخره عندها لتعطر به ضيوف الدار ، هي داركم أيها العراقيون وأنتم أهل الدار التي تعرفكم لتفتح لكم دواوين الزمن الذي كتب ذاكرتنا من أعماق نجد إلى سواد العراق ، هذه حفلة للتاريخ وللذاكرة وهي بوابة للمستقبل يجمع أجنحة العرب وقلوبهم في جسد معنوي وروحي واحد. الدكتور أحمد العلياوي المدير العام لدار الكتب والوثائق والمخطوطات بوزارة الثقافة والسياحة والآثار ببغداد أكد على أهمية هذه المشاركة بالنسبة للعراق قائلا: المشاركة التي نروم تحققها هي مشاركة أساسية ومهمة بالنسبة لنا، وبالنسبة لبيئتنا ومحيطنا العربي الذي نأمل أن يطلع على أعمال ونتاج وزارة الثقافة والسياحة والآثار في العراق. هذه الوزارة وزارة مهمة وفاعلة منذ عقود من الزمن .أسهمت في انتاج المعرفة العربية وحتى الأجنبية عبر مجموعة من الدوائر المرتبطة بها على مستوى الثقافة، على مستوى السياحة، وعلى مستوى الآثار. نريد لهذه الوزارة في مشاركتها في المملكة العربية السعودية بما لهذا المعرض من أهمية ومن حضور عربي وغير عربي أن يلتفت الأعزاء إلى العراق، إلى قيمة ما هو موجود في هذا البلد من معرفة ومن منتج ثقافي ومن قيمة على مستوى السياحة وعلى مستوى الآثار، العراق بلد آثاري متنوع، نريد للجميع أن يطلع وأن يقرأ وأن يعرف في هذا المعرض عن مشاركات العراق، لا سيما وأن الوفد العراقي سيتضمن مجموعة من الأدباء والمفكرين والشعراء والموسيقيين، والممثلين، هؤلاء جميعا يسعون إلى إظهار وجه مشرق لهذا البلد الذي يعد بلدا أساسيا في المنطقة وله آثاره المعرفية والثقافية ونأمل أن يكون هذا المعرض جسرا للقاء وفرصة لتبادل المواهب والمعارف ولبيان صورة العراق بعد ٢٠٠٣، وما تعرض له العراق من حروب وصراعات. أما فيما يرتبط بمشاركة دار المخطوطات في المعرض فواصل العلياوي قائلا: دار المخطوطات العراقية من أهم المراكز المعنية بالمخطوطات. هذه الدار التي تأسست في العام ١٩٤٠. ترتبط بالهيئة العامة للآثار والتراث وهي منضوية تحت وزارة الثقافة والسياحة والآثار في العراق. الدار تضم سبعة وأربعين ألف مخطوطة، هذه المخطوطات تعد من النفائس والنوادر، نريد أيضا أن نقدم في جناح مخطوطاتنا العراقية مجموعة من مصورات هذه المخطوطات التي تمثل ثقافة أساسية في مجال المخطوطات، على مستوى المعرفة، على مستوى الخط العربي وعلى مستوى تاريخ التأليف لدى العرب نأمل أن يكون هذا الجناح جناحا معرفا ومؤثرا في معرض الرياض إن شاء الله، وأن يكون أيضا نافذة لكل المحققين والذين يعنون بدراسات التحقيق فضلا عن أن هذه فرصة أيضا ليطلع جميع الحاضرين على ما حوته هذه المخطوطات من إمكانيات جمالية ومعرفية، فسيقدم جناح دار المخطوطات مجموعة من المخطوطات من النفائس ليطلع عليها الأعزاء كما ذكرت قبل قليل، فضلا عن إمكانية فرصة التعاون مع المفكرين، الباحثين مع الجامعات، مع مراكز البحث والتحقيق في المملكة العربية السعودية إن شاء الله تعالى. تحياتي لكم وكل الشكر. وعلق الشاعر و الناقد والشاعر السعودي محمد الحرز قائلا: (ثمة حقيقة لا يمكن إغفالها تتعلق بوظيفة الثقافة عند المجتمعات العربية بالخصوص ، ألا وهي امتيازها بالوحدة ضمن إطار من التنوع ، وهذا ما يعطي للدور الذي تقوم الثقافة من أهمية قصوى لما يمكن أن تؤديه على مستوى الاجتماع والسياسة والاقتصاد أيضا. هذه الوظيفة للثقافة هي آخر مصدات لنا كمجتمعات عربية أفرادا وجماعات نراهن عليها للوصول إلى حالة من القيم الكبرى التي امتازت بها تاريخيا الشخصية العربية الاعتبارية من قبيل : الإرادة الخيرة، التسامح ، المحبة ، الكرم ..الخ. لا للوصول بها بعد انقطاع ، وإنما لتجديد مياهها ، لاسيما وأن المنطقة العربية تمر بحالة من الكوارث المتتابعة، لا على مستوى السياسي فقط وإنما على المستوى الاقتصادي والعلمي والتربوي وأيضا الأخلاقي. ضمن هذا السياق لا يبقى لنا سوى الرهان على الثقافة كي تؤدي وظيفة وصل ما انقطع بين أبناء المجتمع العربي ، ومعرض الرياض للكتاب فرصة كبيرة للإعلاء من شأن الحوارات الثقافية بشتى صورها بعيدا عن قضايا السياسة وتشنجاتها ، فالعراق البلد الضيف على السعودية ، لن يكون ضيفا ،إنه عمق التاريخ العربي الإسلامي ، إنه الجذر الممتد إلى أرض الجزيرة العربية . لذلك لا غرابة أن تكون أرض السعودية هي أرض العراق ، وأرض العراق هي أرض السعودية.) وتضيف أستاذة الأدب والنقد المشاركة بجامعة الملك سعود، د.ميساء الخواجا: (تستضيف المملكة العراق ضيف شرف في معرض الرياض الدولي للكتاب، ولا يخفى على كل مهتم بالثقافة ومتابع لها أهمية هذه الخطوة، فالعراق يأتي محملا بتاريخه القديم والعظيم، منذ الملاحم الأولى وبحث جلجامش الأزلي عن الخلود مروراً بتاريخه الثقافي والفكري الذي يصعب تجاوزه. لقد قدم العراق للأدب والثقافة ما لا يمكن تجاوزه، فعند الحديث عن الحركة الأدبية لا يمكن أن ننسى المتنبي الذي يمكن أن يعد أحد أعظم من أنجبتهم العربية ، وهل يمكن تجاوز الجاحظ في تاريخ الأدب العربي؟ وحديثا يمكن الوقوف عند الجواهري والزهاوي والرصافي، ولا يمكن تجاوز بدر شاكر السياب ونازك الملائكة والبياتي وسعدي يوسف وعدنان الصائغ وعبد الرزاق الربيعي وغيرهم. لا يمكن أيضا نسيان التكرلي وغائب طعمة فرمان وغيرهم الكثير . للعراق تأثيره المهم في الحركة الثقافية إبداعاً ونشراً ، وكم قرأنا عن دور مدرستي الكوفة والبصرة في دراسة النحو العربي ودور حركات الفكر والترجمة التي كان لها دور لا ينسى في إثراء الفكر العربي والأوروبي على حد سواء. هي أشياء لا تحصى لكنها تقول إن العراق بلد غني بفكره وثقافته ، وعندما تستضيفه المملكة بتاريخها الحضاري والفكري فإن ذلك سيسهم بلا شك في إثراء الحركة الثقافية والفكرية العربية . وحتى يستمر هذا الثراء فإني أرى أن التفاعل ينبغي أن لا يقف عند معرض الكتاب فقط ، فالحركة الأدبية والثقافية في المملكة غنية جدا حيث أسهمت في تقديم عدد من الأدباء الذين حققوا حضورهم الفاعل عربيا ودوليا ، وقد فاز عدد من الروائيين في المملكة بجوائز عالمية مثل البوكر في نسختها العربية وجائزة نجيب محفوظ وغيرها . كما تشهد المملكة نشاطا ثقافيا عظيما ترفده رؤية 2030 وتدعمه وزارة الثقافة التي يترأسها سمو الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان آل سعود . هذه الحركة الثقافية الكبيرة يمكن أن تعقد فيها شراكات ثقافية مع مؤسسات ثقافية في العراق ، يمكن أيضا تحقيق بعض أشكال التوأمة بين دور نشر عراقية وأخرى سعودية ، كما يمكن إقامة مهرجانات ثقافية مشتركة، وندوات تفاعلية وحضورية بين البلدين. وعلى مستوى الجامعات يمكن أيضا تبادل الخبرات على مستويات عدة .إن معرض الكتاب ، فيما أرى، هو بداية لتفاعل ثقافي حقيقي بين السعودية والعراق لما يملكه البلدان من إرث حضاري وفكري عميق، وحركة ثقافية غنية. والبدايات يمكن ان تكون واعدة وخطوة مهمة نحو إنجازات مستقبلية يدعمها التخطيط والرؤية مما يزيد في ثراء المشهد العربي الثقافي حاضرا ومستقبلاً.) الشاعر والأديب عمر السراي الناطق الإعلامي لاتحاد أدباء العراق علق على مشاركة وحضور بغداد كضيف شرف لمعرض الرياض للكتاب قائلا: المشاركة أمر يبعث على السرور، فمعرض الرياض من المعارض المهمة، كونه ينفتح على جمهور متعدد الثقافات، وقارئ ومعني بالجمال، فضلا عن سعة رقعة التواصل مع شعب معطاء.. ومن الجميل أن الفعاليات المرافقة والساندة للمعرض ستكون حاضرة، وذلك ما سيجعل من المعرض بوابة لتلاقح الأفكار، والتشارك في صناعة رؤى ثقافية تخدم الأدب العربي. وحول الخطط التثاقفية بين اتحاد الأدباء والكتاب بالعراق والمملكة العربية السعودية تابع السراي قائلا : الأمل معقود على توطيد العلاقات الثقافية عن طريق بوابة الاتحاد والمؤسسات الثقافية السعودية، فعملية استضافة التجارب الأدبية المتبادلة في السابق، في المهرجانان لا أظنها تكفي الآن.. وضرورة السعي للانتقال الى نقطة جديدة، تقوم على تبادل الطباعة والنشر، والمشروعات المشتركة في اصدار المجلات والصحف، والتصدي لاستراتيجية ناجعة تقوم على تبني توجه رائد في الترجمة، وعقد الاسابيع الثقافية، والمعايشة المشتركة، وفتح النوافذ المتبادلة كتمثيليات ثقافية دائمة. اتحاد أدباء العراق يتمنى ذلك، وأظن ان اللقاء في المعرض سيوفر فرصة ذهبية لتفعيل هذا المشروع وتنظيم فقراته والانطلاق نحو تحقيقه. وعن مطبوعات الاتحاد وأهم العناوين التي ستشارك في المعرض، تابع السراي قائلا: سيشارك الاتحاد بمطبوعاته الحديثة لعامي ٢٠٢٠ و٢٠٢١ وهي ما تقارب ٢٠٠ كتاب جديد في الشعر والقصة والرواية والنقد والفكر، فضلا عن مجلاته بأعداها الصادرة في السنتين المذكورتين، بما يقارب ٢٠ عدداً، وتجيء المشاركة بالمطبوعات الحديثة، لإيصال الصوت المعاصر والحديث للقارئ العربي، فضلا عن أبرز الرؤى الأدبية الحديثة التي يتبنّاها الكاتب العراقي، لإيصالها إلى الجمهور الساعي للقراءة والبحث والعلم والكتابة.. سيطل الاتحاد عن طريق بوابة منشوراته بحلّة قشيبة تليق بمعرض الرياض، والأشقاء السعوديين الكرام، ونأمل لهذه الفعاليات بالاستمرار والتصاعد والاستمرار. وأشار الكاتب السعودي محمد محفوظ حول آفاق العلاقات الثقافية بين المملكة والعراق، فقال: (العلاقات بين الدول التي تملك عمق تاريخي وحضاري قديم، ينبغي الاهتمام بتطوير العلاقة بين هذه الدول وتوفير كل أسباب الديمومة والاستمرار. وهذا لا يتأتى إلا بتطوير الحياة الثقافية والأدبية بين هذين البلدين. وحسناً فعلت المملكة حينما قررت أن يكون ضيف المعرض الدولي للكتاب لهذا العام، هو العراق، بوصف العراق يمتلك مخزوناً ثقافياً وأدبياً هائلاً. وأحسب أن العلاقات بين الدول، هي الوسيلة المتاحة لإبراز هذا المخزون الثقافي والأدبي والفني. وهذا بطبيعة الحال يفتح المجال واسعاً لتطوير العلاقات الثقافية والأدبية والفنية بين المملكة والعراق. وكلا البلدين يمتلكا تراثا ثقافي وأدبيا وفنيا هائلا ومتنوع. واللحظة الراهنة تعكس مستوى التراث الثقافي والأدبي والفني في المملكة والعراق. وأدعو في هذا السياق المملكة والعراق لخلق رؤية ومشروعها الوطني الذي يستهدف تطوير الحياة الثقافية والأدبية والفنية في المملكة والعراق. وأحسب أن ثمة خطوات عملية تعزز العلاقة الثقافية بين المملكة والعراق. ومنها : 1- تطوير التبادل الثقافي والأدبي والفني في العلاقة بين البلدين. لأن التبادل الثقافي هي الوسيلة الممكنة لإبراز الجوانب الثقافية والأدبية بين البلدين. 2- تعزيز العلاقات الثقافية والأدبية بين المؤسسات الثقافية والأدبية في كلا البلدين، لأن هذا التعزيز يفتح بشكل عملي ممكنات وآفاق العلاقات الثقافية والأدبية في المملكة والعراق معا. 3- فتح المجال للتعاون بين مختلف المثقفين والأدباء لإبراز الجوانب المشتركة بين البلدين. ولاريب أن اختيار العراق كضيف في معرض الرياض للكتاب، هي خطوة ومبادرة عملية قامت بها المملكة ونتطلع أن تسند هذه الخطوة بخطوات ومبادرات عملية تستهدف تطوير العلاقات الثقافية والأدبية والفنية بين المملكة والعراق).
مشاركة :