الفن في مدارسنا - مهـا محمد الشريف

  • 10/29/2015
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

ليس الفن هو الذي يحاكي الطبيعة، بل الطبيعة هي التي تحاكي الفن، فالطبيعة لا تظهر إلا بقدر ما يراها الإنسان، لكن رؤية الإنسان لها متأثرة بالفن، هذا ما يحدث مثلا عندما نقول عن منظر طبيعي ما إنه لوحة فنية، ينتج عن ذلك أن "الفن ليس جميلا مقارنة بالطبيعة، بل الطبيعة جميلة مقارنة بالفن،" من وجهة نظر أوسكار وايلد. والنفس البشرية تجذبها الطبيعة وكل ما يعبر عنها من فنون سواء أكانت مرسومة أم مصورة فهذا التفاعل يساعد على تطهير النفس من المشاعر السلبية، ويرفع من قيمة محاكاة جمال الطبيعة، ويوقظ المشاعر الخاملة، فإن أكثر ما يجذب السياح في الميادين الكبيرة والشهيرة عروض الفنانين ولوحاتهم على جانبي الساحات ففي داخل الأرواح مضمون حسي، يغذي الوعي بالتناغم مع الحياة والمقتنيات الجمالية فيها، وعندما نكتب عن قيمة الفن فإننا لا نعني به الإسفاف الذي يُعرض على الشاشات. ومن بين الأمور التي يتحدث عنها المجتمع مسألة السعادة اليوم فالسعادة فن التعامل معه حسي ووجداني، وكيف يتم إشباع هذه الحاجات في حياة البشر بالمقابل التقنية الحديثة والعلم أصبحا يمثلان سببا من أسباب شقاء الإنسان المعاصر، ففي المشاهد والعروض المقدمة عبارة عن منظومة متكررة من البرامج التي كُتب عليها "شاهد كيف تسوء الأمور قبل أن تتحسن" والأثر الذي تتركه مراوحة بين الألم والملل فما يضيرنا لو استبدلنا العبارة ب "شاهد كيف تتحسن الأمور قبل أن تسوء". فالسعادة اليوم ارتبطت بالسياسة والاقتصاد والاستهلاك ولكنها لم تجد تسويقا جيدا على اعتبار أنها شأن عام وليست شأنا شخصيا، وانعكاس الموجود الاجتماعي قد عمم هذه المسألة، فلم يعد سائدا في أغلب التجمعات أو المناسبات إلا خلطٌ بين السياسة والاقتصاد، وشأن يفضي إلى انتصار في معركة أو هزيمة. فمهما كانت طبيعة الظروف الاجتماعية والبيئة التعليمية فعلى الكل الاستعانة بنظرية الأخلاق القديمة التي تحقق معنى السعادة والجماليات التي تحيط بها فهو أمر جدير بالاعتبار، ولا يمكننا التوقف عند كثير يؤمن بأن السعادة تتماهى مع الرفاه، والأخلاق وهي مجرد وسيلة شكلية، فإذا كان العمل على إشباع حاجات الشباب للمعرفة بمختلف مجالاتها فهو يثمر عن تناسق الأشياء وتناغمها وعلاقتها بالفنون والثقافة وتعزيز روح التذوق الفني لأن الفن متحرر من قيود المنفعة وفي ملامحه إشراقة سعادة. إذ يجب أن يكون مسبوقاً بفكر الفرد، وعليه التخيل والابتكار والتعبير عن ذاته وعن الصناعة الفكرية لأنه يتعلم وفق قواعد تقوم على الموهبة، باتباع أساليب البحث والدراسة والتقييم والمتابعة للتعرف على الاحتياجات المتجددة فى مجالات الإبداع الفني للشباب، ويبقى شكلاً من أشكال التعبير وأسمى حاجات الفكر التي تنتج أشكالاً قادرة على أن تستبدل القبح بالجمال، وتكسب اللوحات الباهته روحاً نابضة بالألوان. والشيء بالشيء يذكر، إذا قلنا إن النهج التربوي والثقافي والاجتماعي تعتمد صيغته النهائية على السلوك، والنشاطات الفنية معرفية وإدراكية وأيضاً محتويات، هذا وقد قدم مجموعة من أساتذة جامعة السليمانية في إقليم كردستان بحثاً حول التربية الفنية فكانت أولى مراحله تركز على نمو عقلية مختلفة ووجدانية للطالب، ولغة خاصة للتعبير عن أحاسيسه ومشاعره وأفكاره وحاجاته بمرونة، كما تزرع في نفسه روح الاكتشاف والابتكارات، فضلاً عن تهذيب الذوق العام والانتاج الخلاق، بشرط تأهيل المعلم تأهيلا علميا يزخر بمعلومات ثقافية عن تاريخ الفن والتذوق الفني على اعتبار أن المادة تربوية وتثقيفية ومهنية وجمالية وأدبية.

مشاركة :