أزمة رواتب موظفي الدولة التي حذّر منها وزير المال علي حسن خليل منذ مطلع السنة باتت الآن حقيقة قائمة، وهي لامست المحظور في ظلّ إعلان وزارة المال عجزها عن دفع رواتبهم الشهرية التي كان مقررًا أن يقبضوها أمس، بعد تعطيل المجلس النيابي وشلّ مجلس الوزراء دون إقرار القوانين والمراسيم التي تجيز للمالية صرف رواتب موظفي القطاع العام. وفي وقت تحدثت معلومات عن بلبلة سادت أوساط الجيش وقوى الأمن الداخلي والمؤسسات الأمنية الأخرى، أبسبب عدم تحويل رواتبهم المستحقة لشهر أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، التي كانوا يتقاضونها عادة في 28 من كل شهر، أوضح مصدر أمني لـ«الشرق الأوسط»، أن «الدوائر الإدارية في المؤسسات الأمنية لم تبلّغ رسميًا قرارًا بعدم دفع الرواتب لهذا الشهر»، لافتًا إلى أن «الأمور لا تتعدى إطار المعلومات المتواترة، التي تقلق إلى حدّ ما موظفي الأسلاك الأمنية والعسكرية الذين يرزحون كغيرهم من المواطنين تحت أعباء الضائقة الاقتصادية والمعيشية الصعبة». وقال المصدر الأمني: «الأمور رهن تحويل الرواتب خلال اليومين المقبلين (اليوم وغدًا)، وأعتقد أن الحكومة قادرة على إيجاد المخارج القانونية لدفع الرواتب، لكن في حال ثبت أن المشكلة مستعصية، ووجد الموظفون أنفسهم من دون رواتب ستكون هناك مشكلة، خصوصًا وأننا في مطلع العام الدراسي والكل لديه التزامات لا يستطيع تأجيلها»، مؤكدًا أن «حرمان الموظفين من رواتبهم سيؤثر على معنوياتهم، لكن لا يعني أنهم سيعتكفون عن عملهم أو وظائفهم». هذه الأزمة عمّقت مأزق حكومة الرئيس تمام سلام العاجزة عن الاجتماع واتخاذ القرارات، وفتحت البلاد على أزمة جديدة، بالتأكيد ستكون تداعياتها أخطر بكثير من الأزمة السياسية ومشكلة النفايات التي تغرق بها الشوارع مع كل عاصفة أمطار. ويطرح الواقع المستجد علامات استفهام حول الخيارات التي ستلجأ إليها السلطات الرسمية، سيما وأن مشكلة الدولة لم تعد مع المواطنين وحدهم، إنما انتقلت الآن إلى موظفيها، خصوصًا ضباط وعناصر المؤسسات العسكرية والأمنية، والانعكاسات الخطيرة لهذه الأزمة على الجيش وقوى الأمن الداخلي والمؤسسات الأمنية الأخرى، الملقاة على عاتقها مسؤوليات أمنية جسيمة سواء على الحدود أو في الداخل. وفرضت هذه المسألة نفسها بقوة من خارج حسابات كل أهل السلطة في لبنان، فكانت أمس محور اللقاء الذي جمع رئيس مجلس الوزراء تمام سلام، ووزير الدفاع الوطني سمير مقبل، في السراي الحكومي، وقال مقبل بعد اللقاء: «ناقشنا مشكلة تأمين الرواتب للعسكريين التي هي غير مؤمنة لشهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول)، إلا إذا اجتمع مجلس الوزراء بجميع أعضائه واتخذ القرار ليتمكن وزير المالية من التصرف ودفع الرواتب». أضاف: «في حال لم يتم ذلك (عقد جلسة لمجلس الوزراء وإقرار صرف الأموال لرواتب الموظفين)، فليتحمل كل مكون سياسي مسؤوليته، أنا لا أستطيع ترك العسكر الموجود في عرسال ورأس بعلبك وفي الشمال والجنوب من دون رواتب». من جهته، كشف وزير المال علي حسن خليل بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري، أمس، أن «هناك نقصًا في تغطية رواتب العسكريين، ولكن المشكلة ليست مالية بل على مجلس الوزراء الاجتماع لحلها». وأضاف: «أنا لن أدفع الأموال بطريقة غير قانونية»، مؤكدًا أن «المسألة ليست سياسية بل دستورية».
مشاركة :