بغداد - (أ ف ب): تعدّ إيران لاعباً استراتيجياً رئيسياً في العراق على جميع المحاور، لكنها تجد نفسها اليوم مرغمةً على التعامل مع سخط كثيرين مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المبكرة في بلد يشهد انقساماً حاداً، بحسب خبراء. ويتجسد الدور الحساس الذي تلعبه طهران في العراق في تحالفاتها مع كيانات سياسية رئيسية ودعمها لقوات الحشد الشعبي التي تضمّ فصائل موالية لها وباتت جزءاً من القوات الأمنية الحكومية. اقتصادياً، يعتمد العراق بشكل كبير على استيراد الطاقة من إيران الخاضعة لضغط عقوبات اقتصادية أمريكية، كما أنه ثاني مستورد للبضائع الإيرانية، حيث تملأ السيارات الإيرانية الصنع والزهيدة الثمن شوارع بغداد وغالبية المدن العراقية، فيما تنتشر المنتجات الإيرانية في معظم المراكز التجارية. وفي هذا السياق، يرى خبراء أن الانتخابات التشريعية المقررة في 10 أكتوبر لن تنجح في إحداث أي تغيير وسيبقى «التحدي الأكبر» أمام طهران اليوم استعادة الثقة الشعبية في العراق. وترى الباحثة العراقية مارسين الشمري أن «واحدا من الأمور التي تثير قلق إيران في العراق حالياً هو الشعور العام بالاستياء» من النفوذ الإيراني، مضيفةً: «لم تتوقع إيران ذلك وهذا أمر جديد عليها التعامل معه». وبدا الاستياء من النفوذ الإيراني واضحاً خلال الاحتجاجات الشعبية التي هزت البلاد في أكتوبر 2019، للمطالبة بإصلاحات سياسية ومحاربة الفساد وتحسين الخدمات في البلاد، إذ أعرب خلالها المتظاهرون عن غضبهم حيال طهران، متهمين إياها بأنها مهندسة النظام السياسي في العراق. وتصاعدت حدة الغضب تجاه إيران وخصوصاً بعد القمع الدموي لاحتجاجات «تشرين» الذي خلّف قرابة 600 قتيل وحوالي 30 ألف جريح، واتهم ناشطون «مجموعات مسلحة» في إشارة إلى فصائل شيعية مدعومة من إيران بالوقوف وراء تلك الحملة وهو ما تنفيه الفصائل. ويوضح الباحث ريناد منصور من مركز «تشاتام هاوس» للأبحاث في حديث لفرانس برس أن «إيران خسرت جزءاً كبيراً من قاعدتها الشيعية في وسط وجنوب (العراق)، بعدما كانت تعتقد مدة طويلة أنها ستحتفظ بقاعدة موالية لها هناك». ويضيف الباحث أن «أحزاباً كثيرة متحالفة مع إيران تواجه صعوبة أكبر في الحفاظ على شعبيتها». ونجح العديد من مرشحي الحشد الشعبي في الدخول إلى البرلمان في انتخابات عام 2018 التي شهدت نسبة مقاطعة غير مسبوقة، مدفوعين بالانتصارات التي شارك الحشد في تحقيقها ضد تنظيم الدولة الإسلامية. ويسعى هؤلاء اليوم إلى حصد مقاعد أكبر في مجلس النواب، لكن خبراء يشككون بقدرتهم على تحقيق ذلك. وفي مقابلة تلفزيونية في سبتمبر، أعرب أحمد الأسدي أحد الشخصيات البارزة في الكتلة البرلمانية التابعة للحشد والمرشح للانتخابات المقبلة عن أهمية العلاقة مع طهران من وجهة نظر الفصائل الموالية لها، قائلاً إن «علاقاتنا مع الجمهورية الإسلامية ليست علاقة ناشئة، هي علاقة استراتيجية». وأضاف: «ليست علاقة تبعية ولا علاقة انحياز، هي علاقة استراتيجية مبنية على توازن بين مصلحة العراق ومصلحة الجمهورية الإسلامية». وأشار من جهة ثانية إلى أن «أولوية» مرشحي الحشد في جهودهم داخل البرلمان «تقديم الخدمات العامة وإعادة البنى التحتية بشكل كامل وبناء المنظومة التربوية والصحية وكذلك البنية الأمنية». ويرى المحلل السياسي العراقي علي البيدر أن الفصائل الموالية لإيران «تحاول بشكل جاد وحقيقي تثبيت نفسها وغرز جذورها عميقا في رحم العملية السياسية وفي الحكومات المتعاقبة». وأوضح أن الفصائل «تعمل بشكل مكثف على الوجود في قطاعات مختلفة كالجوانب الدبلوماسية والثقافية والرياضية»، لتغيير نظرة الشارع العراقي إليها بأنها «لا تستطيع الوجود خارج (إطار) المنظومة الأمنية والعسكرية». لكن في بلد عادة ما يأخذ فيه تبلور التحالفات السياسية داخل البرلمان حيزاً كبيراً بعد الانتخابات ستكون المشاورات الخاصة بتشكيل الحكومة الملف الأساسي في المرحلة المقبلة. وتعتبر الباحثة في الشأن العراقي في مجموعة الأزمات الدولية لهيب هيجل أن طهران ستبحث عن «رئيس وزراء يمكنها العمل معه ويكون مقبولاً لبرنامجها». وأضافت: «في العادة، مرشح الحل الوسط ليس بالخيار السيئ»؛ لأنه مساوٍ «لرئيس وزراء ضعيف». وفي هذه الحال ترى هيجل أن طهران يمكنها «العمل إما بشكل مباشر مع مكتبه، وإما على الأقل مع جهات فاعلة أخرى من حوله». وفي هذا الخصوص يؤكد منصور أن «النقطة المحورية ستكون الصفقات التي تجري خلف الكواليس لتشكيل الحكومة»، مضيفاً أنه «في هذه العملية لطالما اضطلعت طهران تاريخياً بدور كبير. لقد أثبتت إيران أنها اللاعب الخارجي الأكثر نفوذاً عندما يتعلق الأمر بتشكيل حكومة في العراق».
مشاركة :