بدأت ملامح المبادرة الأردنية لإعادة تدوير نظام الرئيس السوري بشار الأسد تتوضح شيئا فشيئا لتعكس تبدل المزاج العربي العام تجاه الأزمة في سوريا. وهو ما دفع المعارضة السورية إلى التحذير من مغازلة النظام وتأثير ذلك على مفاوضات اللجنة الدستورية في جنيف. دمشق- تشير المعطيات على الأرض بعد عشر سنوات من الثورة في سوريا إلى استحالة الإطاحة عسكريا بالنظام المدعوم من روسيا، ما دفع عددا من الدول العربية وعلى رأسها الأردن المجاور إلى إعادة ضبط علاقاتها مع دمشق في إطار تسوية إقليمية تنتهي بالتطبيع العربي مع دمشق كخطوة أولى باتجاه الاعتراف به دوليا. وبالتوازي مع مساع أردنية لتدوير النظام يقودها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بضوء أخضر أميركي وروسي أيضا، لا تزال مباحثات اللجنة الدستورية في جنيف من أجل الحل السياسي في سوريا تراوح مكانها بعد خمس جولات. ويرى مراقبون في الانفتاح الإقليمي على دمشق وعدم تحفظ الغرب عليه إضعافا للمعارضة السورية المنخرطة في مباحثات اللجنة الدستورية. ويتساءل هؤلاء عن جدوى هذه اللجنة ومناقشاتها في ظل تدرج نحو الاعتراف بالنظام وفك عزلته الإقليمية والدولية، وهو ما يجعله يماطل ويفاوض من موقع قوة بحا للوقت حتى اكتمال تفاصيل التسوية التي تصاغ بعيدا عن المفاوضات في جنيف. وحذرت هيئة التفاوض السورية المعارضة من تأثير “مغازلة” بعض الدول العربية للنظام والعمل على إعادة تدويره، على المباحثات في الجولة السادسة من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، المزمع عقدها في الثامن عشر من الشهر الحالي بمدينة جنيف السويسرية. يحيى العريضي: إعادة تدوير النظام يشجعه على التفلت من الحل السياسي وقال المتحدث باسم هيئة التفاوض وعضو اللجنة الدستورية يحيى العريضي إن “ارتفاع منسوب الغزل مع النظام وتكثيف السعي لإعادة تدويره يشجع النظام على الاستمرار في التفلت من العملية السياسية”. ورأى العريضي أن فرص تحقيق تقدم في الاجتماع المقبل للجنة الدستورية تبقى “محتملة”، في ظل غياب أي حل للقضية السورية إلا الحل السياسي. وكانت واشنطن قد رحبت بتحديد موعد الجولة السادسة من اجتماعات اللجنة الدستورية، وحثّت الأطراف كافة على التفاوض “بحسن نية”، كما سرت أنباء عن ضغط روسي على النظام للانخراط بشكل جدي في المفاوضات، ما دفع البعض إلى التفاؤل بتحقيق تقدم في الجولة المقبلة. ورفض الائتلاف الوطني السوري المعارض مبررات بعض الدول العربية لإعادة العلاقات مع النظام السوري، معتبرا أن إعادة العلاقات بمثابة “قبول وشراكة بجرائم النظام ضد الشعب السوري”. وقال الائتلاف في بيان، إنه “لا يمكن تسويغ إعادة العلاقات مع نظام بشار الأسد المجرم بأي دوافع اقتصادية”، فالنظام جعل سوريا من الأفقر عالميا، وهو غير قادر على تأمين الخبز والوقود، متسائلا “ماذا يمكن أن تأمل منه أي دولة أو ماذا يمكن أن يصدّر لها النظام سوى الأزمات والخيبات؟”. وأوضح أنه بدلا من السعي لتعويم النظام، يجب العمل على إنهاء المشكلة من جذورها، مؤكدا أن “نظام الإبادة لا يمكن أن يكون عامل استقرار، فالفوضى والإجرام عنصر أساسي في طبيعته، كما أنه يعتمد عليهما في بقائه”، وفق البيان. وشدد على أن الإجراء الدولي المطلوب لعودة سوريا لمحيطها العربي والدولي يبدأ بتنفيذ القرارات الدولية ومحاسبة مجرمي الحرب، والانتقال بسوريا إلى نظام سياسي مدني جديد وفق بيان جنيف والقرارات الدولية. والأحد أعلن القصر الملكي أن الملك عبدالله الثاني تلقى اتصالا هاتفيا من الرئيس السوري، فيما وصفه مسؤولون بأنه أول اتصال من نوعه منذ بدء الصراع في سوريا قبل عشر سنوات. ويعد هذا الاتصال أحدث خطوة في تطبيع العلاقات بين الزعيمين اللذين كانا على طرفي نقيض خلال الحرب الأهلية في سوريا حيث كان الأردن يدعم المعارضة السورية المدعومة من الغرب في سعيها للإطاحة بالأسد من السلطة. مباحثات اللجنة الدستورية في جنيف من أجل الحل السياسي في سوريا لا تزال تراوح مكانها بعد خمس جولات وبالتزامن مع ذلك كشفت مصادر إعلامية أن الرئيس المصري عبدالفتاح السياسي سيناقش في الأيام القادمة مع نظيره السوري تطورات الأوضاع. ويجمع محللون على أن الجانب السوري يدرك تماما أن الأردن بوابته للمجتمع الدولي والعربي، وأي إعادة تأهيل لسوريا والنظام ستكون عبر عمان. ويعتبر الأردن أن التوصل إلى حلول لمساعدة سوريا سيساعد المنطقة بأكملها والمملكة على وجه الخصوص التي تعاني أزمة اقتصادية عمقها إغلاق المعابر التجارية مع دمشق والتي تمثل متنفسا اقتصاديا هاما. وكشفت وثيقة سرية أردنية مسربة مؤخرا أن العاهل الأردني ناقش مع الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين مقاربة جديدة للتعامل مع دمشق، تقطع مع سياسة تغيير النظام السوري، وتدعو إلى خطوات ترمي إلى تغيير متدرج لسلوك النظام، وصولا إلى انسحاب جميع القوات الأجنبية التي دخلت سوريا بعد عام 2011. ويرى محللون أن الخطوات الأردنية تجاه دمشق التي تلت لقاءات الملك عبدالله الثاني مستوحاة من المقاربة الجديدة للحل في سوريا.
مشاركة :