أكثر من ألف عام، ظلّت الجزيرة العربية عرضة للإهمال والنسيان، لم تعرف الوحدة السياسية، حتى تمكن الإمام محمد بن سعود في عام 1139هـ الموافق عام 1727م من بدء مشروع الوحدة السعودية، بتأسيس أول كيان تحت راية واحدة، حيث قام بتوحيد الأمة، وبناء دولة، وتشييد حضارة أحدثت تحولاً في الأخلاق والعادات، وارتقاءً من خوف إلى أمان واطمئنان، ومن خلاف إلى وئام وتعاون وبناء. كانت الدرعية هي عاصمة هذه الدولة وقاعدتها، وأعظم مركز سياسي واقتصادي وثقافي في الجزيرة العربية وقتها. ازدهرت الدرعية وتوسّعت توسعاً كبيراً في عهد أئمة الدولة السعودية؛ الإمام محمد بن سعود، والإمام عبدالعزيز بن محمد، والإمام سعود بن عبدالعزيز، والإمام عبدالله بن سعود، وزاد عدد سكانها فكانت وجهة لأهل السياسة والثقافة والعلم. وفي يناير 1902 أسس الملك الراحل عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه- الدولة السعودية الثالثة التي سرعان ما نمت وازدهرت بين دول العالم. تتميز الدرعية بتاريخ حافل بالبطولات على مدى حقب كثيرة تمتد لأربعة قرون، بدءاً من هجرة مانع المريدي في القرن الخامــس عشــر الميلادي وصـولًا إلى تأسيس الدولة السـعودية الأولى فـي القرن الثامن عشـر الميلادي. وانطلاقاً من هذا الإرث الحاشد بالملاحم البطولية، أبدى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز منذ توليه إمارة الرياض اهتماماً كبيراً بالدرعية، فكان أول من ساهم في إحيائها وإعادة تأهيلها، بشكلٍ يوافق المعايير الدولية في تطوير المواقع الأثرية. وقد ساهمت جهوده - حفظه الله – على مدى ثلاثة عقود في جعل الدرعية أحد أهم وجهات التعرف على التاريخ السعودي والإرث الحقيقي الـذي تتناقله الأجيال، مما نتج عنه تسجيل حي الطريف التاريخي بالدرعيـة فـي قائمة التـراث العالمي لمنظمة اليونسكو عام 2010م. واستكمالاً لهذا الاهتمام وهذه الرعاية الكريمة الخاصة، كان ميلاد هيئة تطوير بوابة الدرعية، من صلب رؤية المملكة 2030، التي رسمت ملامح المستقبل المشرق للمملكة وفق أسس منهجية راسخة على مختلف المجالات، الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والتراثية. وكان من نصيب هيئة تطوير بوابة الدرعية، الاحتفاء بالدرعية "المكان" وبإنسانها الذي ظل شاهداً على التراث الغني، لتبدأ رحلة الاستنطاق من خلال سرد القصص، وتسليط الضوء على الإنجازات الاجتماعية والتثقيفية والتاريخية، وربط جذور الدولة السعودية بحاضرها ومستقبلها. محتوى تاريخي متكامل يجمع ويحقق 100 قصة تاريخية فريدة للدرعية وضمن جهودها الهادفة إلى الحفاظ على التراث الحضاري العريق للمملكة، بدأت هيئة تطوير بوابة الدرعية التاريخية تنفيذ أكبر مشروع تراثي وثقافي في العالم لتأهيل وتطوير الدرعية التاريخية "جوهرة المملكة"، لجعلها واحدة من أهم الوجهات السياحية والثقافية والتعليمية والترفيهية في المنطقة والعالم، مستفيدة من موقعها التاريخي، وثقافتها الفريدة، باعتبارها أرض الملوك والأبطال، وما تحتضنه من مواقع تراثية عالمية، أهمها حي الطريف التاريخي، المدرج ضمن قائمة المواقع التراثية العالمية باليونسكو. أكملت الهيئة الخطط المستقبلية للحفاظ على تراث الدرعية الغني بالتنوع، وشملت الخطط الاعتناء بالتراث العمراني، وتوثيق المباني التراثية وأعمال المسوحات الأثرية، خاصة موقع حي الطريف التاريخي المسجل في قائمة التراث العالمي. وتعزيزاً لهذه الجهود الرامية إلى نقل التراث الحضاري للأجيال القادمة، سعت الهيئة إلى إدراج المزيد من المواقع التراثية والطبيعية وعناصر التراث غير المادي في منطقة الدرعية والعمل على توثيقه، وذلك من خلال تعزيز الشراكات الاستراتيجية مع الجامعات والمعاهد ومراكز البحوث والدراسات ذات الصلة، كما تعمل الهيئة على نشر الوعي والتثقيف بالمواقع التراثية العالمية وأهميتها. وكان من أبرز جهود الهيئة الحثيثة في هذا المجال، استثمار المقارنات المعيارية العالمية في تدوين القصص والأحداث التاريخية. فقد تمكنت بالتعاون والتنسيق مع دارة الملك عبدالعزيز من جمع وتحقيق 100 قصة تاريخية فريدة للدرعية، ركزت من خلالها على المحاور التاريخية والتراثية والثقافية، سعيًا منها لإعداد محتوى تاريخي متكامل. وتضمنت المحاور توثيق الشخصيات التاريخية البارزة؛ من الأئمة والملوك والأبطال، بما فيهم أبرز الشخصيات النسائية. وحتى تتمكن أجيال المستقبل من استيعاب الماضي وفهم أبعاده، فإن من الضروري توثيق التاريخ بكل حيثياته وأحداثه. وقد أولت الهيئة هذا الجانب اهتمامها الكبير، وذلك من خلال توثيق الأحداث التاريخية الهامة، والمتمثلة في المعارك الفاصلة، وسنوات الجدب والرخاء، وما مرت به المنطقة من أحداث. ولم تغفل جانب التواصل الحضاري، حيث وثقت البعثات الدبلوماسية، وسير الرحالة الذين زاروا المنطقة. كما اشتمل التدوين على الجوانب الاجتماعية، والعروض الفنية المتمثلة في الفنون الأدائية والفنون الشعبية والشعر. وكذلك التوثيق لأشكال التصميم؛ من الأزياء والجرافيك والتصميم الداخلي، والمناظر الطبيعية، وفنون التصميم المعماري وأساليبه. وفي جانب الرياضة والترفيه. وقد شكلت الفنون البصرية والحرف جانبا مهما في التراث الحضاري للدرعية، والتي تتضمن الفنون الجميلة، والحرف والمهن اليدوية، إضافة إلى الاعتناء بالكتب والمخطوطات والصحافة والمنشورات، والتي تحوي الكثير من المعلومات التي تحكي عن عظمة الإنسان والمكان. وكما قال صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، ورئيس مجلس إدارة هيئة تطوير بوابة الدرعية، فإن المشروع يستحضر كل هذه الزخم التراثي والحضاري الذي يشع ألقاً بين هوية الدرعية الثقافية ومظاهرها الطبيعية ومعالمها التراثية المرتبطة بتاريخها ومنجزها الوطني الحضاري، ويهدف إلى تعزيز مسيرة التوازن الاقتصادي والتنوع الثقافي، والتنمية الحضارية والعمرانية، وفي بناء المكان بناءٌ للإنسان، وتطويرٌ لقدراته، وتمكينٌ لتطلعاته، لتصبح الدرعية وجهة إقليمية وعالمية، وتجمعاً ثرياً بتنوعه، يجمع بين الأصالة والمعاصرة، والمحلية والعالمية. وباعتباره أحد أعظم المشاريع العملاقة في المملكة، يمثل مشروع هيئة تطوير بوابة الدرعية أحد ممكّنات رؤية المملكة الطموحة، وذلك من خلال مشاريعه المتنوعة والمتكاملة، والتي تهدف إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي، وتطوير المحتوى المحلي.
مشاركة :