استضاف مركز زوار موقع مسار اللؤلؤ في مدينة المحرّق مساء اليوم الأربعاء الموافق 6 أكتوبر 2021م محاضرة للدكتور نادر كاظم تناول خلالها تاريخ جسر الشيخ حمد الذي يربط بين المحرّق والمنامة، وذلك بحضور معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة رئيسة هيئة الثقافة والآثار وتواجد عدد من المهتمين بالشأن الثقافي في البحرين. وأخذت المحاضرة منحى توثيقياً حيث قدم الدكتور كاظم مجموعة من الوثائق والصور وقام بصياغة سرديته الخاصة حول الجسر الذي يعد الأول في تاريخ البحرين الحديث. وأكد د. نادر كاظم على أهمية كتابة تاريخ الأشياء التي شكلت لحظات فارقة في تاريخ البحرين الحديث، موضحاً أن جسر الشيخ حمد جزء من شبكة الطرق والمواصلات الحديثة في البحرين، وسرد تاريخه يلقي الضوء على دور هذه الشبكة في تحقيق التواصل المكثف والسريع بين أجزاء الوطن والمساهمة في تعزيز شعور المواطنين بأنهم أمة واحدة. وشرع د. نادر في تركيب ما سمّاه «التاريخ الجينولوجي» للجسر، حيث قال إن التفكير في إنشاء جسر يربط المنامة بالمحرّق يعود إلى مطلع عشرينيات القرن العشرين، وكانت الفكرة لدى بلدية المنامة أن يكون ممتدّاً من المنامة من طرف الحُورة إلى المحرق قرب حالة بوماهر، إلا أن هذه الفكرة لم تر النور قطّ، حيث تم استبدالها بفكرة إقامة جسر يربط بين الجزيرتين، ويكون ممتدّاً من شرقي رأس رمان حتى غربي المحرّق. وأوضح أن العمل على تشييد الجسر انطلق عام 1930م على الرغم من نقص الخبرات الهندسية وتراجع ميزانية الحكومة بسبب أزمة اللؤلؤ الصناعي، وعلى الرغم من كل الصعوبات الفنية وغير الفنية. وشرح د. نادر كاظم الظروف التي سبقت إنشاء الجسر، حيث أشار إلى أن الحكومة كانت في نهاية العشرينات قد انتهت من العمليات الكبيرة لإنشاء الطريق البحري (شارع الحكومة) في المنامة، فبدأت في التفكير بمشروع أضخم من سابقه، وهو مشروع كان حتى تلك الفترة مستحيلاً، وهو ربط المحرق بالمنامة بجسر حديث. وبدأ التداول في الفكرة في العام 1926، إلا أن الفكرة كانت، مجرد أمنية في نفس الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، نائب حاكم البحرين آنذاك. وأضاف أن هذه الأمنية أخذت طريقها إلى المناقشة في العام 1928م، وصارت هذه المناقشة جدية أكثر في فبراير 1929، حيث رُصد للمشروع مبلغ كبير قُدّر بـ200000 روبية في ميزانية العام 1929. إلا أن العمل على المشروع لم يبدأ فعلياً إلا بعد عام كامل من إقرار ميزانيته، ليكتمل العمل في الجسر بعد أكثر من عشر سنوات، وتحديداً في 18 ديسمبر 1941. وخلص د. نادر كاظم إلى أن تاريخ إنشاء هذا الجسر لا يمثّل مسيرة وصل طويلة بين أكبر جزيرتين فحسب، بل إنه يمثّل ملحمة بطولية حقيقية؛ لأن هذا الجسر لم يكتمل إلا بعد عمل منهك ومشاورات طويلة وعديدة بين الشيخ حمد بن عيسى، وتشارلز بلجريف، والوكيل السياسي بالبحرين، والمقيم السياسي في الخليج، وحكومة بومباي (إدارة الأشغال العامة)، وحكومة الهند (إدارتي الأشغال العامة المركزية والإيرادات المركزية)، ومكتب الهند، وعدد من الشركات الإنشائية والهندسية في لندن وبومبي وكراتشي والعراق، وعدد من المقاولين المحليين لقطع وتوريد الحجارة من البحر، وآلاف من العمّال البحرينيين (كان حوالي 500 عامل يشتغل على الجسر يومياً) الذين انخرطوا في أعمال الجسر قبل مواسم الغوص وبعدها. وقال الدكتور كاظم إن الجسر يعد أكبر مشروع عكفت عليه حكومة البحرين آنذاك، وبقدر ما كان مشروعاً مهماً في أرخبيل مقطّع الأوصال جغرافياً، فإنه كان مشروعاً بالغ الصعوبة، واكتنفته صعوبات لا حصر لها، ولم يكن أحد يعرف، على وجه التحديد، حجم تكلفته ومدى الصعوبات التي ستعترضه في الطريق في بلد كان يفتقر آنذاك إلى المهندسين وشركات الإنشاء، ولا يملك أي خبرة في بناء جسر حديث بهذه الطريقة.
مشاركة :