أثار اهتمامي واعجابي ما تناقلته وسائل الإعلام عن معرض الرياض الدولي للكتاب 2021 بواجهة الرياض (إكسبو) برعاية خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- تحت شعار «وجهة جديدة، فصل جديد» من (1 إلى 10 أكتوبر). حيث إنه الأكبر في تاريخ معارض الكتب السعودية، فمساحته 36 ألف متر مربع وشارك فيه أكثر من 1000 دار نشر من 30 دولة بما فيها السعودية. وقدم خدمات متنوعة لزواره أسهمت في تسهيل الدخول والتجول في المعرض شملت جميع الزوار بما في ذلك ذوي الإعاقة وكبار السن والأطفال، مثل ربط تذكرة الدخول بتطبيق توكلنا، تخصيص مواقف للسيارات، وعربات جولف للانتقال من المواقف إلى ساحة المعرض، توفير كراسي متحركة لذوي الإعاقة الحركية مع متطوعين لمرافقتهم أثناء تجولهم في المعرض وتصميم مسارات خاصة تسهل تنقلهم، توفير شاشات إلكترونية لعامة الزوار لتسهيل البحث والوصول إلى دور النشر أو التعرف على أماكن وجود الكتب المراد اقتنائها أو الاطلاع عليها. فضلًا عن مواكبة المعرض بفعاليات وورش عمل وبرنامج ثقافي تخلله أمسيات شعرية تضمنت أمسية خاصة بإحياء سيرة وأدب الأمير الشاعر عبد الله الفيصل (رحمه الله)، وجناح للطفل ومكتبة الخيال ومعرض للمقتنيات النادرة. ومؤتمر للناشرين نظم لأول مرة في المملكة يومي (5-4 أكتوبر) تضمن 12 جلسة حوارية شارك فيها 42 متحدث من داخل وخارج المملكة، بهدف بحث واقع صناعة النشر في العالم العربي والسعي لتطويره للوصول إلى المنافسة الدولية. وبحكم اهتمامي بالإعاقة خصوصًا البصرية منها، تتبعت ما قدم من خدمات لذوي الإعاقة والمؤلفات المرتبطة بالإعاقة عبر المتجر الالكتروني للمعرض، ومن خلال بحثي لاحظت أن اجمالي عناوين المؤلفات المرتبطة بها كانت 118 عنوانًا منها 43 عنوان عن الإعاقة بصفة عامة، 38 الإعاقة الفكرية/العقلية/الذهنية، 22 الإعاقة السمعية، 9 الإعاقة البصرية، 5 الإعاقة الحركية، 2 الإعاقة المزدوجة. ويعتبر إجمالي تلك العناوين ضئيل جدًا مقارنة بعدد العناوين المشاركة في المعرض التي بلغت أكثر من مليون عنوان، وفق تصريح وكيل وزارة الإعلام للعلاقات الإعلامية الدولية الدكتور خالد الغامدي في لقاء مع قناة اكسترا نيوز (04/10/2021م). وقد يعود ذلك لعدم وجود تصنيف للإعاقة ضمن قائمة التصنيفات المقترحة في متجر المعرض، فعلى سبيل المثال لاحظت وجود كتابي «حصاد الظلام» المشارك تحت تصنيف «كتب مؤلفين» رغم إنه مرتبط بالإعاقة فقد رويت فيه قصة فقداني للبصر وما ترتب عليه وبرامج إعادة التأهيل التي حصلت عليها في الولايات المتحدة الأمريكية وخلاصة تجربتي منها. وقد يكون هناك كتب أخرى عن الإعاقة مصنفة تحت تصنيفات مختلفة وسيصعب الوصول إليها ما لم تكن تعرف اسم الكتاب مسبقًا، كذلك لا يوجد ما يشير الى توفر كتب بطريقة برايل للمكفوفين. وعلى أي حال إن جُل عناوين تلك الكتب المتوفرة في المعرض عن الإعاقة تربوية وأكاديمية، وبعضها قديمة الإصدار، وغاب عنها المؤلفات الأدبية المرتبطة بأدب الإعاقة خصوصًا السير الذاتية والتجارب الشخصية، وأشعار المكفوفين عبر العصور، وإنتاجات ذوي الإعاقة الفكرية الأخرى، رغم أن ذلك من صميم تراثنا وثقافتنا الإسلامية والعربية بدليل أن القرآن الكريم أورد العديد من القصص والتشريعات فعلى سبيل المثال سورة يوسف التي قال تعالى فيها ﴿نحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾.. ايه (3) والقَصص (بفتح القاف) معناها الحكايات والروايات الواقعية الحقة، أو الأخبار أو الأحاديث المقصوصة، وهي بمثابة الروايات الواقعية في عصرنا الحديث.. حيث تناولت السورة قصة فقدان سيدنا يعقوب عليه السلام لبصره وما ترتب عليه من أثر حتى استعادته. وقصص الصحابي الكفيف ابن ام مكتوم التي وردت في ثلاثة سور مختلفة (عبس، النساء، الحج). مما يؤكد على أن أدب الإعاقة من صميم تراثنا وثقافتنا الإسلامية والعربية لذلك اهتم بها الأولين بدًء بكتاب «المعارف» للعلامة ابن قتيبة المتوفي سنة (276هـ) الذي خصص فيه فصلا لأصحاب العاهات وذكر منهم عددًا من أشراف المكافيف، مرورًا بكتاب «نَكْتُ الِهيمْانِ في نُكَتِ العُمْيَاِن» لصلاح الدين خليل بن آيبك الصفدي (696-764هـ) وصولًا إلى عصرنا الحديث بـ «الأيام» للدكتور طه حسين (1306- 1393هـ). عدا مئات من صنوف الكتب التي تناولت تراجم ذوي الإعاقة واشعارهم وكل ما ارتبط بهم من آداب وفكر. وبرأيي إن السبب في محدودية تواجد أدب الإعاقة في معارض الكتب وقطاع النشر هو نقص الوعي المجتمعي بهذا النوع من الأدب وأهميته، وقلة نشر الموهوبين والمبدعين من ذوي الإعاقة لتجاربهم وسيرهم الذاتية وإبداعاتهم الفكرية والأدبية لضعف إمكانياتهم وصعوبة وصولهم إلى دور النشر. ولمعالجة ذلك اقترحت على «هيئة الأدب والنشر والترجمة» في 18/02/1443هـ - 25/09/2021م بفتح مسار للموهوبين والمبدعين من ذوي الإعاقة ضمن اتفاقيتها مع «الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة "منشآت"» لمشروع "ريادة دور النشر". من أجل إتاحة الفرصة لذوي الإعاقة للمساهمة في تنمية وتطوير قطاع الأدب والنشر والترجمة، وتسهيل وصول المجتمع وانتفاعه بمواهبهم وإبداعاتهم. راجيًا أن يكون ذلك بمثابة وسيلة لتنمية وتطوير أدب الإعاقة ونشره لما له من أهمية بالغة في توعية المجتمع وسن القوانين والتشريعات من تجارب ذوي الإعاقة سيما وأن الإعاقة في مجتمعنا قد تجاوزت 4% من اجمالي السكان. واختم دردشتي هذه بأبيات لشاعر العصر العباسي الكفيف بشار بن برد عَمِيتُ جَنِيناً والذَّكاءُ مِنَ العَمَى *** فجِئتُ عجيبَ الظَنِّ، للعِلمِ مَوئلا وَغاضَ ضياءُ العَينِ للعِلمِ رافداً*** لقَلبٍ إِذا ما ضيَّع النَّاسُ حَصَّلا وشِعرٍ كَنَوْرِ الرَّوْضِ لاءَمْتُ بَيْنَهُ *** بقَولٍ إِذا ما أحزَنَ الشِّعرُ أَسْهلا
مشاركة :