وفي لحظة كأنما العالم توقف، وبصمت يخيم على بعض شبكات التواصل الاجتماعي بعد تعطلها، ساعات عاشها البعض في الترقب والانتظار و«التحلطم» والدراما وتوقع السيناريوهات المأساوية الموشحة بالسواد. أحدهم كان يغرد قبل فترة بأن أقصى أمنياته هي قضاء إجازة في أحد الجزر بعدا عن صخب الحياة وشبكات التواصل وإرهاصاتها، وما إن توقفت بعض الشبكات لسويعات بسيطة ثارت ثائرته، تسرب في داخله الملل، شعر بالعزلة النفسية قبل الاجتماعية، فردة الفعل المصاحبة لتعطل «واتس آب وإنستجرام وفيسبوك» فاقت الفعل نفسه، حيث اتجه البعض لتصوير الحدث بأنه أمر جلل وموطن إثارة شائعات، وأن الحياة سوف تتوقف بتوقف تلك الشبكات، رغم أن هناك العديد من الشبكات كانت تعمل بشكل جيد، بل واحتضنت النازحين من تلك الشبكات. ملامح العالم عشية الاثنين الماضي لم تتأثر بيولوجيا، ولا خضنا معارك وحروب، ولم يتوقف التعليم ولا المؤسسات الصحية تعطلت، والكيانات الحكومية تعمل على قدم وساق؛ لذلك إن ما توقف وتعطل لا تعدوا عن كونها بدائل أو وسائل ترفيه أو أحاديث ذات قيمة غير مضافة، وهو ما يجعلنا نتمحص الكثير من الأطروحات في تلك الشبكات، ما الذي سيتغير في حياتنا لو توقفت، المنطق يقول إننا سنعود لما كنا عليه سترتفع أسعار المكالمات والرسائل النصية. ردة الفعل لما حدث تثير فضول الأسئلة بين ما هو نفسي، وبين ما هو إعلامي.. فهل أصبحت الشبكات ذات المحتوى الترفيهي مثلا تمثل قيمة وأولوية لدى العامة بشكل يفوق الشبكات والمنصات ذات الطابع الإخباري؟ ومن ثم ما هي العزلة التي عاشها أولئك الأشخاص لحظات، وهل يمكن القول إن لكل شبكة يعيش جمهورها عزلة متفردة، وبالتالي فإن مصطلح العزلة الاجتماعية بات ينبثق منه العديد من عوامل العزلة، كل حسب شبكته المفضلة؟ ومن النقاط المهمة التي قد تفتح نافذتها حادثة التعطل، هي آلية ونمط العمل داخل العديد من الكيانات، فهل صار واتس آب تحديدا هو الوسيلة الأسهل والأقرب للاعتماد لمناقشة الأعمال بدلا من البريد الإلكتروني؟ فمن اكسب ذلك التطبيق الشرعية تلك؟، أم أنها أصبحت عادة سار عليها الأشخاص في التواصل حتى بجانبه الرسمي. حالة التعطل لساعات معدودة فيها الكثير من الدروس وللجميع، نحن من نعطي الشيء قيمته بحجم تعلقنا وارتباطنا فيه، قد لا يعنينا كثيرا في السعودية تعطل فيسبوك كما يهما واتس آب، البعض يعتمد اعتمادا كليا في الدخل والاستقرار المادي والنفسي على هذه الشبكات، كيف سيكون حال مشاهير سنابتشات مثلا لو كان هو المتعطل؟ حيث إن بعض المشاهير لا يمتلكون أدوات رصينة تمكنهم من البقاء والصمود مع متغيرات السوق، فهم يقتاتون على الشبكة ذاتها، فبالتالي أي عطل أو أي أفول لبريقها، فإن نجوميتهم أصبحت بمهب الريح، كما أنه لا توجد مرجعية تحتضنهم، فهم لا ينتمون إلى أي جهة يمكن أن ينتسبوا إليها، أو تحميهم مع متغيرات السوق الرقمي. يقول الروائي الفرنسي ميلان كونديرا «لا تكن سريع التعلق، فمعظم الأشياء والأشخاص عابرون».
مشاركة :