مقاربات حذرة لملف الأزمة السورية

  • 10/30/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

اعتمدت روسيا سياسة الصدمة في تسويق مبادرتها بشأن القضية السورية، فبعد التدخل العسكري المفاجئ الذي خلط الأوراق، نراها تعلن عن لعبتها السياسية، في سيناريو بدأ باستدعاء الرئيس السوري إلى موسكو في زيارة سرية مفاجئة، أعقبه حراك دبلوماسي مع كل من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وتركيا، لعقد لقاء على مستوى وزراء خارجية هذه الدول في العاصمة النمساوية في الثالث والعشرين من الشهر الجاري، لم يتوصل فيه إلى اتفاق حول مستقبل الرئيس السوري، الذي أصبح بمثابة العقدة التي تعرقل التوصل إلى تسوية مقبولة. المبادرة هذه، تجاهلت تماماً الأمم المتحدة ومندوبها ديمستورا، وتجاهلت الجامعة العربية، وتجاهلت أوروبا بالكامل، مع العلم بأن هذه القارة، هي المتأثر الأول والمتضرر الأكبر من تداعيات الأزمة السورية، بحكم القرب الجغرافي. موسكو بمبادرتها الدبلوماسية المدعومة بتدخل عسكري كثيف لصالح النظام، ترى من حيث المبدأ، أن لا حل في سوريا غير حل سياسي، لا يُستبعد فيه أي طرف، وهي بهذا تسحب البساط من تحت أقدام النظام القائم الذي اعتمد الحل الأمني طيلة السنوات الأربع المنصرمة، بعد أن جردته من معظم القدرات الاستقلالية، حين أصبح وجوده مرهوناً بكثافة الغارات الجوية التي ينفذها الطيران الروسي، فهي بهذه المبادرة، تعزز من وصايتها على سوريا، وتبقي وجودها العسكري فيها. وضعت موسكو لنفسها سقفاً زمنياً لإنجاز مهمتها في سوريا، أمده ثلاثة شهور، وهو أمد قصير، يراد به تطمين الداخل الروسي من جهة، وتسليط الضغوط على حلفاء الرئيس السوري، حزب الله وإيران، لتقديم ما يلزم من الدعم الإضافي، لتحقيق إرادتها في تغيير معادلة القوى على الأرض، من جهة أخرى، فالحلول السياسية لا يمكن لها تجاهل معادلات التوازن الميداني على أرض الواقع. لا شك أن روسيا قد حققت بعض أهدافها، فتدخلها أصبح بمثابة نقطة تحول هامة في مسار القضية السورية، على المستويين الداخلي والخارجي، فلم يعد استبعاد الرئيس السوري شرطاً للتسوية، بل أصبح الخلاف يدور حول مدة الفترة الانتقالية التي يبقى فيها في السلطة، وطبيعة الصلاحيات التي يتمتع بها. إلا أن السؤال المطروح، هو، هل تستطيع موسكو بالشق العسكري من مبادرتها، قلب المعادلة على الأرض لصالح النظام، وإلزام الأطراف الأخرى بالخضوع للأمر الواقع، والقبول بدور للرئيس السوري في مستقبل سوريا؟. الطريق إلى ذلك قد لا يكون سالكاً تماماً، فتدخلها لا يعني أن المعركة حسمت لصالح النظام، فالمعارك على الأرض تزداد حدة وهناك اتفاق، الولايات المتحدة أبرز من فيه، على تكثيف المساعدة العسكرية للمعارضة. أما على صعيد المواقف السياسية، فقد أدان الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، هذا التدخل، واعتبره بمثابة احتلال، حسب ما ورد على لسان رئيسه خالد خوجة. روسيا أضعفت من دور دول المنطقة في التحكم بمسار الأزمة السورية، خاصة دور إيران، التي كانت أبرز اللاعبين في شأنها، كما أنها قوضت مساعي تركيا بإنشاء منطقة حظر للطيران في شمالي سوريا لإيواء اللاجئين، وقطعت الطريق على تدخل محتمل لقوات التحالف العربي لغير صالح النظام، إلا أنها لن تعمل على تجاهل دور بعض هذه الدول، خاصة السعودية وتركيا، في أية تسوية مستقبلية، فتدخلها الكثيف عسكرياً وسياسياً في القضية السورية، لا يعني أنها استطاعت الإمساك بكل خيوط اللعبة. روسيا من حيث المبدأ، يهمها مصالحها مع الدول العربية، التي يقف معظمها ليس في صالح بقاء نظام الأسد، فهي مستعدة للتضحية به، إذا كان لا مناص من ذلك، فوفق تصريح رئيس وزرائها، ديمتري ميدفيدف موسكو تدافع عن مصالحها القومية في سوريا، لا عن أشخاص بعينهم. فالرهان على بقاء النظام السوري برئاسة الأسد، رهان خاسر، لأن ذلك ليس في صالح روسيا، التي ترى أن علاقاتها مع دول الخليج النفطية، ينبغي أن ترتقي إلى مستوى التنسيق من أجل التحكم بأسعار النفط العالمية، وتلافي الأضرار التي تلحق اقتصادها. الخلاف بين روسيا والغرب حول القضية السورية، قد عكر الأجواء بينهما لدرجة كبيرة، إلا أنه لن يتجاوز ذلك إلى ما هو أبعد، إلا أن مآل هذا الخلاف، إن لم يجرِ تضييقه، سيولد بكل تأكيد، مزيداً من الخراب في سوريا، وقد يتعدى ذلك إلى دول أخرى. لقاء فيينا لم يثمر عن شيء، إلا أنه أشاع نوعاً من التفاؤل، وردت على لسان وزير الخارجية السعودي، وهي إن عنت شيئاً، فهي تعني أن الظروف قد نضجت إلى الحد الذي يمكن فيه تمرير الصفقات، وهذا لن يجري دون إشراك دول أخرى بشكل مباشر أو غير مباشر، وقد صدرت فعلاً إشارات من واشنطن، لا تستبعد إشراك طهران في المحادثات، إلا أنه لم يجرِ التطرق إلى إشراك سوري، كأنما أنابت سوريا روسيا للحوار بديلاً عنها. اللقاءات المقبلة سيخيم على أجوائها قدر من الواقعية، وقدر من الحذر، فتقادم الأزمة في سوريا، قد زادها تعقيداً وعمق من تداعياتها، العميقة أصلاً، بسبب طول حكم النظام القائم، الذي زاد على نصف القرن، وتراكم سلبياته على المستويات السياسية والإنسانية، وهي حال الأنظمة القمعية التي تتقوض بعد حكم طويل، كما حصل في العراق وفي ليبيا.

مشاركة :