تجديد الخطاب الديني سمة ملازمة للإسلام وضرورة لاستمراره دينا عالميا

  • 10/30/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

أوضح الدكتور مجدي عاشور المستشار الأكاديمي لمفتي الجمهورية وأمين الفتوى بدار الإفتاء أن الانتماء إلى التنظيمات المسلحة ودعمها بأي صورة من الصور حرام شرعا؛ لأنها تسعى لدمار البلاد والعباد وتشوه صورة الإسلام بأفعالها الوحشية التي يتبرأ منها الإسلام والمسلمون بل والفطرة الإنسانية السليمة، وإن دار الإفتاء أضافت في فتوى لها إن مثل هذه التنظيمات بفكرها المتطرف قد ضللت الكثير من الشباب الذين تم التغرير بهم تحت اسم الدين والجهاد. مشيرا إلى أن الفتاوى أصبحت إحدى أكثر القضايا التي تحتاج إلى مزيد الضبط في ظل (فوضى الفتاوى) وانتقالها من الاجتماعي إلى السياسي؛ لتهدد وتروع وتحرض وتشعل الفتن وتدعو إلى القتل وتبيحه بما يضع المجتمعات كلها دون استثناء فوق بركان يتطاير شرره بالفعل في خضم الواقع السياسي المتصارع. مبينا أن تجديد الخطاب الديني سمة ملازمة للإسلام بل هو ضرورة لاستمراره دينًا عالميا صالحا لكل زمان ومكان بغية النهوض بواقع الأمة وتطوير ذاتها نحو التقدم والرقي. وأضاف: الإسلام أعطى أمن المجتمعات الفكري الاهتمام البالغ فقد جعله من أعظم مقاصد الشريعة، إذ به يتحقق حفظها وهو مفتاح تحقيق العزة للأمة الإسلامية والخيرية التي هي مطالبة باستعادتها بعد أن ضيعتها لقرون وبه تبنى وتنهض الأمم. ... وفي إطار هذا الموضوع كان لنا الحوار التالي: ¿ في البداية سألناه.. حدثنا عن بزوغ التطرف في الفتوى لوحظ في العقود الأخيرة في تاريخ الأمة المصرية على سبيل المثال ظهور جماعات دينية فى مصر تدين بمرجعية غير الأزهر الشريف الذي تحمل عبر العصور منذ إنشائه مقاليد المناهج الشرعية والثقافة الإسلامية والعربية حتى غدا هو اللسان المعبر عن المسلمين والمبلغ لهم أمور دينهم والداعى لهذا الدين الحنيف فى ربوع الأرض إلى قيام الساعة. وقد تكفلت مرجعيات هذه الجماعات بإبعاد المقلد لتعاليمها عن الملامح الواضحة التى تميز جماعة المسلمين هوية ومظهرا وليس من وراء ذلك موجب سوى اتباع الاهواء والإعجاب بالرأى وفساد ذلك مما لا يخفى على ذي عينين، فإن مما تكفلت المشاهدة ببيانه وأن الاسترسال مع الأهواء كلما دعت ومحاذاة الأغراض أينما توجهت يقضي بالتخبط في مضاجع الفساد والانحلال، وقد ساهم ذلك فى تعدد الفتوى مصدرا ومنهجا وقد ساهم هذا الأمر بشكل أو بآخر فيما يعاني منه المجتمع المصري بشأن مشكلة (فوضى الفتاوى)، حيث كان لهذه المشكلة وقع كبير وأثر بالغ على واقع المسلمين فى المجتمعات الإسلامية عامة وفى المجتمع المصرى خاصة وأيضا فى علاقتهم مع الآخر خارج بلاد المسلمين . وهو ما يستدعى ضرورة التنبيه إلى ما تمثله تلك الظاهرة من خطر عظيم. فقه التزاحم ¿ ما هي أسباب المشكلة؟ يقتضى الإنصاف فى بيان هذه المشكلة أن المسؤول عنها ليس الفقيه وحده بل تتشابك معه عناصر كثيرة معقدة، ولكن باعتبار التطور الحادث داخل المجتمعات وعدم قدرة الناس الذين يتعاملون مع هذا فى إطار تكييف السؤال والحالة والمسألة ايضا بفقه الواقع، وما تعلق به من فقه البدائل وفقه التزاحم وفقه الأولويات كل هذه الأمور أنماط من الفقه غاية فى الأهمية. فكر الإنسان ¿ ماذا تقول عن تحقيق الأمن الفكري من خلال الفتاوى؟ أعطى الإسلام أمن المجتمعات الفكرى الاهتمام البالغ، فقد جعله من أعظم مقاصد الشريعة، إذ به يتحقق حفظها وهو مفتاح تحقيق العزة للأمة الإسلامية والخيرية التى هى مطالبة باستعادتها بعد أن ضيعتها لقرون، وبه تبنى وتنهض الأمم، وأى إخلال به إخلال بالجانب السلوكى والاجتماعى والسياسى لها، أما المقصود بالأمن الفكرى للمجتمع فخلاصة ما عرفه به المعرفون أن يسعى إلى تحقيق الحماية التامة لفكر الإنسان من الانحراف أو الخروج عن الوسطية والاعتدال، وأنه يعنى بحماية المنظومة العقدية والثقافية والأخلاقية والأمنية فى مواجهة كل فكر أو معتقد منحرف أو متطرف وما يتبعه من سلوك. وهناك نماذج من الفتاوى حافظت على فكر الوسطية فى المجتمع من التطرف والانحراف، وحمت فيه المنظومة العقدية والثقافية والأخلاقية فى المجتمع المصرى المعاصر، على سبيل المثال فتوى الرد على كتاب الفريضة الغائب وعنى به صاحبه الفريضة الغائبة (الجهاد) داعيا إلى إقامة الدولة الإسلامية وإلى الحكم بما أنزل الله، مدعيا أن حكام المسلمين اليوم فى ردة وأنهم أشبه بالتتار يحرم التعامل معهم أو معاونتهم ويجب الفرار من الخدمة فى الجيش؛ لأن الدولة كافرة ولا سبيل للخلاص منها إلا بالجهاد والقتال، وبناء على الفتوى تم تصحيح عدد من المفاهيم الخاطئة لدى كثير من الجماعات الجهادية وبالتالى حمت المجتمع من كثير من ويلات الفكر المنحرف، ففتوى دار الإفتاء المصرية سنة 1979. فى جواز صلح مصر مع إسرائيل وأن ما يترتب عليها من آثار صحيح، وقد جاءت هذه الفتوى فى أوقات عصيبة كانت تعصف بالمجتمع المصرى، حيث إن العرب قطعوا العلاقات المتبادلة مع مصر وحكمت الجماعات الإسلامية المتطرفة بكفر الرئيس محمد أنور السادات؛ مما شوش على العامة ثقتهم فى إسلام ووطنية زعيمهم فجاءت الفتوى فأعادت الاتزان فى الوسط المصرى وبقى من رفض ذلك جملة وتفصيلا. وهذه الفتوى كان لها أثر سياسى واسع على العلاقات الخارجية المصرية سواء علاقتها بالعالم العربى والإسلامى أو علاقاتها بالعالم الأجنبى والمعسكر الشرقى منه والمعسكر الغربى، فقد أثرت هذه الفتوى مع غيرها من العوامل فى الانفتاح فى السياسة الخارجية لمصر وقد ظهر أثر هذا الانفتاح بصفة خاصة بعد رجوع العلاقات المصرية العربية، بل تعدى أثر هذه الفتوى المجتمع المصرى إلى المجتمع العربى بصفة خاصة. أما فتوى حرمة تمثيل الأنبياء والعشرة المبشرين بالجنة وأمهات المؤمنين وبنات المصطفى وآل البيت الكرام كالسيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وولديها سيدى شباب أهل الجنة الحسن والحسين رضي الله عنهما وأنه يجوز تمثيل غير ما ذكر إذا روعيت السياقات التاريخية الصحيحة وعرفت لهم سابقتهم فى الإسلام وأظهروا بشكل يناسب مكانهم من النبى صلى الله عليه وسلم وأنهم خيرة الخلق بعد الأنبياء والرسل، ما دام الهدف نبيلا كتقديم صورة حسنة للمشاهد واستحضار المعانى التى عاشوها، وتعميق مفهوم القدوة الحسنة من خلالهم، وقد راعت هذه الفتوى التوازن بين التقديس للأنبياء والاحترام الكامل لمن خالط أنفاسهم يظل معنى القدوة فى مكانته السامية فى الوقت الذى لا تمنع الفتوى فيه من الاستفادة من هذه النماذج المشرفة، ولكن بما يليق بمكانتها ويحافظ على وحدة الأمة واجتماعها. السنة النبوية ¿ إلى أى مدى تأثير الفتوى في المجتمع المصري المعاصر؟ قد تبوأت الفتوى مكانة رفيعة منذ ظهور الإسلام وإلى هذا اليوم، وما يؤكد هذه المكانة أن الله تعالى قد نسب الفتوى إليه وتولاها بنفسه، حيث قال تعالى: «وَيَستَفتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ»، كما ورد بالسنة النبوية في مواضع كثيرة منها أن الصحابة كانوا كثيرا ما يسألونه -صلى الله عليه وسلم- عما كان يشغلهم في أمور دينهم ودنياهم فيفتيهم، ومن أهم الأقطار التي فتحها الصحابة مصر -كنانة الله في أرضه- التي ظهرت فيها حركة فقهية قوية منذ العام الأول من الفتح الإسلامي لها، ثم تباعا تطور ونما الفقه الإسلامي في مجالات الإفتاء والتدريس والقضاء حتى أصبحت مصر مركزا علميا مميزا يشد إليه طلبة العلم الرحال من كل أنحاء المعمورة لينهلوا منه. التقدم والرقي ¿ ماذا تقول عن تجديد الخطاب الديني؟ إن تجديد الخطاب الديني سمة ملازمة للإسلام بل هو ضرورة لاستمراره دينا عالميا صالحا لكل زمان ومكان؛ بغية النهوض بواقع الأمة وتطوير ذاتها نحو التقدم والرقى فى المعاش والارتياش إعمالا لقول العزيز الحكيم: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ). فالتغيير -ومنه التجديد- كما يكون فى النفس يكون فى الأدوات والوسائل من باب أولَى. وهذا التجديد فيه انفكاك من القوالب والأطر الجامدة وانفتاح على العصر ومعطياته المتجددة مع المحافظة على ثوابت الدين وقطعـياته التى تنسجم مع العقل السليم والفطرة القويمة تصديقًا لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «يرث هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تأويل الجاهلين وانتحال المبطلين وتحريف الغالين»، وهو ما يرتكز عليه «خطاب الوسطية الإسلامية» المتحقق فى منهج الأزهر الشريف بمصر وفى غيره من المناهج المعتدلة، ذلك المنهج الذى يستلهم من تراث الأمة عبر القرون دون تعصب لمذهب أو فرقة أو جماعة ما هو صالح للدعوة وتبليغ العلم وبيان الحكم الشرعى فى قضايا الناس والعصر، ولقد امتلأ مجال الدعوة عبر الوسائل والأنماط المختلفة بأصوات كثيرة انطلقت لتبليغ الإسلام وهداية الناس، غير أن جملة كبيرة منها لم تتوفر فيها شروط خطاب الوسطية، بل لم تُلقِ لذلك بالًا من الأساس ومن ثَم قَل ظهور أصحاب ميزان الوسطية العادل فانتشر خطاب شابه شيء من التفريط والإفراط على حد سواء ونتج عنه اختلال فى الرؤية والعرض والنتيجة. العصر الحاضر ¿ باعتبارك كنت مشاركا في أعمال الدورة ببحث بعنوان (حكم تجسيد الأنبياء والصحابة في الأعمال الفنية).. ماذا تقول؟ إن مشاركة دار الإفتاء المصرية في المؤتمر تأتي من حرصها على التواصل مع كل المؤسسات الإسلامية وتبادل الخبرات والاطلاع على كل المستجدات في مختلف الأمور، وإن اختيار الدار لهذا البحث جاء من قناعتها بأن فن التمثيل في العصر الحاضر صار ملامسا لحياتنا اليومية على قدر كبير؛ مما جعل له قدرة كبيرة على التأثير على قناعات المشاهدين -العامة والخاصة- واهتماماتهم، وبالتالي فلا بد من وضع أطر وضوابط لكل ما يعترض طريقه من مشكلات شرعية ترشيدا لمسيرته. وإن حكم التمثيل من الأساس حكم مختلف فيه بين الفقهاء المعاصرين، حيث حرمه البعض على إطلاقه كالعلامة المحدث أحمد بن الصديق الغماري وهو ما ذهبت إليه اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية، وبين مبيح له بضوابط يجب مراعاتها شكلاً وموضوعاً كالعلامة الشيخ حسنين محمد مخلوف مفتي الديار المصرية سابقاً والإمام الأكبر الدكتور عبدالحليم محمود والإمام الأكبر الشيخ جاد الحق والشيخ عطية صقر وهو ما ذهبت إليه دار الإفتاء المصرية ولجنة الفتوى بالأزهر الشريف. لجان الفتوى ¿ وماذا عن حكم تجسيد الأنبياء؟ عدم جواز تجسيدهم في أعمال فنية مراعاة لعصمتهم ومكانتهم فهم أفضل البشر على الإطلاق، ومن كان بهذه المنزلة فهو أعز من أن يمثَل أو يتمثل به إنسان، بل إن الشرع الشريف نَزه صورهم أن يتمثل بها الشيطان حتى في المنام، وإن بحثي بهذا الحكم متبع لقرارات لجان الفتوى الرسمية في فتاواها الصادرة عنها وكذلك المجامع العلمية الشرعية في قراراتها المنبثقة عن اجتماعاتها ومنها مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف وهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية والمجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي ودار الإفتاء المصرية في عدة فتاوى لها خاصة بهذا الشأن ولجنة الفتوى بالأزهر الشريف واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية في عدة فتاوى لها صادرة في هذا الشأن، كما ذهب إلى الحكم بحرمة تجسيد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مطلقًا الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الأستاذ الدكتور عبدالحليم محمود في فتوى له. العالم الإسلامى ¿ وماذا عن تجسيد الصحابة؟ إن الأمر مختلف فيه، حيث إن هناك مجامع وهيئات إسلامية أفتت بعدم الجواز مطلقا في تجسيد أي من الصحابة ومنها هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية والمجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية في عدة فتاوى لها صادرة في هذا الشأن، وهناك هيئات ومجامع أخرى أفتت بإباحة تجسيد الصحابة رضي الله عنهم بضوابط ومن هذه الهيئات والمجامع مجمع البحوث الإسلامية مستثنياً من إباحته العشرة المبشرين بالجنة وأمهات المؤمنين وبنات النبي صلى الله عليه وسلم وآل البيت الكرام كالسيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وولديها الحسن والحسين وابنتها السيدة زينب فلا يجوز تمثيلهم بحال؛ لما لهم من مكانة عظيمة وسابقة في الإسلام. الرباط المقدس ¿ ما السبيل الوحيد لإصدار الفتاوى الدينية؟ السبيل الوحيد لإصدار الفتاوى الدينية وتوثيقها هو صدورها من جهات الاختصاص الرسمية في البلاد، وهي هيئة كبار العلماء ودار الإفتاء المصرية، إذ عملهما الأصيل هو إصدار الفتاوى بعد دراستها والوقوف على دقائقها خصوصا فتاوى الطلاق لتعلقها بالرباط المقدَس بين الزوجين وملامستها نواة المجتمع وأهم مكوناته وهي الأسرة. فالشرع الشريف ما شرع أحكام الزواج والطلاق لتكون وسيلة لإثارة الشقاق بين الأزواج وخلق الأزمات بين الأسر وإنما شرعها لتكون وسيلة لتحقيق الأمن والسلام الاجتماعي. الفتاوى الشاذة ¿ ماذا تقول عن الانتماء إلى التنظيمات المسلحة ودعمها بأى صورة؟ إن الانتماء إلى التنظيمات المسلحة ودعمها بأى صورة من الصور حرام شرعا؛ لأنها تسعى لدمار البلاد والعباد وتشوه صورة الإسلام بأفعالها الوحشية التي يتبرأ منها الإسلام والمسلمون بل والفطرة الإنسانية السليمة. وإن دار الإفتاء اضافت في فتوى لها إن مثل هذه التنظيمات بفكرها المتطرف قد ضللت الكثير من الشباب الذين تم التغرير بهم تحت اسم الدين والجهاد وتحت اسم الدولة الإسلامية، بينما هي في الحقيقة محاولة لتشويه الدين وتدمير البلاد وسفك دم العباد بعد أن ضلوا فى استنباط الأدلّة الشرعية وانجرفوا فى فهمهم للآيات والأحاديث، فهم يلوون عنق النصوص؛ لكى يبرروا مواقفهم وأفعالهم الدموية المتطرفة ولا يتورعون عن التجرؤ على دماء الخلق واستصدار الفتاوى الشاذة المنكرة لصالح منهجهم التكفيري الذي يعيثون به في الأرض فسادًا، وهم بذلك (يحَرِفونَ الكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ) ويخالفون قواعد الفتوى المعتبرة من الدراية التامة بالعلوم الشرعية والواقع المعيش؛ لكى يتمكنوا من استنباط الأحكام الصحيحة فيعمدون إلى الاستدلال بآية أو بمقتطف من آية دون إحاطةٍ بكل ما جاء فى الكتاب والسنة عن الموضوع ويحملون آية من القرآن الكريم ما لا تحتمل، فينسبون أحكامها زورا وبهتانا وجهلا إلى الاسلام. وإن الحرمة التى يقع فيها أولئك المتطرفون بسبب جرمهم وإيذائهم وسفكهم للدماء تنسحب -هذه الحرمة وذلك الجرم أيضا- على كل من يدعم هذه الجماعات بالمال أو الإيواء أو بالكلمة بل يطردون من رحمة الله. الردع العام ¿ حكم عقوبة الإعدام والاستثناءات الواردة على تطبيقها؟ إن نظام العقوبات الإسلامى جمع بين الردع العام والردع الخاص، وإن عقوبة الإعدام مشروعة من عند الله تعالى وإنها صالحة لكل زمان ومكان، وعقوبة الإعدام عقوبة تحقق الأمن والاستقرار والعدالة الاجتماعية، حيث تردع المجرمين أكثر من غيرها إذا طبقت فى صورها، وطريقة الإعدام يجب أن تخضع لضوابط تقوم على الرحمة وحفظ الكرامة الإنسانية مع جواز التعزير بعقوبة الإعدام فى حال حدوث جريمة كبيرة الضرر بالأمة. والقول بإلغاء عقوبة الإعدام يؤدي إلى فساد النظام الاجتماعي وهو مخالف لصريح القرآن الكريم والسنة ومنقول الإجماع ومقتضى العقل السليم؛ لما يترتب على ذلك من الفساد الاجتماعى وتعطيل أحكام الشريعة الصريحة. ولا بد من إحاطة عقوبة الإعدام بكل الضمانات التى تكفل عدم توقيعها على الأبرياء ويعدل عنها فى حالة وجود الشبهة مع ضرورة عدم تطبيق عقوبة الإعدام على غير كامل الأهلية حين إيقاعه جريمته. وأطالب باستخدام الوسائل الميسرة والسريعة فى إزهاق الروح عند تنفيذ عقوبة الإعدام على الجاني مع ضرورة حفظ حرمة الجانى (المقتول من تنفيذ العقوبة عليه) من التمثيل بالجثة ونحوه مما لا يليق بالكرامة الإنسانية، وأنه لا يجوز إسقاط حق أولياء الدم فى العفو عن الجانى إما ببدل أو مجانا إلا إذا كان الجانى يمثل خطرا ملحوظا على المجتمع. وبيان المجمع الفقهى يؤكد أن عقوبة الإعدام لا تلغى فى الشرع تماما؛ حفاظا على المصالح العليا من دون الإسراف فيها وأن عقوبة الإعدام تحافظ على المصالح العليا وأن المطالبة بإلغائها مطلقا ليس لها مبرر شرعي وعقلي مع وجوب ألا يحكم بالإعدام إلا إذا ثبت على الجانى أنه قد ارتكب ما يوجبها وفق قواعد الإثبات المقررة شرعاً فى الحدود والقصاص، وأنّه يجب أن يستند حكم الجريمة الموجبة للإعدام إلى نص تشريعى صريح مستمد من الشريعة الإسلامية، وأن يتوافر فى عقوبة الإعدام الضمانات التى تمنع الإسراف فى تطبيقها أو الخطأ فى الحكم بها، كما أكد المجمع مشروعية هذه العقوبة بدليل ما ورد فى القرآن الكريم والسنة النبوية، حيث أوجب الله القصاص فى القاتل العامد بغير حق وذلك بالقتل إعداما على فعله ووجوب عقوبة الإعدام فى الجرائم شديدة الخطورة على غرار جرائم الحدود والردة والزنا بعد الإحصان والفساد فى الأرض وجرائم الحرب والتقتيل والخيانة العظمى وجريمة التجسس لصالح العدو والإضرار بالمسلمين. كما استنكر المجمع الدعوة إلى إبطال هذه العقوبة بحجة أن المجتمع لا يستفيد من إعدام الجاني، معتبرين أن إعدام الجانى يؤدى إلى استئصال الشر والعضو الفاسد فى المجتمع وتحقق بذلك العدالة وترضية أولياء الدم، كما رفضوا مطالبة منظمة العفو الدولية والمنظمات الحقوقية بإبطال عقوبة الإعدام واستبدالها بالسجن المؤبد معتبرين أن عقوبة السجن المؤبد أدنى من مستوى الجريمة. وقرارات مجمع الفقه الإسلام وبحوث دار الإفتاء المصرية التى أقرت بمشروعية عقوبة الإعدام ووجوب تطبيقها وجدت من يؤيدها من علماء الأزهر. هواة الشهرة ¿ كيف نعمل على ضبط «فوضى الفتاوى»؟ إن الفتاوى أصبحت إحدى أكثر القضايا التي تحتاج إلى مزيد الضبط في ظل (فوضى الفتاوى) وانتقالها من الاجتماعي إلى السياسي؛ لتهدد وتروع وتحرض وتشعل الفتن وتدعو إلى القتل وتبيحه بما يضع المجتمعات كلها دون استثناء فوق بركان يتطاير شرره بالفعل في خضم الواقع السياسي المتصارع. وأن أصحاب الفتاوى التكفيرية من هواة الشهرة والسلطة وأن التكفيريين يقدمون مصلحتهم الشخصية على مصلحة الناس من منطلق أن الفقه التكفيري ينظر للأحداث بعين واحدة لتحقيق مصالحه وأن بعض الفتاوى تلبس السياسة ثوب الدين. وثبت أن من يطلقون الفتاوى التكفيرية غير مؤهلين علمياً ولا عقلياً لافتقادهم أدنى المعايير العلمية المعتمدة في إصدار الفتاوى الشرعية ولعدم إدراكهم خطورة ما يطلقونه من أحكام تؤدي إلى خراب المجتمعات وإحداث الفتن بين أبناء الوطن الواحد، فضلاً عن جعلهم التكفير مدخلاً شرعياً للقتل واستباحة الدماء والأعراض بما يمثل إفساداً في الأرض يهدم مقاصد الشريعة الإسلامية من أساسها. وان الفتوى قد ترد إلى دار الإفتاء لحالة خاصة فتكون الإجابة فيها بناء على واقعة هذه الحالة دون غيرها، فيكون من الخطأ العلمي والمهني الكبير أن تخرج هذه الواقعة من خصوصيتها ثم يعمم حكمها على كل ما يظن أنه يشبهها أو يماثلها دون سؤال أهل الاختصاص والرجوع إليهم والله سبحانه وتعالى يقول: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، وهذا ما حدث في فتوى الشات التي نسِبت لدار الإفتاء. وإن المؤسسة الدينية ومنها دار الإفتاء المصرية تحرص دائما على منهجها العلمي الأصيل الذي يرعاه الأزهر الشريف ومناطه ونحن لا نغفل مصالح الناس وعادتهم والتيسير عليهم ما دام الأمر متسقا مع الأخلاق ومنظومة القيم التي اتفقت عليها الشرائع السماوية وتلقتها العقول بالقَبول ويتسم بها الشعب المصري الكريم.

مشاركة :