«إن ما أعرفه عن نفسي، عن سدهارتا، أقل مما أعرفه عن أي شيء آخر في العالم، وليس بوسعي أن أتعرف على نفسي إلا من خلال نفسي». هكذا حدّث الفتى سدهارتا نفسه، الذي بدأ حياته ناسكاً في جماعة دينية يترأسها أبوه، يقدم القرابين، ويحفظ الصلوات ويتلوها لتطهير ذاته، لكنه ما يلبث أن يشعر بفجوة روحية عميقة، وثغرة لا تملؤها تلك الطقوس، متطلعاً إلى كمال لا يدركه ولكنه يشعر بالتوق إليه، ليهجر جماعة أبيه، ويبحث عن معرفة نفسه بنفسه، لبلوغ الحكمة وإيجاد الذات ومعرفة النفس، من خلال طرق تنوعت بين البراهمانية والانعزال والتأمل، والانغماس في الذات، والتتلمذ على يد النهر والطبيعة. الرواية تعتبر من روائع هيرمان هسه الأدبية، التي عكس فيها رؤيته وفلسفته الوجودية، من الجمع بين ثنائية الروح والجسد، ففي الحياة، يجب أن نجد سلامنا بأنفسنا، ونبحث عن المعنى، وعن شيء يمنحنا هدفاً، وسبباً للبقاء على قيد الحياة بالفعل، فنحن لا نريد أن ندرك أن كل شيء كان بلا مقابل، وأن أيامنا كانت ضائعة تماماً، ولذلك أدرك سدهارتا أن اتباعه لتعاليم الآخرين لم يمنحه سوى القليل من السعادة، وأن عليه البحث من خلال نفسه عن الحقيقة، وليس من خلال الآخرين مهما بلغت درجة كمالهم وصفاء أرواحهم وإيمانهم الجارف متعللاً بحكمة اقتبسها من خلال رحلته تقول: «إن المرء لا يُمكن أن يستمتع باللذة دون أن يعطيها، وإن كل نأمة وكل ضمة وكل لمسة وكل نظرة وكل جزء في الجسم له أسراره التي يمكن أن تمنح اللذة لمن يفهم». ومن أجل القيام بذلك، يجب عليه أن يدرك حالة الفراغ الحقيقية، ولفهم الفراغ، يجب على المرء أولاً أن يختبر الامتلاء المؤقت، من خلال الدخول لعالم الإنسان العادي، والانغماس في ملذاتهم، ليتعلم أنها ضحلة وعابرة، لن تخلق له شعوراً بالسعادة الدائمة داخل روحه فالسلام لا يمكن أن يأتي إلا من نفسه. يقول هيسه في محاضرة عن سدهارتا «غالباً ما تُنتقد طريقة بوذا للخلاص ويُشكك بها، لاعتقادهم أنها ترتكز بالكامل على الإدراك. هذا صحيح لكنها لا ترتكز على الإدراك الفكري فقط، أو مجرد التعلم والمعرفة، بل الخبرة الروحية التي لا يمكن اكتسابها إلا من خلال الانضباط الصارم في حياة نكران الذات». رغم صفحات الرواية القليلة إلا أنها قادرة على الغوص في أعماق النفس البشرية، وطرح الأفكار الفلسفية، وخاصة في حوارات سدهارتا لنفسه، أو حوارته مع صديقه غوفندا، المراكبي، وكامالا، من دون أن يخل ذلك بالعمل أو أن يجعله موجهاً لطبقة محددة من القراء.
مشاركة :