يستقبل القادمين إلى محافظة الخرج من الجهة الجنوبية مدخل متواضع، تعاني شوارعه من تردي الطبقة الأسفلتية، وغياب المجسمات والأشكال الجمالية، وسوء الأرصفة، وعشوائية في المحال والمواقع التجارية التي تقع على جانبي الطريق. وكل هذه التشوهات والنتوءات لا تعطي مؤشرا لزائر الخرج، بأنه قادم إلى واحدة من أهم المحافظات الاقتصادية، التي تسير بسرعة نحو تنمية شاملة، وحركة تجارية غير اعتيادية. ولمن زار المحافظة قبل عشرين عاما (مثلا)، وتابع النقلات التنموية التي تحظى بها من خلال البرامج الإعلامية القليلة في السنوات الأخيرة، يجدها قد أصبحت مختلفة من حيث تمدد مساحتها، ونهضتها العمرانية، وحركتها التجارية، إلا أن ما يحز في النفس أن عددا من المظاهر السلبية التي تم رصدها من خلال جولة ميدانية مصورة لـ «عكاظ»، تقلل من قيمة كل هذه المنجزات الحضارية. سيارات خربة تشوِّه المشهد مع ساعات الصباح الأولى انطلقت الجولة من قلب المحافظة صوب بعض الأحياء الحديثة والقديمة، للوقوف ميدانيا على تخطيطها وطبيعة حياة سكانها، ورونق مبانيها، وما يقدم لهم من خدمات، وما يأملونه من مطالبات واحتياجات. وبكل أمانة، ما يميز أحياء المحافظة شوارعها الفسيحة، وإن كانت تعاني من المطبات الأسفلتية العشوائية، التي تأتي من خلال اجتهادات شخصية للسكان، إضافة إلى مستوى النظافة الجيد، الذي لا يشوهه سوى سيارات خربة تقف في بعض الأحياء تنتظر اللجنة المختصة لإزالتها، مع مخلفات بناء في بعض الزوايا البعيدة عن الشوارع والأحياء الرئيسية. نظافة انتقائية وبالولوج المتعمد إلى الطرق الفرعية لرصد أي أوجه قصور، لم يكن هناك ما يدل على ذلك؛ فحاويات النظافة وبمختلف الأشكال ووفق الاحتياج كانت أمام المنازل، وعمال البلدية منتشرون وبكثافة في جميع الأحياء، رغم اعتقادنا أن تواجدهم يقتصر على الشوارع الرئيسية والأحياء الحديثة. وفي تلك الأثناء، توقفنا للحديث مع علي عمر، أحد سكان حي الأندلس، حيث باركنا له هذا المستوى من الخدمات التي يحظى بها السكان وتحديدا فيما يتعلق بمستوى النظافة، حيث أكد أن الحاويات متوفرة وبكثرة وأمام كل منزل، إلا أنه قال: النظافة تقتصر على نزع الحاويات، دون الالتفات لما في شوارع الأحياء من أتربة ومخلفات. وأضاف: أن هذا المستوى من النظافة يتأرجح من فترة لأخرى، مطالبا بأن تحرص البلدية على استمرارية وجودة النظافة. المحافظة على البيئة ومع سعادتنا بمستوى التخطيط وجودة الخدمات مقارنة بأحياء عديدة في مناطق ومحافظات أخرى، إلا أن أيادي العبث دائما ما تشوه الجماليات، وتنسف هذه الجهود التي تسجل للبلدية، حيث تشاهد السيارات الخربة بالقرب من بعض المنازل، والكتابات غير اللائقة على الجدران، ومخلفات النفايات، إضافة إلى عدم الاهتمام بواجهات منازل بعض المباني من قبل ملاكها. وهنا قال أحد السكان: لو أن السكان تعاونوا مع البلدية، لوجدت أن أحياء محافظة الخرج من أرقى الأحياء على مستوى المملكة. مطالبا بتنظيم دورات توعية للسكان في الأحياء، للقيام بدورهم وواجبهم مع الأجهزة الحكومية في المحافظة على البيئة العامة وتحسين وتجميل المدينة. المخالفون والزحام الصباحي مع بزوغ الشمس في قلب المحافظة، أذهلنا الزحام المروري وتحديدا أمام المدارس، وسط محاولات من رجال المرور السيطرة على الحركة، ولم يكتفوا بالتوجيه عبر مكبرات سيارات الدوريات، وإنما يتواجدون راجلين على مفارق الطرق وأمام الإشارات في منظر ذكرني بالزمن الجميل، وقبل أن يتم الاعتماد على الإشارات الضوئية في تنظيم حركة السير، وبكل صدق استطاعوا التعامل بحرفية مع موجة الزحام، وهم يبتسمون حتى لمن يتسببون في تعطيل الحركة المرورية. وعقب الاتصال بمدير مرور الخرج العقيد سلطان السهلي وقبل بداية الدوام الرسمي للتعبير له عن ارتياحنا لمستوى التنظيم الميداني للدوريات، وبتفاني الضباط والأفراد في أداء واجباتهم بكل أريحية، أخبرني أنه في الميدان مع بقية زملائه، مشيرا إلى أنهم جميعا يشعرون بالسعادة عندما يقدمون واجبهم للمواطنين والمقيمين، ولطلاب وطالبات المدارس والموظفين. لكن في كل مرة لا تكتمل الفرحة في الخرج، فبعد التنظيم المروري الرائع، صدمنا منظر لا يمكن تخيله إطلاقا، يتمثل في العشرات من العمال المخالفين الباحثين عن عمل ينتشرون بجوار إحدى المدارس. فما أن يحضر صاحب عمل إلى الموقع، إلا ويتسابق إليه كل من في الموقع، يتجمعون حول سيارته لتختفي وصاحبها وتتحول إلى منظر يشبه عش العنكبوت. وتوقعنا أن يكون هذا المشهد مقتصرا على هذا الموقع أمام المدرسة، إلا أنه تكرر كثيرا وبأعداد مرتفعة جدا، الأمر الذي يطرح السؤال: أين الجهات المعنية وفي مقدمتها المحافظة والجوازات، وألا يوجد حملات على هذه المواقع للقبض على المخالفين، وتطبيق الأنظمة بحقهم، للقضاء على هذه الظاهرة التي تشكل خطرا أمنيا؟ حملات تفتيشية لتصحيح الأوضاع حملنا السؤال وتوجهنا إلى محافظ الخرج شبيلي آل مجدوع القرني، الذي قال بأريحية تامة وشفافية عالية: إن المحافظة بحكم موقعها وما حباها الله من نعمة تتمثل في جلب المستثمرين والاستثمارات غير الزراعية من مدن صناعية واستثمارية وقيادات في مختلف القطاعات، كل هذا يكون سببا في ارتدادات ومتطلبات لا يمكن تهيئتها إلا من خلال عمالة تفي بالاحتياج القائم، ومن أجل هذا تجد مثل هذه الكثافة في أعداد المخالفين، ولا شك أن هذه العمالة تصنف إلى صنفين منها ما هو نظامي ولا غبار عليه ولا بد أن نضع أمامه تسهيل لإتاحة العمل، لأن هذا يصب في مصلحة الاقتصاد ومساعدة المواطن في إنهاء كل يحتاجه من مختلف المهن، أما إذا كان لدى العمالة مخالفات فلدينا عدة جهات تعنى بمتابعتها، من خلال حملات شبه يومية، ومن يتضح أنه غير مؤهل ولم يستوف الشروط تطبق بحقه الإجراءات بعد ضبطهم ومعاقبتهم ومن شغلهم وفق التعليمات المنظمة في أجهزة الدولة، فأستطيع القول إن هذا العدد الكبير نظامي، وهناك مؤسسات كبيرة جدا تحتاج لمثل هذه العمالة. وهنا انتهت الجولة في الخرج وهي تنبض بالحيوية، من حيث الحركة التجارية والنهضة العمرانية، ويحدونا الأمل في العودة مرة أخرى، وقد تمت معالجة بعض المظاهر السلبية، والنتوءات البسيطة في الشوارع والميادين العامة، والأحياء الحديثة والقديمة.
مشاركة :