عادل حمودة يكتب: شاهد على جريمة المنصة

  • 10/10/2021
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

٤٠ سنة على اغتيال السادات فى ٤٠ ثانية لم يرتد قميصه الواقى من الرصاص بسبب ضيق البدلة الجديدة التى خيطت فى لندن   صرخت زوجة وزير الداخلية: «هاتولى محمد.. يا خرابى يا محمد».. وجيهان تنهرها: «إذا متنا فلنمت بشرف» الطائرة التى نقلت السادات إلى مستشفى المعادى كان سيسافر بها إلى وادى الراحة لقضاء عيد الأضحى «تايم» اختارت السادات واحدًا من أشيك عشرة رجال فى العالم ووضع القائمة مصمم أزياء من أصل إيرانى اسمه بيجان جيهان تأكدت من براءة الحرس من دم زوجها بعد أن عاينت جثمانه فى المشرحة تمالكت جيهان السادات أعصابها وهى تتابع أربعة مهاجمين مسلحين يقتربون من زوجها الجالس فى صدر المنصة واستدارت إلى سكرتيرتها قائلة: «مدام صادق دول مجانين». لكن عندما وجدت زوجها يسقط على الأرض والدماء تغطى وجهه اندفعت إلى باب الغرفة الزجاجية التى تتابع من ورائها العرض العسكرى ولكن الحرس الخاص منعها بشدة وألقى بها على الأرض من أجل سلامتها». فى تلك اللحظات صرخت فايدة كامل: «محمد محمد.. هاتوا لى محمد.. يا خرابى يا محمد». فايدة كامل مطربة ومحامية وعضو فى مجلس الشعب أما محمد فهو محمد النبوى إسماعيل زوجها وزير الداخلية الذى هرب فور اغتيال السادات فى سيارة ضابط شرطة (ملازم أول) واختفى تماما حتى تأكد أن الحادث لم يسفر عن انقلاب. بحدة طلبت منها جيهان أن تسكت قائلة: «لو متنا فلنمت بشرف». نقل السادات فى هيلكوبتر فرنسية (طراز جيزيل) إلى مستشفى المعادى العسكرى وفى تلك اللحظة سمح لجيهان أن تلحق به. كانت الطائرة تنتظر خلف المنصة لتقل السادات بعد العرض إلى قريته (ميت أبو الكوم) ليزور قبر شقيقه عاطف (الطيار الذى استشهد فى حرب ٦ أكتوبر) لينطلق بعدها إلى «وادى الراحة» فى سيناء ليقضى عيد الأضحى هناك قائلا لسكرتيره الخاص فوزى عبد الحافظ: «لا راحة إلا فى وادى الراحة». ولكن الطائرة التى كانت ستطير به إلى هناك ليستريح طارت به إلى المستشفى ليستريح أيضا. كان مؤكدا أن السادات مات قبل أن يصل إلى المستشفى كما سمعت من الدكتور سيد الجندى كبير أطباء المخ والأعصاب الذى خرج من غرفة العمليات حاملا أوسمة وأوشحة الرئيس وسلمها إلى زوجته بعد أن وقع على التقرير الطبى هو وعشرة أطباء آخرين رأسهم الدكتور أحمد سامى كريم مدير المستشفى. فى ذلك الوقت حضر مبارك مسرعا وبقع الدم تلوث ثيابه لكنه لم يبق طويلا وعاد إلى بيته ليغير ثيابه قبل أن يجتمع بالحكومة فى الخامسة عصرا ولحق به وزير الدفاع المشير أبو غزالة بعد أن رفع حالة الطوارئ فى القوات المسلحة للدرجة القصوى لضمان سلامة البلاد بعد القبض على ثلاثة من المتآمرين نقلوا مصابين إلى مستشفى المعادى فى حالة درامية نادرة أن يكون القتلة والقتيل تحت سقف واحد. لم تزد عملية الاغتيال عن أربعين ثانية نزل خلالها الجناة من عربة نقل «زيل» تجر مدفعا وألقوا القنابل وأطلقوا النار فى وقت كانت الأنظار فيه متجهة إلى السماء تتابع سرب طائرات فانتوم يقوم بحركات بهلوانية بينما مذيع العرض الداخلى يقول: «إنهم فتية آمنوا بربهم». من جانبه سهل السادات اغتياله عندما هب من مكانه واقفا منتصبا وهو يصرخ أكثر من مرة: «مش معقول مش معقول مش معقول». كانت تلك الجملة آخر ما قال السادات وما أن نطق بها حتى جاءته رصاصة من أحد الجناة كان يقف فوق ظهر العربة يصوب بندقيته الآلية نحوه وبوقوف السادات أصبح هدفا واضحا كاملا يسهل إصابته خاصة أن حامل البندقية قناص محترف هو حسين عباس على. كان التصويب موجها إلى رقبة ورأس السادات لضمان إصابته تجنبا لقميص واق من الرصاص يرتديه لكنه فى الحقيقة رفض ارتداءه وسخر من النبوى قائلا: «أنت هوال وخواف يا نبوى ما تخافش أنا رايح لولادى والأعمار بيد الله». الحقيقة أيضا أن السادات لم يرتد القميص الواقى من الرصاص لسبب آخر لم تنكره السيدة زوجته.. أن البدلة العسكرية الجديدة التى خيطت فى لندن كانت ضيقة عليه ومن الصعب ارتداء القميص الواقى من الرصاص تحتها.. وهنا سمعت من السيدة جيهان أنها عرضت عليه ارتداء بدلة العام الماضى ولكنه رفض. القميص الواقى من الرصاص صنع فى الولايات المتحدة ليستخدمه السادات أول مرة يوم زار القدس فى ١٩ نوفمبر ١٩٧٧ وكانت المرة الثانية يوم رفع العلم المصرى على العريش بعد تحررها يوم ٢٦ مايو ١٩٧٩. والمؤكد أن السادات كان يعطى اهتماما فائقا لأناقته حتى أن مجلة «تايم» الأمريكية اختارته واحدا من أشيك عشرة رجال فى العالم وكان منافسه على المركز الثالث الممثل الفرنسى أيف مونتان. أما الذى كان يضع القائمة فهو مالك بيت أزياء رجالى شهير من أصل إيرانى اسمه بيجان مقره فى شارع «روديو دريف» حيث أغلى ماركات الثياب والحلى فى بيفرلى هيلز. وكما رفض السادات القميص الواقى من الرصاص رفض أن يمسك عصا الماريشالية التى اعتاد الإمساك بها فى احتفالات أكتوبر واعتبرت زوجته أن ذلك نذير شؤم. ولكنها فى الحقيقة كانت تشعر باكتئاب يمسك بقلبها وبصعوبة أطلقت الزغاريد التى اعتادت وداع السادات بها يوم العرض العسكرى وكانت جاراتها يشاركنها تلك الفرحة. شىء ما كما ــ سمعت منها فيما بعد فى لندن قبل أن تدور كاميرات الحوار بينى وبينها ــ جعلها تقرر ألا تذهب إلى المنصة هذه المرة على أن تكتفى بالفرجة على العرض العسكرى فى التليفزيون وبالفعل طلبت ضابط الأمن المكلف بحراستها ومرافقتها لتبلغه القرار ولكنه راجعها فيه قائلا: ــ هذا لا يجوز يا فندم النهاردة ستة أكتوبر يوم الريس ويوم سيادتك. وأخيرا وعلى مضض وافقت. كان متوقعا أن تشعر جيهان بالقلق على زوجها فى ذلك اليوم.. قبل أسبوع واحد كشفت محاولة لاغتياله فى المنصورة.. وعرضت عليه الأجهزة الأمنية شريط فيديو يصور تدريبات الجماعة الإسلامية على إطلاق النار فى منطقة صحراوية.. والأخطر أن حملات الاعتقال الواسعة التى أمر بها قبل شهر (فى ٥ سبتمبر) ضمت شخصيات تمثل فئات المجتمع وطبقاته سياسيا ودينيا وإعلاميا ومهنيا وفى هوجة القبض والحشر فى السجون لم يسأل السادات نفسه عمن يقف معه ؟ كما لم يسأل نفسه لم انقلبت الولايات المتحدة عليه ؟. صحيح أن السيدة جيهان أكدت أكثر من مرة أن الاعتقالات كانت ضرورة ملحة حتى لا يتراجع الإسرائيليون عن استكمال انسحابهم من سيناء ولكن لم ينتبه السادات ــ المعروف بحنكته وبصيرته ــ أن الغضب إذا ما انفجر لا ينتظر طويلا. والمؤكد أن السادات لم يكن طبيعيا فى يومه الأخير حسب ما شهد المصور العسكرى مهدى خلف الذى اعتاد التقاط صورة تذكارية فى هذه المناسبة للرئيس ونائبه ووزير الدفاع: «فى هذا اليوم شعرت بأن الرئيس يتحرك كثيرا وأن وجهه محتقن بعض الشىء حتى أنه نسى الكاب عند مغادرته قاعة التصوير متجها إلى منصة العرض وهو عادة لا ينسى مثل هذه الأمور المتعلقة بالزى على الإطلاق». الحقيقة أن مصر كلها لم تكن فى حالة طبيعية رغم أن عيد الأضحى يطرق الأبواب. بدت القاهرة صامتة على غير عادتها وأنا أقود سيارتى (فيات) إلى مقر العرض وعلى زجاجها تصريح المرور الأحمر ورغم خلو الشوارع من البشر إلا أن نقاط التفتيش فى تقاطعات الطرق المؤدية إلى مدينة نصر لم تترك سيارة واحدة تمر دون تفتيش دقيق. كنت المراسل العسكرى لـ«روز اليوسف» الذى غطى عمليات الانسحاب الإسرائيلى من سيناء التى قادها من الجانب المصرى العميد بحرى محسن حمدى ثم اللواء صفى الدين أبو شناف رئيس الأركان فيما بعد. لم يكن من الصعب هذه المرة أن نلاحظ اختفاء القناص الذى كان يجلس فى البرج الزجاجى موجها سلاحه إلى دائرة مركزها السادات ليصيب كل من يقترب منه وسيطر على مكانه هذه المرة مصور جريدة الأخبار مكرم جاد الكريم الذى انفرد بصور الحادث من تقدم الجناة إلى المنصة وحتى القبض على ثلاثة منهم (خالد الإسلامبولى وعطا طايل وعبد الحميد عبد السلام) وهرب حسين عباس وإن قبض عليه فيما بعد. نالت حراسة السادات كثيرا من اللوم وأشيع أنها كانت تشرب الشاى خلف المنصة بل أكثر من ذلك شكك محامو المتهين فى أن الرصاصات التى قتلت السادات جاءت من الخلف وليس من الأمام فى اتهام خفى لحراسته مما دفع السيدة جيهان ــ وابنها جمال ــ إلى رؤية جثمان زوجها فى المشرحة والتأكد من كذب الشائعات وصدق الرواية الرسمية. بعد ٤٨ ساعة استيقظ أهالى أسيوط مبكرا لتأدية صلاة العيد ولكنهم وجدوا أنفسهم فى مرمى نيران التنظيم المسلح للجماعة الإسلامية وسقط عشرات من المواطنين ورجال الشرطة فى محاولة فاشلة لاستغلال اغتيال السادات فى تشتيت الأمن حتى إسكاته تمهيدا لهدم الدولة وإعلان الخلافة. وقبل أن تهدأ الأحداث التى سيطر عليها اللواء حسن أبو باشا وخرج منها وزيرا للداخلية كنت هناك أرصد وأسجل وأصف الخطوة الأولى فى خطة الاستيلاء على مصر. كان وراء تلك الخطة عبود الزمر الذى لم يكن متصورا نجاح عملية الاغتيال وبالقبض عليه كشف عن محمد عبد السلام فرج مؤلف كتاب «الفريضة الغائبة» التى برر فيه سياسة العنف الذى فرضها على تنظيم الجهاد وبسهولة وصل الأمن إليه هو ومفتى التنظيم عمر عبد الرحمن ليلتقط البلد أنفاسه قبل أن يدخل فى موجة جديدة من الإرهاب.

مشاركة :