خطورة الأزمة على المجتمع: تشكل أزمة الإسكان التي تشهدها المملكة حاليا ومنذ سنوات أعقد المشاكل التي شهدتها السعودية منذ نشأتها، وما زالت صداعا في رأس المواطن والحكومة وما زالت تطيح بالكثير من القيادات وكان آخرها وزير الإسكان السابق. ويعاني السعوديون من أزمة سكن منذ عقود، وتؤكد إحصاءات شبه رسمية أن 60% من السعوديين لا يملكون مسكناً خاصا، وأن نحو 30% من المُلاّك يقطنون مساكن غير لائقة. وعلى الرغم من المساحة الكبيرة للمملكة، واتساع رقعتها وامتدادها من كل الجوانب فما زالت الأراضي وارتفاع أسعارها يشكلان الأزمة الأهم والحلقة الأخطر في تكاليف البناء، عندما أصبحت قيمة الأرض تعادل ما بين ٤٠ % إلى ٦٠ % من إجمالي كلفة التكاليف، وهذا الأمر خلق عجزاً سواء بقرض الدولة أو حتى نسبة الادخار الشخصي لمن يستطيع. السكن أساس الاستقرار العائلي: ويعد الاستقرار العائلي أهم عناصر التنمية الاجتماعية، فإذا أضفنا إلى تكاليف السكن الاحتياجات الخاصة من أعباء الغذاء والمدارس والفواتير المتعددة، وعلى راتب رب الأسرة، أو الأب والأم، إذا كانا بالفعل يعملان، فإن الوضع لن يكون بمقدور متوسطي الدخل تحمل أعباء مادية هائلة، وخاصة حديثي التكوين الجديد للأسرة، والتي غالباً تحول الزواج ذاته عبئاً دفع بالعديد من الشباب والشابات إلى الامتناع عنه؛ وهي قضية ترتب عليها العنوسة وتضاعفها كل عام ما يعني إشكالا جديدا للمجتمع وسلوكه وحياته. الجهود المبذولة لحل الأزمة: وتوالت الجهود المبذولة من حكومة خادم الحرمين الشريفين للبحث عن حلول لتلك المشكلة، وتوفير مبالغ مالية كبيرة وصلت إلى 250 مليار ريال من الملك عبد الله بن عبد العزيز يرحمه الله، ومساحات من الأراضي بمليارات الريالات، وتأكيد الملك سلمان بن عبد العزيز أكثر من مرة على ضرورة حل مشكلة الإسكان بقوله: إننا عازمون بحول الله وقوته على وضع الحلول العملية العاجلة التي تكفل توفير السكن الملائم للمواطن. إلا أن الأمور ما زالت تسير نحو الأسوأ وما زال المواطن السعودي يكوى بنار أسعار السكن الملتهبة سواء في الشراء أو الإيجارات. ونظراً لأهمية تلك المشكلة وضرورة تضافر الجهود لإيجاد الحلول الناجحة والناجعة والسريعة لها، فإن المدائن تفتح هذه القضية على حلقات من خلال مناقشتها مع الخبراء والمختصين، لتوصيف المشكلة وتحديد أسبابها، والسعي إلى وضع حلول جذرية لها، بحيث تكون حلولا غير تقليدية، تعالج المشكلة دون ان ترهق خزينة الدولة، أو تحملها ما لا تطيق في ظل انخفاض أسعار البترول، ووجود الكثير من القضايا التي لها الأولوية في السياسة السعودية في المرحلة الراهنة. آراء الخبراء في سبب الأزمة والحلول: في البداية يؤكد عشرات المستثمرين في العقارات والأراضي على وجود أزمة حادة ومشكلة مزمنة في السكن والعقارات في المملكة، ويجمعون على ضرورة تدخل الدولة لحلها لأنها باتت أعقد من أن تترك لأفراد من المستثمرين، وأكبر من أن تستطيع جهة واحدة إنهاء هذه المشكلة، بل لابد من تضافر جهود كثيرين، وبذل جهود خارقة لإنهائها في فترة وجيزة، حيث أكد عبد العزيز السعيد ، أن المشكلة ظهرت بسبب قلة المعروض من الأراضي خاصة في جدة والرياض، وعدم وجود توسع رأسي في المباني الجديدة، مع إلزام صاحب المبنى بتوفير مواقف للسيارات في رخصة البناء ، كما ألقى باللوم على البلديات التي تلزم صاحب البناء بالشقق ذات المساحات الكبيرة والتي تكون عبئا على المستأجر والمشتري، قد لا تناسبه ارتفاع أسعار الإيجارات أو أسعار الوحدات السكنية، ويرى أن الحل يكون بتدخل الدولة المباشر في تأمين الأراضي داخل الأحياء السكنية، خاصة أن الأمانات لديها مساحات كبيرة داخل المدن من الممكن أن تسهم في حل هذه الأزمة، وكذلك التوسع الرأسي في المباني الجديدة، والتوسع الأفقي في المدن عن طريق إنشاء مدن جديدة على أطراف المدن الكبيرة، على أن يتم توفير شبكة من المواصلات العامة الجيدة، وفي هذه الحالة سيهرب الكثير من المواطنين من زحام المدينة وارتفاع أسعارها إلى خارجها، حيث السعر المناسب للسكن والجو الهادئ. فرض رسوم على الأراضي ليس حلاً: وعن فرض رسوم على الأراضي البيضاء يعتبر السعيد أن هذا الأمر ليس حلا مطلقا، بل هو سلاح ذو حدين، لأنه سيزيد من قيمة الأراضي وفي النهاية سيتحملها الساكن أو المشتري مما يرفع قيمة العقار مطالبا بإعادة النظر في هذا الأمر ومناقشته جيدا قبل البدء في تنفيذه. ويؤكد هذا الرأي أيضا عبد الله العقل الذي يرى أن فرض الرسوم على الأراضي ليس هو الحل للمشكلة بل إنها مشكلة متشعبة ومتشابكة ومتعددة الأسباب، ومنها تمسك ملاك الأراضي بها وعدم بيعها أو تطويرها والمغالاة في أسعارها، وكذلك ارتفاع أسعار العمالة في البناء وندرتها خاصة العمالة المدربة ، وتدني دخل الفرد بحيث أصبحت أسعار الأراضي لا تناسبه، ويرى أن الحل يكمن في ضرورة توزيع الخدمات على المحافظات وعدم تركيزها في مكان معين، وهذا عن طريق إنشاء مجتمعات جديدة قريبة من المدن الكبيرة تستوعب النمو المطرد في حركة العقارات، مع توفير كافة الخدمات والبنى الأساسية في هذه المجتمعات الجديدة أسوة ببعض الدول ، التي بدأت تقيم مجتمعات عمرانية كبيرة على حدود المدن الكبيرة، وتوفر لها كافة الخدمات، وكذلك الاستفادة من الأحياء القديمة وإعادة تخطيطها مثل حي منفوحة والديرة والدخنة وغيرها من الأماكن التي تقدر مساحتها بملايين الأمتار وغير مستثمرة بطريقة صحيحة. ويشاركهما الرأي سعود الدوسري ، الذي يرى أن شح الأراضي وسيطرة كبار المستثمرين على الأراضي الموجودة وعدم استثمارها يفاقم المشكلة ، محملا البنوك المسؤولية الكبرى في ارتفاع أسعار العقار، نظرا لقيامها بالشراء بأسعار مرتفعة ووجود فوائد على قروض الإسكان مما يجعل صاحب العقار يقوم بتحميل هذه الفائدة على سعر العقار الذي يرتفع بشكل كبير، ويطالب بضرورة التدخل المباشر للدولة في بناء مساكن للمواطنين وعدم الاكتفاء بالقروض، والاستعانة بكبرى الشركات الأجنبية لسرعة الإنجاز في البناء، والتوسع العمراني خارج المدن. الأزمة عميقة تحتاج شركات مميزة وعقول مفكرة: ويؤكد عبد الرحمن البابطين عمق الأزمة السكنية ،حيث إن هناك فجوة بين العرض والطلب خاصة من جانب المطورين، مشيرا إلى أن المملكة تفتقد للشركات المطورة، وأن ما يتم هو جهود أفراد والكثير من المطورين العقاريين تركوا العمل نظرا لشدة إرهاقه، فالمملكة لا يوجد بها سوى شركة واحدة كبرى للتطوير العقاري، إضافة إلى أن السوق العقاري السعودي غير ناضج، بمعنى أن معلومات السوق غير متوفرة وشحيحة، كما أن ثقافة المواطن تسهم في تعميق الأزمة وزيادتها، خاصة ضرورة السكنى في فيلا وإن كانت هذه الثقافة بدأت تتغير بشكل كبير عند الشباب. ويرى أن الحل يكمن في ضرورة اشتراك الدولة والمطورين والأفراد كل من جهته، لوضع الحل المناسب السريع ، وكذلك لابد أن يكون لوزارة الإسكان دور في بناء وحدات سكنية منخفضة التكاليف عن طريق شركات كبيرة، خاصة وأن هناك أكثر من 250 مليار ريال تم رصدها من الدولة لبناء مساكن، إضافة إلى ملايين الأمتار التي تتجاوز قيمتها مئات المليارات، ولو وجدت هذه الأموال شركات مميزة وعقول مفكرة لأنهت جزءاً كبيرا من الأزمة، ويضيف قائلا: كما استعانت الدولة بكبرى الشركات العالمية لمشروع المترو يجب أن تسير في نفس الاتجاه تجاه أزمة الإسكان، كما يطالب بضرورة تيسير الإجراءات للمطورين في الأجهزة الرسمية الحكومية، فلا يعقل أن ينتظر المطور أكثر من 4 سنوات ليحصل على موافقات لبدء العمل في الأراضي الجديدة، ويحتاج لعشرات الإجراءات، فضلا عن تلاعب الشركات بالمطورين خاصة شركة الكهرباء والمياه، مما جعل المضاربة في الأراضي أيسر وأسهل من تطويرها واستثمارها، وهذا ما جعل الكثير من الأراضي بيضاء حتى الآن. المدائن تواصل فتح الملف مع الخبراء: ولا زالت المدائن تفتح القضية أمام الخبراء والمختصين وكبار المطورين العقاريين للبحث عن أسباب المشكلة، والسبل الكفيلة بوضع الحلول لها. وفي الحلقات القادمة نطرح آراء المختصين لنضعها أمام المسؤولين وصناع القرار لتكون إضاءة لهم في أي قرارات يتخذونها لعلاج المشكلة.
مشاركة :