الخبير المصري محمد الزواوي: دور الأكراد في مواجهة داعش يضفي شرعيةً على مطلب دولتهم المستقلة. المحلل السياسي التركي سعيد بلحاج: حلم الدولة الكردية المستقلة بعيد المنال وعوائق إقليمية ودولية تعترض طريقه. المفكر العراقي مصطفى الأوسي: الإمكانيات الاقتصادية والعسكرية وداعش هواجس تقضُّ مضاجع الحلم الكردي. تواجه المنطقة العربية تحديات لا يمكن وصفها إلا بـالخطيرة، تهدِّد بنيان وتماسك دولها، بصورة جعلت من كافّة الاحتمالات قابلةً للتحقيق، فمع استمرار الأزمة السورية لعامها الخامس، وظهور مخاطر التنظيمات المتطرفة، وعلى رأسها داعش، أصبحت الخريطة العربية تعجُّ بمتغيّرات هائلة، جعلتْها معصوبةَ العينين لا تكاد ترى إلا ما تفرزه الأحداث الراهنة من تحوّلات كبرى. خطر التنظيمات الإرهابية التي أصبحت تسيطر على مساحات تتزايد يومياً، في سورية والعراق، وفشل جهود المجتمع الدولي، حتى الآن، في التصدي لطموحات دولة الخلافة المزعومة لتنظيم داعش المتطرّف، فتحتْ هذه التطوراتُ شهيَّةَ بعض الأطراف التي تسعى جاهدة؛ لاستغلالها في تحقيق أغراض وأهداف سياسية، تتعارض مع وحدة الدول العربية. فخلال الشهور الأخيرة، ومع تزايُد الزخم الدولي في التصدي لعناصر تنظيم داعش المتطرِّف في سورية والعراق، برزت أحلام وطموحات إقامة دولة كردية مستقلة، تمتدُّ من شمال العراق وسورية إلى أجزاء من تركيا، إلى الواجهة، وبدأ الحديث سواء عربياً أو غربياً عن إمكانية تحقيق هذا الحلم الذي يكافح الأكرادُ من أجله، على مدار السنوات الماضية، بعد أن أصبحت قوات البيشمركة الكردية الرقمَ الأهم والأصعب، في مواجهة التنظيم المتطرِّف. وجاءت نتائج الانتخابات البرلمانية التي أُجريت مؤخَّراً في تركيا؛ لتضيف بعداً يراه محللون لا يقلُّ أهمية عن جملة المتغيِّرات التي تعصف بالمنطقة العربية، إذ استطاع حزب الشعوب الديمقراطي الذي يمثِّل الهُويَّة الكردية، الحصول على 13% من أصوات الناخبين، وهي مفاجأة ستغيِّرُ من المشهد السياسي التركي، وستترك آثارَها خلال الفترة المقبلة، لما سيقدِّمه من دعم في السياسات التركية الخاصة بحقوق الأكراد، ودولتهم المستقلة في المستقبل. في التحقيق التالي، تحاول المدائن طرح السؤال الملحّ على مائدة الخبراء والمحللين وهو: هل تدفع الظروف الراهنة، سواء مواجهة تنظيم داعش المتطرِّف في سورية والعراق، ونتائج الانتخابات التركية الأخيرة، إلى تحقيق الحلم الكردي، في إقامة دولةٍ مستقلة، أم أنها مجرَّد أضغاث أحلام؟، وما هي الأخطار التي تهدِّد سورية والعراق، حال نجاح الأكراد في تنفيذ حلمهم على أرض الواقع؟ دعم أمريكي للدولة الكردية المستقلة في البداية، يرى مدير وحدة العلاقات الدولية، بالمركز العربي للدراسات الإنسانية بالقاهرة، الدكتور محمد سليمان الزواوي، أن أحد أسباب الصعود الكردي سياسياً في تركيا هو الانفتاحة التي دشَّنها حزبُ العدالة والتنمية الحاكم، في التعامُل مع قضيتهم، على المستويات الثقافية والسياسية، والتي مكَّنت حزب الشعوب الديموقراطي من الحصول على 13% من مقاعد البرلمان، ولكنه لا يلعب سياسة فقط، بل تتقاطع أدوارُه مع حزب العمال الكردستاني، وزعيمه عبد الله أوجلان، وكذلك كان محرِّضاً على الاحتجاجات التي شهدتها مدينة كوباني بعد اجتياح تنظيم داعش المتطرِّف لها، واتهاماتها للحكومة التركية بالتقاعس. وأكَّد الزواوي أن حزب الشعوب الديموقراطي يسعى لتحقيق أهداف عِرْقيَّة للأكراد، إن لم يكن بإنشاء دولة ممتدة، فهو بمزيد من النفوذ، داخل الدولة التركية، لذلك فإن الأكراد برزوا كلاعب مهمّ على الساحة، وهو ما قد يجعل الناخب التركي يعيد النظر في التصويت له، إذا ما أُعيدت الانتخابات، حال فشل أيِّ طرف بتشكيل الحكومة. وأعرب الخبير في الشأن التركي عن اعتقاده بأن نهاية المغامرة الكردية، ستكون حين يلمس الناخبُ التركيُّ آثارَ التهديد بعودة الحكومات الائتلافية الهشّة، وأثر ذلك على الاقتصاد، والإطاحة بتجربة العدالة والتنمية الناجحة، حيث لن يقود منفرداً في هذه الحالة، وأظهرت بعضُ استطلاعات الرأي أنه في حالة إعادة الانتخابات فإن حزب الشعوب سيخسر ما يقرب 5%، أيْ سيعود تحت عتبة الـ10% المخوّلة بدخول البرلمان، ومن ثمَّ نقل حصته إلى الحزب الأكبر الفائز، وهو ما كان يحدث في كلِّ انتخابات سابقة، ويستفيد منه حزب العدالة والتنمية. وتابع الزواوي أنه مع مزيد من التوتّرات الإقليمية، واستقلال أكراد سورية، وازدياد نفوذهم مع الدعم الأمريكي لهم، فإن حلم إنشاء دولة كردية ممتدّة قد يكون أقرب من أيِّ وقت مضى، وربما يجبر دول الجوار على إيجاد صيغة لقبوله، تحت ضغط تنامي نفوذهم في المنطقة الممتدة من شمال العراق وسورية، مع التواصُل الجغرافي والعرقي الحتميّ لهم، في كلٍّ من الداخل الإيراني والتركي، ومع التقسيم الذي يحدث في الإقليم فإن رهان الولايات المتحدة يتزايد، يوماً بعد يوم، على الأكراد في مواجهة تنظيم داعش باعتبارهم إحدى أهمّ القوى المنظَّمة المرتبطة بالأرض، وليس لهم ميول عدوانيّة، سواء تُجاه الغرب أو إسرائيل، لذلك فإن الأيام القادمة ستكون حاسمة، فيما يتعلّق بتشكيل الحكومة التركية، واستيعاب الأكراد داخلها. حلم بعيد المنال ويختلف المحلل السياسيّ التركيّ، سعيد بلحاج، مع ما ذكره الخبير محمد الزواوي، إذ رأى أن فكرة اقتراب حلم الدولة الكرديّة من التحقُّق، بعيدة المنال، على الرغم من أن التطوُّرات تصبُّ في مصلحة المشروع الكردي؛ لتأسيس دولة مستقلة جديدة في المشرق العربي. وأضاف أن الحديث عن اقتراب هذه الدولة من القيام أمرٌ قريب من الخيال، لا الواقع؛ لأكثر من سبب، أوَّلُها أنَّ بعض الأقاليم الكردية، تحت سيطرة دول قوية وقائمة لم تفشل، على خلاف سورية والعراق، مثل تركيا وإيران، كما أن حزب الشعوب الكردي دخل الانتخابات التركية، على قاعدة المواطنة، وحتى لو كانت نواياهم مختلفة عمّا يعلنونه، يظلُّ في النهاية الأمرُ بعيداً عن إمكانية اندماج الأكراد في تركيا، ممّن انخرطوا في العملية السياسية، في مشروع إقليمي لتأسيس؛ دولة مستقلة. ولفت بلحاج إلى أن دور الأكراد في سورية يجري في بعض منه بالتنسيق مع النظام السوري نفسه، وأيُّ حديث للأكراد في المرحلة الحالية عن دولة مستقلة، انطلاقاً من شمال سورية والعراق؛ سوف يجعلُهم في مشكلة كبيرة مع الحكومات هناك. ورأى المحلِّل السياسي التركي، أن ما يجري إنما هو تكريس من جانب الأكراد، وبعض الحلفاء الدوليين، مثل الولايات المتحدة، لوجودهم كرقم سياسيّ، له وضعه؛ للتأسيس لما هو مقبل ليس إلا، والدليل على ذلك اختلاف فاعليّة الضربات الجوية الأمريكية في العمليات المشتركة مع الأكراد، عنها عن تلك التي تحدث مع القوات العراقية. وأشار إلى أن الدعم الأمريكي للأكراد سيكون أهمَّ عامل تعويق للمشروع، وليس تقدّمه؛ خلافًا لما يظنُّه البعض؛ لأنهم، وقتها، سيفقدون أيَّ تعاطُف مع مطالبهم في سورية أو العراق، خصوصاً بعد انتهاء الأزمة السورية بأيِّ شكل، فالأكراد سيبدون وقتها، وكأنهم قسموا سورية لحساب الأمريكيين، وطبعاً إسرائيل؛ لأن العلاقات بين الأكراد والصهاينة معروفة تاريخيّاً. لكن ما يحدث على الأرض، الآن، فقط مجرَّد تأسيس واقع قد يقود مستقبلاً لتشكيل دولة كردية، مثل جنوب السودان، فالجهود هناك استمرّت حوالي 120 عاماً، والنتيجة بالنسبة للغرب ليست جيدة؛ لأن هناك أزمة كبيرة وفوضى، ولم تقم الأطراف السودانية الجنوبية بما يلزم لبناء دولة مستقرّة قوية تخدم مصالح الغرب، فبالنسبة للأكراد ما يجري هو بداية، مع ضرورة ملاحظة إن التواصُل بينهم وبين أكراد العراق وسورية، وبين أكراد إيران وتركيا ضعيف. تعقيدات إقليمية ودولية تُجهِض الحلم الكردي أما المفكِّر السياسي العراقي، مصطفى الأوسي، فيرى أن مسألة إقامة دولة كردية في شمال العراق وسورية في الوقت الراهن أمر يكاد يكون شبه مستحيل؛ لتعقيدات إقليمية ودولية عدّة، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة لن تدعم هذا المشروع؛ حرصاً على حلفائها العرب في الحرب ضد داعش المتطرِّف، وغيره من التنظيمات الإرهابية، كما سوف تَظهر في مظهر مَن يدعم مخطَّطات تقسيم المنطقة. وأضاف أن الشاهد والثابت هو أن هناك ترتيباتٍ لمثل هذا المشروع مستقبلاً، ربما يأخذ عشرات السنوات، كما أن تأسيس دولة كردية قبل فوات الأوان، وإنهاء ملفّ داعش؛ يعني دولة غير مستقرّة، أو غير قائمة أصلاً، في ظلِّ سيطرة داعش على مناطق كردية إستراتيجية في سورية والعراق. ولفت الأوسي إلى أنه من الممكن أن تكون كردستان العراق وصلت إلى درجة النضج السياسي الكافية للاستقلال، من وجهة نظر الأكراد، التي يخالفها كثيرٌ من المحللين، لكن من الناحية الاقتصادية والعسكرية، يتفق الجميع على أنها لم تصل إلى درجة الاستعداد التي تؤهّلها للقيام بهذه الخطوة؛ لأن الجميع، الآن، يبحث عن النفط والمال، وليس السياسة. ودلّل الأوسي على صحّة تصوُّره بالتذكير بالتمرُّد الذي قاده الأكراد ضدّ نظام العراقي السابق، في أوائل السبعينيات، من القرن الماضي، بعد تحسُّن علاقة نظام صدام حسين مع الاتحاد السوفيتي، ودعم الرئيس الأمريكي، آنذاك، ريتشارد نيكسون، لطموحات الأكراد؛ نكاية في نظام صدام حسين، ومواجهة النفوذ السوفيتي، وجميع الدول التي قالت بأحقيَّة الأكراد في دولتهم، احتالت على الأكراد لتحقيق أهداف سياسية بحتة، ثم سحبت دعمَها لهم، ناهيك عن معوِّقات القومية الكردية والعربية التي تمنع القيادات التركية من المطالبة بالانفصال، وتكوين دولتها، كما أن إيران ستعارض بشدّة الأمر؛ خوفاً من استنفار الأكراد بها للمطالبة بحقوقهم.
مشاركة :