يؤكد خبراء علم النفس أن الاعتداد بالنفس هو سبيل المراهقين لإثبات شخصياتهم، خاصة أمام الحاضنة الأهم وهي الأسرة، ما يجعل سلوكياتهم تميل في بعض الأحيان إلى العدائية نظراً لما يمرون به من تغيرات معرفية وسلوكية، فيكون تعبيرهم عن أنفسهم إما بالتمرد أو الحزن أو الغضب. وينصح الخبراء بتوخي أسلوب اللين في التعامل مع الطفل المراهق ما يتيح له فرصة أكبر للتواصل. القاهرة - أشار علماء النفس والاجتماع إلى أن تقليل احترام ذوي المراهقين من السلوكيات التي يتجه لها هؤلاء بحثا منهم عن الاستقلالية، هو ما يخلق الفجوة بينهم؛ حيث إن التعاطي مع "التمرد" لن يكون بالأمر السهل للآباء. وتأتي هذه التصرفات من خلال السخرية أو الاستهانة باقتراحات الآباء والهروب من دائرة الضبط الأسري إلى حلقة أوسع يجدون فيها استقلاليتهم من خلال أصدقائهم. وقال الكاتب الصحافي بسام حسن المسلماني إن الحديث مع المراهقين بفظاظة وعدوانية، والتصرف معهم بعنف، يؤدي بهم إلى أن يتصرفوا ويتكلموا بالطريقة نفسها، بل قد يتمادون للأشد منها تأثيراً، فالمراهقون يتعلمون العصبية في معظم الحالات من الوالدين أو المحيطين بهم، كما أن تشدد الأهل معهم بشكل مفرط، ومطالبتهم بما يفوق طاقاتهم وقدراتهم من التصرفات والسلوكيات، يجعلهم عاجزين عن الاستجابة لتلك الطلبات، والنتيجة إحساس هؤلاء المراهقين بأن عدواناً يمارس عليهم، ما يؤدي إلى توترهم وعصبيتهم، ويدفعهم ذلك إلى عدوانية السلوك الذي يعبرون عنه في صورته الأولية بالعصبية. فالتشدد المفرط يحولهم إلى عصبيين ومتمردين. وأضاف أن المراهقين يشكون في معظم الأحيان من سوء فهم الكبار لهم، وكثيرا ما يعبرون عن الشعور بالظلم وعدم نيلهم لحقوقهم، بينما يشتكي الآباء والأمهات من حالة الرعونات والعصبية التي تظهر من أبنائهم المراهقين، ومن الأذى الذي يسببونه لسمعة العائلة. ونصح الكاتب الآباء بالتعامل باللين مع أبنائهم المراهقين ما يتيح مساحة أكبر للتواصل ويقلل من السلوك العدواني. ويرى الخبراء أنه عندما يكون الأب ضعيفا مع نفسه ومع ابنه المراهق، فإنه يتيح مساحة أكبر للتواصل معه وتقليل الانفعال، وإذا توصل إلى جذر ما يحدث بالفعل، فسيقوم بتوصيل مشاعره الحقيقية له. الآباء مطالبون بالتعامل باللين مع أبنائهم المراهقين بما يتيح مساحة أكبر للتواصل ويقلل من السلوك العدواني ومن المعروف أن المراهقين غير جيدين في التواصل مع آبائهم، ولم يسبق أن كان الرجال محترفين في التواصل اللفظي العاطفي على المستوى العام. لذلك، ليس من المستغرب القول إن محاولة التحدث مع صبي في سن المراهقة يمكن أن تمثل تحديا كبيرا على أقل تقدير. ويقول بريستون ني مؤلف كتاب "كيفية التواصل الفعال والتعامل مع المراهقين" في مقال له على موقع "سيكولوجي توداي"، إن "المراهقين سلالة فريدة من نوعها ومتناقضة في الكثير من الأحيان، فهم يكافحون من أجل التفرد ويتوقون إلى قبول أقرانهم. يتصرفون كما لو أنهم يعرفون كل شيء ومع ذلك يفتقرون إلى الكثير من الخبرة. يشعرون بأنهم لا يقهرون ومع ذلك غالبا ما يكونون غير آمنين". كما تعرض مؤلفة الكتب ديبي بينكوس في مقال لها على موقع "إمباورينغ برنتس" خمسة أسرار وجدتها مفيدة للتواصل مع المراهقين، وهي أن يحاول الآباء التفهم حتى لو لم يوافقوا تماما على ما يريده أبناؤهم، وأن يحاولوا التركيز فقط على وظيفتهم كآباء وتقديم المساعدة وعدم الحكم عليهم، وعدم طرح الأسئلة التي تضعهم في موقف دفاعي، وجعل هدفهم مساعدة الأبناء على التفكير بأنفسهم، وأخيرا عدم فعل أي شيء حتى يصبح الجميع هادئا. ويشير خبراء العلاقات الأسرية إلى أنه يصعب التواصل مع المراهقين، ويتأرجح بين التقارب والانفصال والاحترام والقبول. ويؤكدون أن المراهقين يحتاجون إلى الخوض في العملية الصعبة المتمثلة في تطوير ذواتهم الفردية. وجزء من ذلك يكون عبر الانفصال عن العلاقة التكافلية التي تربط الصغار بوالديهم. وذلك في محاولة للتعرف على أنفسهم واحتياجاتهم الشديدة والمشاعر الجديدة المربكة. ويحاول المراهق الإجابة عن السؤال الكبير الخاص بالمراهقة “من أنا”؟ ومثلما يتعلم الطائر أن يطير، يحتاج المراهق إلى الاعتقاد بأنه لا يحتاج إلى أبويه لاستجماع شجاعته لترك عش العائلة. لذلك، يجب أن يمنح الآباء أبناءهم مجالا للنمو واتخاذ قراراتهم بأنفسهم. وغالبا ما يفعل المراهقون أو يقولون أشياء لا يوافق عليها آباؤهم، لكنهم ما زالوا أطفالا في أعماقهم، وما زالوا يبحثون عن رضا أبائهم عنهم وقبولهم بما يقومون به، ويمكن أن يتأذوا كثيرا إذا حجب أهلهم ذلك عنهم. ويكره المراهقون بشدة إلقاء المحاضرات والخطب والنصائح عليهم. لذلك، يفضل خبراء علم النفس أن لا يقدم الآباء المشورة ما لم يطلب أبناءهم ذلك على وجه التحديد وأن لا يكونوا فضوليين ولا يصدروا أحكاما. ويعد الاستماع أهم مهارة اتصال مع المراهقين، حتى إذا كان الابن لا يتحدث إلى والديه بالطريقة التي يريدونها تماما، أو بالطريقة التي اعتادوا عليها عندما كانوا صغارا، فمن المحتمل أنهم يتحدثون بشكل عرضي طوال اليوم. وينصح الخبراء الآباء بالاستماع لما يقولون، حتى لو كان مجرد حديث صغير. فكل ما يقوله المراهق هو محاولة للتواصل. الآباء مطالبون بالتعامل بهدوء مع أطفالهم يشعر المراهقون في هذه المرحلة أنهم بالغون بالفعل، ولكن في واقع الأمر، هم لا يزالون أطفالًا. مع التغيرات الهرمونية والكثير من الأمور التي تحدث في أجسامهم، يكون من الصعب عليهم التعامل مع الكثير من المواقف على النحو المناسب. في هذه المرحلة، يمر المراهقون بمرحلة حرجة للغاية من حياتهم، فهم بحاجة إلى آبائهم ومعلميهم لرعايتهم والاهتمام بهم ومنحهم الشعور بالانتماء، لكنهم لن يطلبوا ذلك أبدًا. وإذا شعر المراهقون أن آباءهم ومعلميهم لا يساندونهم، وينتقدونهم باستمرار، ويعاقبونهم دائمًا، ويصدرون أحكامًا على كل خطوة من خطواتهم دون وجود حوار حقيقي بينهم، فسوف يشعرون بعدم الانتماء وهم داخل منازلهم ومدارسهم. ومع حدوث ذلك، يمكن أن يفقد المراهقون القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، ويسعون نحو الحصول على الدعم والمؤازرة من أشخاص آخرين قد لا يكونون الأفضل بالنسبة لهم. وفقًا للأبحاث العلمية، هناك نظامان مهمان في مخ المراهق لا ينضجان في ذات الوقت: نظام ينضج عند سن البلوغ، وهو النظام المسؤول عن السعي وراء المكافآت والفوائد الواضحة (مثل الحصول على شعبية بين الأصدقاء)، والإثارة (مثل كسر وخرق القواعد). ونظام ينضج في منتصف سن العشرينات، وهو النظام المسؤول عن ضبط النفس.
مشاركة :