الأزمة المالية تدفع دمشق لبيع أصول في القطاع العام

  • 10/13/2021
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

يعكس جنوح السلطات السورية إلى اتباع سياسة بيع أصول في شركات القطاع العام أو التخلص من بعضها نهائيا، حجم الضغوط المالية التي تمر بها البلاد في ظل ضيق هوامش الحصول على تمويلات أو مساعدات خارجية، بسبب القيود الاقتصادية الأميركية المفروضة على دمشق. دمشق – بدأت الحكومة السورية رحلة طويلة وشاقة للتخلّص من أعباء العشرات من الأصول المملوكة للدولة، والتي باتت حملا ثقيلا على الموازنة العامة للدولة الغارقة في أزمات اقتصادية ومالية لا حصر لها. وتواجه الشركات الخاضعة لسيطرة النظام السوري أزمة غير مسبوقة تهدد بقاءها، بسبب نقص التمويلات التي تساعدها في استدامة أنشطتها. ويغذي هذه المشكلةَ، التي يبدو أن حلها صعب حاليا، الكثيرُ من العوامل من بينها العقوبات الأميركية. ويشكك المتابعون للشأن السوري في قدرة السلطات على تحقيق أهدافها لأسباب تبدو واضحة وهي قلة الأموال في السوق المحلية، إذ لن يكون بمقدور رجال الأعمال المحليين شراء حصص في شركات أو عقارات حكومية بسبب عدم توفر السيولة الكافية. أنس علي: الأولوية تتمثل في استثمار الأصول الثابتة التابعة للقطاع العام وفي ظل قيود العقوبات الأميركية فإنه من المستبعد أن يقدم مستثمرون أجانب وخاصة حلفاء سوريا، روسيا وإيران، على هذه المغامرة. كما أن الشركات الصينية لن تكون لديها نية في دخول معركة تنطوي على استثمارات قد تبدو خاسرة. وخلال الفترة الماضية، كثفت وزارة المالية السورية جهودها وعملها بالتعاون مع عدد من الجهات العامة لمعالجة ملف إدارة الأصول الثابتة المملوكة للدولة، وخاصة والعقارية المبنية وغير المبنية. وتشمل تلك الأصول الأراضي العائدة للوزارة وغيرها من الوزارات بهدف تطوير السياسة المالية المؤدية للإنتاج بشكل متناغم مع السياسة الاقتصادية، وبما يؤدي أيضا إلى تحقيق إيرادات إضافية للخزينة العامة في وقت تبدو فيه الدولة في أمس الحاجة إلى الأموال مهما كان المصدر. ويؤكد مدير مديرية الإيرادات العامة بوزارة المالية أنس علي أن عدد الأصول العقارية لدى الوزارات المختلفة يتجاوز نحو 80 ألف أصل ما بين عقارات وأراض. ويشير إلى أن الأولوية في الوقت الحالي هي لاستثمار الأصول الثابتة التابعة للقطاع العام وأن وزارته تعكف حاليا على إعداد ملف متكامل يتضمن الإحصائيات وسيناريوهات الحلول المقترحة لعرضه لاحقا على الحكومة. ونسبت وكالة الأنباء السورية الرسمية إلى علي قوله “يجب أن يكون لجميع الأصول الثابتة عوائد تدخل في إيرادات الدولة من خلال استثمارها بشكل كفء وفاعل”. وأوضح أن إدارة الأصول تندرج ضمن خطة تطوير السياسة المالية ومن أهم أهدافها دعم الإنتاجية في القطاع العام للمؤسسات والشركات والمعامل والمصانع. الأزمة اللبنانية ضغطت على المصدر رئيسي للدولار بالنسبة إلى سوريا، مما أدى إلى إلحاق المزيد من الضرر بعملة تئن تحت وطأة سنوات من العقوبات الغربية ويرى خبراء ومحللون أن عدم توفر الموارد المالية والسيولة النقدية الكافية يشكل أحد العوائق، التي تعترض العملية الإنتاجية وتجديد خطوط الإنتاج لدى المصانع المنتشرة ضمن نطاق المناطق التي تسيطر عليها دمشق. وتسبّبت عشر سنوات من الحرب السورية بأضرار هائلة بالبنى التحتية واستنزفت الاقتصاد وقطاعاته المنهكة، عدا عن دمار كبير لم يميّز بين منزل ومرفق عام أو منشأة طبية أم تعليمية وعملة محلية متدهورة. وبحسب بيانات منظمة الأمم المتحدة في تقرير صدر في سبتمبر من العام الماضي، بلغ إجمالي الخسائر المالية التي مُني بها الاقتصاد السوري بعد ثماني سنوات من الحرب فقط بنحو 442 مليار دولار. كما تدهورت قيمة العملة المحلية بحوالي 98 في المئة مقابل الدولار في السوق السوداء خلال العقد الأخير، وهوت الليرة بنحو 40 في المئة منذ بداية العام جراء اشتداد الخناق على الاقتصاد السوري في ظل عقوبات قانون “قيصر” الأميركي. وضغطت الأزمة اللبنانية على مصدر رئيسي للدولار بالنسبة إلى سوريا، مما أدى إلى إلحاق المزيد من الضرر بعملة تئن تحت وطأة سنوات من العقوبات الغربية وصراع مدمّر مستمر منذ نحو عشر سنوات. وحدث آخر تهاو لليرة السورية الصيف الماضي، عندما بلغ سعر صرف الدولار أكثر من 4 آلاف ليرة في السوق السوداء، بسبب مخاوف من أن يزيد تشديد العقوبات الأميركية حال الاقتصاد سوءا. Thumbnail ويؤكد خبراء اقتصاد أن سحب دمشق للعملة الصعبة من الاحتياطيات المستنزفة أصلا طيلة السنوات الماضية من أجل سداد ثمن واردات كبيرة من السلع الأساسية والوقود بعدة مليارات من الدولارات، أدى إلى زيادة الضغوط. كما أن تردد السلطات في التدخل لحماية احتياطياتها من النقد فاقم الضغوط على العملة، وسط ضغوط أخرى نابعة من تراجع حادّ في التحويلات للمغتربين. وقال علي إن “من شأن استثمار الممتلكات المعطلة أو المجمدة العائدة للمعامل مثلا، وإعادة النظر في بدلات استثماراتها الحالية، توفير سيولة لتطوير وتسريع وتيرة الإنتاج فيها”. ولفت إلى أن بدلات الاستثمار للعقارات والأراضي والتجهيزات التابعة لعدد من الجهات العامة، تعود بالنهاية إلى الخزينة العامة للدولة لكن هناك بدلات استثمار منخفضة وهذا يعني وجود فرص ضائعة. وأوضح “من هنا فإن الوزارة بدأت منذ أشهر بالتعاون والنقاش مع المعنيين لدى الجهات العامة لاستثمار أصولها بشكل فعال وأكثر جدوى”. وترى دمشق أنه يمكن مثلا إدارة الأصول الثابتة لمصنع ما بشكل أفضل، من خلال عدة أساليب تتمثل إما بالقيام باستثمار الأصل الثابت بشكل كامل بدلا من استثمار جزء منه وإما استثماره بالشراكة مع القطاع الخاص أو تسييله. 80 ألف أصل تحوزه شركات القطاع العام ما بين عقارات وأراض بحسب إحصائيات وزارة المالية وتعتقد أيضا أنه من الممكن مراجعة بدل استثمار الأصل الثابت بما يتفق مع القيم الرائجة للعقارات بهدف زيادة إنتاجية وأرباح هذه المعامل وتحقيق إيرادات إضافية تسهم بتطوير التجهيزات وخطوط الإنتاج وتحسين الإنتاج، ما يؤدي إلى فوائض مالية تعود للخزينة. ويشير علي إلى أن عدد العقارات المستثمرة ببدلات منخفضة في معظم المحافظات كبير، وذلك مقارنة بعدد العقارات غير المستثمرة كليا والمستثمرة جزئيا والمستثمرة ببدلات جيدة الأمر الذي يحتم إعادة النظر في بدلات الاستثمار المنخفضة. وفي مارس الماضي، باشرت الحكومة السورية وضع استراتيجية لدعم أداء القطاعات العامة المنتجة وتعزيز إسهاماتها في دفع النمو مع وضع إطار تشاركي مع القطاع الخاص. وكان الرئيس السوري بشار الأسد قد أصدر في مايو 2015 مرسوما يقضي بالسماح بإنشاء شركات قابضة لإدارة مناطق البلاد، التي لا تزال تابعة لحكومة دمشق بشكل كامل. وتضمن المرسوم حينها “جواز إحداث شركات سورية قابضة مساهمة خاصة، بناء على دراسات اجتماعية واقتصادية وتنظيمية بهدف إدارة واستثمار أملاك الوحدات الإدارية أو جزء منها”. ويرى مراقبون أن ذلك الإجراء غير مسبوق في تاريخ سيادة الدول، حيث عطل ما تبقى من إدارة الدولة لصالح شركات خاصة تهدف إلى تحقيق أقصى العوائد، كما أنه يتضارب مع مصالح السكان.

مشاركة :