أطلقت مدينة كولونيا الألمانية مشروعا يسمح لمساجد المدينة بإسماع صوت آذان الصلاة أيام الجمعة عبر مكبرات الصوت، في خطوة أثارت جدلا واسعا. تزامنا مع نقاش متجدد حول مكانة الإسلام وقدرته على الاندماج في المجتمع الألماني. صورة خارجية للمسجد المركزي لمدينة كولونيا أعلنت مدينة كولونيا الألمانية (الخميس السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2021) عن مشروع نموذجي يمتد على مدى عامين، سيُسمح بموجبه (عند الطلب) لمساجد المدينة التي يبلغ عددها 45 مسجدا بإسماع صوت آذان صلاة الجمعة بواسطة مكبرات الصوت وفق شروط معينة. ووصفت عمدة المدينة هنرييت ريكير المشروع بأنه "مؤشر على القبول المتبادل للأديان (..) والتزام بالحرية الدينية التي يضمنها الدستور الألماني" واستطردت ريكير موضحة أن المواطنين المسلمين يعتبرون جزء لا يتجزأ من النسيج المجتمعي لكولونيا "وكل من يشكك في ذلك، إنما يشكك في هوية المدينة وروح تعايشنا السلمي". ووفقًا للمعلومات الأولية، فإنه ستتم مراقبة ومرافقة هذا المشروع عن كثب من قبل مدينة كولونيا. وبعد عامين حين انتهاء الفترة التجريبية للمشروع، سيتم إجراء تقييم شامل للتجربة من أجل اتخاذ قرار نهائي بشأنها. وأضافت ريكير "عندما نسمع صوت المؤذن إلى جانب رنين جرس الكنائس في مدينتنا، فهذا يدل على أن التنوع يحظى بالتقدير وهو جزء من كولونيا". ودافعت عمدة المدينة عن هذا المشروع بعد الجدل الواسع الذي عرفه الموضوع خصوصا على منصات مواقع التواصل الاجتماعي. وكتبت ريكير في تغريدة على تويتر "كل من يصل إلى محطة القطار الرئيسية في المدينة تستقبله الكاتدرائية وترافقه أجراس الكنيسة"، في إشارة إلى أن المدينة لن تفقد على أية حال هويتها المسيحية لصالح الإسلام ، خصوصا وأنه تم وضع شروط دقيقة لإسماع الآذان والذي يقتصر على أيام الجمعة فقط دون سواها، أي مرة واحدة في الأسبوع، على ألا تتعدى مدته خمس دقائق، مع تحديد حد أقصى لعلو الصوت في عملية سيتم ضبطها حسب موقع كل مسجد. كما يتعين على كل بلدية أيضًا تسمية شخص للتواصل معه تكون مهمته الإجابة على أسئلة مواطني الحي وتلقي شكاواهم المحتملة. كما لا يجوز إسماع الأذان إلا بين الساعة 12 ظهرًا والثالثة عصرًا. وتطالب العديد من الجمعيات الإسلامية في ألمانيا بأن يكون لها الحق باستعمال مكبرات الصوت في المساجد خلال الآذان. لكن أصواتا كثيرة ترتفع لمعارضة هذا المطلب. معركة حامية الوطيس في المواقع الاجتماعية المؤيدون للمشروع يقولون إنه يعزز مكانة كولونيا كمدينة ليبرالية منفتحة على كل الأقليات كيفما كان نوعها، وهي المدينة المعروفة أيضا باحتفال "كريستوفر ستريت داي" الذي ينظم خلاله مثليو الجنس سنويا استعراضا ضخما. وبالتالي فإن السماح بسماع صوت المؤذنين لن يكون إلا مؤشرا جديدا على التنوع والتسامح والقبول بالآخر. المؤيدون يدحضون أيضا الحجة القائمة على عدم التسامح مع الإسلام ليس بسبب مخاطر الإرهاب أو بسبب اضطهاد الأقليات المسيحية في بعض البلدان الإسلامية، بحكم أنه لا يجوز محاربة ظلم بظلم آخر. ثم إن قرار مدينة كولونيا ليس سابقة في ألمانيا، فهناك مدن أخرى تسمح بذلك كما هو حال مسجد حي هاسل في مدينة غيلزنكيرشن، حيث يصدح الآذان كل يوم جمعة منذ 20 عامًا. كما يسمع صوت المؤذن ثلاث مرات في اليوم من مسجد الفاتح في مدينة دورين (ولاية شمال الراين وويستفاليا) والتي كانت رائدة وسباقة على مستوى ألمانيا، إذ سمحت بإسماع صوت الآذان لأول مرة عام 1985. وبالتالي فإن كولونيا لن تكون حالة معزولة كما رأى الكثيرون من رواد المواقع الاجتماعية، خصوصا وأن عدد لمسلمين في كولونيا يتجاوز 120 ألفا يرتادون 45 مسجدا. أما المعارضون فيؤكدون أنه لا يمكن مقارنة الآذان في الإسلام مع رنين أجراس الكنائس المسيحية، فالأول نص ديني عقائدي يدعو المؤمنين للصلاة وبأن "الله أحد لا شريك له". فيما أجراس الكنائس رنين خالٍ من أي نص ومن أية دعوة. ويرى المعارضون أنه في عصرنا الذي يتميز بتطور هائل على مستوى التواصل التقني، ليست هناك حاجة لتذكير المؤمنين بمواعيد الصلاة. ثم أليست المدن الكبرى في حاجة إلى التقليل من الثلوث الصوتي والضوضاء الآتية من كل مكان من ورشات البناء وصفارات الإنذار وحركة المرور ..إلخ؟ رفع الآذان في قلب كولونيا استعراض للقوة؟ نشرت صحيفة "بيلد" مقالا لأحمد منصور خبير الشؤون الإسلامية، انتقد فيه المبادرة، معتبرا أن الآذان لا يتعلق بالحرية الدينية أو القبول بالتنوع والاختلاف، وإنما في الأمر استعراض للقوة. وفي نفس السياق ارتفعت أصوات من الحزب الاجتماعي المسيحي البافاري المنتقدة للمبادرة، إذ اعتبر فلوريان هان، الأمين العام للحزب أن بافاريا لا تسعى للدخول في تجربة مماثلة معتبرا أن ذلك "ليس جزءا من تقاليدينا الغربية". غير أن المؤيدين للمشروع يرون فيه مبادرة ذكية في سعي لبلورة إسلام ألماني مستقل عن بلدان المسلمين الألمان الأصلية في انسجام تام مع القيم التي يقوم عليها المجتمع الألماني. لا ننسى أن الكنائس تدق أجراسها ثلاث مرات في اليوم سواء بالنسبة للكاثوليك أو البروتستانت، فيما ينص مشروع كولونيا على الآذان مرة واحدة في الأسبوع (قبل صلاة الجمعة). ولا تزال العبارة التي طرحها الرئيس الألماني السابق كريستيان فولف عام 2010 بشأن انتماء الإسلام إلى ألمانيا، موضوع الساعة، إذ يعيش ما لا يقل عن 5.5 مليون مسلم في ألمانيا، ثلثهم في ولاية شمال الراين ووستفاليا. وهناك حوالي واحد في المائة فقط من المساجد التي يسمع فيها الآذان عبر مكبرات الصوت. وبهذا الصدد كتبت صحيفة "تاغسشبيغل" (11 أكتوبر/ تشرين الأول 2021) معتمدة على الفقرة الثانية من الفصل الرابع للدستور الألماني الذي يضبط حرية ممارسة العقائد الدينية، وتساءلت عما إذا كان من الممكن وضع أجراس الكنائس وأذان الصلاة على نفس المستوى؟ بحكم أن رنين الأجراس مجرد إشارات صوتية، فيما يتضمن الآذان نصا دعويا يتضمن الشهادة ويدعو للصلاة. وقالت الصحيفة إن "الفرق بين الإشارة الصوتية والعقيدة (المتضمنة في الآذان) لا يجب أن يكون مبررا لأي معاملة غير متكافئة". عراقيل أمام تعميم التجربة في باقي مدن ألمانيا يعيش حوالي 120 ألف مسلم في كولونيا، أي 12 في المائة من سكان المدينة، فيما يتراوح عددهم في العاصمة برلين ما بين 250 ألف 300 ألف مسلم، أي حوالي 9 بالمائة من السكان. ويبدو أن ما أقدمت عليه كولونيا قد لا تقدم عليه برلين. فهل هو الخوف من رد فعل الأوساط المحافظة؟ تردد الرأي العام الألماني لا يرتبط فقط بالأوساط المحافظة، وإنما له أيضا علاقة بفهم الإسلام كديانة "دعوية مناضلة" وارتباطها المتزايد بتيارات متشددة إن لم نقل إرهابية. وغالبية الألمان (61 في المائة) تعارض إسماع صوت الآذان (رفع الآذان عبر مكبرات الصوت) في مساجد البلاد، وفق نتائج استطلاع أجراه معهد البحوث الاجتماعية "Insa-Consulere" عام 2020. وبهذا الصدد اعتبر موقع "تشيتشيريو" (11 أكتوبر/ تشرين الأول 2021) قرار عمدة كولونيا رسالة خاطئة، معتبرة أن "الله أكبر" مقولة دينية "لا تقتصر فقط على الآذان والدعوة للصلاة، بل أصبحت أيضًا صرخة المعارك الجهادية. فبدلاً من الخضوع لمطالب الجمعيات الإسلامية، يجب على السياسيين الألمان أن يساعدوا في تقوية القوى العلمانية في أوساط المسلمين". 2800 مسجد في ألمانيا ـ اختبار لاندماج المسلمين! تثير مشاريع بناء المساجد الكبرى في ألمانيا كل مرة جدلا متجددا بين المؤيدين والرافضين. وبناء المساجد الجديدة تصاحبها عادة خلافات بين المؤيدين والمعارضين، خصوصا بعد موجات الهجمات الإرهابية في العالم المرتبطة بجماعات إسلامية متشددة. وحتى في حال الموافقة على البناء، فإن ذلك يخضع لشروط صارمة من حيث طول المئذنة وحجم القبة. والغالبية الساحقة من المساجد لا علاقة لها بالعمارة الإسلامية الراقية، وعادة ما تكون عبارة عن دور عبادة بسيطة في فناء خلفي في مناطق صناعية بالمدن الكبرى. ويقدر عدد المساجد في ألمانيا بكل أنواعها بحوالي 2800 مسجد، منها 350 مسجدا فقط يتوفر على مئذنة وأحيانا قبة، على الطراز المعماري العثماني (بحكم العدد الكبير للمسلمين من أصل تركي). أما باقي المساجد فهي عبارة عن مبانٍ بسيطة عادية للصلاة. وعكس ما هو مشاع فالشرط الوحيد في المسجد هو أن يكون نظيفا والقبلة موجهة نحو مكة، أما المئذنة فليست شرطا ضروريا. وفي السنوات الأخيرة زاد قلق شرائح واسعة من المجتمع الألماني من بناء المساجد الكبيرة خوفا من "أسلمة زاحفة" أو أن يكون لها تأثير يغير من طبيعة الجمالية العمرانية لمدن البلاد. فيما يسعى كثير من المسلمين في ألمانيا إلى الخروج من ظلام الأقبية المعتمة وبناء مساجد بهندسة معمارية راقية كتعبير عن اندماجهم في المجتمع الألماني. وهناك بالفعل مساجد كبرى تتسع لأكثر من ألف مصلٍ في عدد من المدن الألمانية الكبرى مثل كولونيا ودويسبورغ وبريمن وغيرها. حسن زنيند
مشاركة :