لم يكن ثمة بد من تعرض معالي الشيخ الأستاذ الدكتور عبد الرحمن السديس لأمر الطلاق الذي كثر الحديث عنه هذه الأيام على وجه الخصوص في أوساطنا الاجتماعية بل وحتى داخل الدوائر الرسمية، ومثله الخلع، والفسخ، وربما استمرار الحياة الزوجية ولكن مع غياب التوافق العاطفي والفكري والنفسي بين طرفي هذا الكيان الأسري العزيز. ولعل أغلى نصيحة يمكن أن تضاف لما أبدع في نسجه ونظمه وقوله صاحب المعالي الموقر ويؤكد عليها بشكل كبير، وضع طرفي التأسيس لهذه الكيان التربوي المهم إستراتيجية واضحة من البداية لحياتهم المستقبلية الواعدة -بإذن الله، ومعرفة كل طرف طبع الآخر، والتعرف على طبيعة الحياة الزوجية التي تختلف جذرياً عن حياة العزوبة التي قبل. نعم لقد جعل الله عز وجل عقد النكاح (ميثاقًا غليظًا) لا يوازيه ولا يماثله عقد آخر في دنيا الناس، ولذا من المفترض أن تتوج هذه الشراكة الفعلية بين الزوج والزوجة الموثقة بعقد غليظ برسم إستراتيجية مشتركة رأس مالها الحقيقي الأبناء والبنات حتى تكون الثمار يانعة عند الكبر - بإذن الله. كثير منا -للأسف الشديد- يعتقد أن هذه المصطلحات والمفاهيم لا يمكن تطبيقها في مؤسساتنا الاجتماعية فتجده ينشد الجودة في مناحي حياته المختلفة، وتبقى مؤسسته الأهم تعيش فوضى عارمة، لا قيم، لا علاقات، لا انسجام، لا تواصل وحوار، والنتيجة فساد الثمرة حين يحين وقت القطاف ويحل زمن الحصاد. ترى: ما هي الرؤية والرسالة التي ستضعها لأسرتك؟، ما الأهداف التي يرنو الأبوان تحققها في كيانهم الصغير سواء على المدى الطويل أو خلال الزمن المنظور؟، وأهم من هذا وذاك ما هي القيم التي يجب أن تحكم العلاقات الأسرية داخل البيت وخارجه، بين بَعضنا البعض، وحين تعاملنا مع الغير، سواء أكانت قيماً دينية أو اجتماعية أو اقتصادية أو إنسانية؟. ومن الإطار الإستراتيجي - الذي حقه أن يوليه ركنا هذه اللبنة الأساس في صرح الوطن العزيز وبنائه الشامخ - اختيار الشركاء الفاعلين في تحقق استقرار الأسرة وضمان استمرارها رغم ما قد تواجهه من تحديات وصعوبات هي سنة الله في هذه الحياة. الأمر الذي أتحدث عنه ليس ترفاً، ولا هو مجرد تنظير، بل هو في نظري أحد متطلبات القوامة التي جعلها الله للرجل في بيته، وحمله مسئولية الرعاية الكاملة لمن هم داخل أسواره (وكلكم راعٍ وكل مسئول عن رعيته). لنفكر سوياً حيال واقعنا داخل بيوتنا، أين هي منزلة قيمة الحب والمودة مثلاً، الرحمة، السرية، الصدق، الاحترام، التكاتف والتعاون، الوفاء، الحوار... وهكذا؟ من جهة ثانية من هم الشركاء الذين اخترناهم بعناية لرعاية هذا الكيان وحمايته من السقوط والفشل في ذاته أولاً وفي رعايته وتنشأته لنتاجه ثانيًا (المدرسة، الأصدقاء، الحي الذي نسكنه، خطيب الجمعة، القنوات الإعلامية، الأندية الرياضية والترفيهية وهكذا)، كثيرون يفشلون في اختيار الشركاء فتكون الطامة وقد يصل الأمر إلى الطلاق -لا سمح الله، حفظ الله كياناتنا الأسرية وأدام أمننا الاجتماعي المجتمعي وأصلح لنا ولكم النية والذرية، وإلى لقاء والسلام.
مشاركة :